23 عامًا على افتتاح مكتبة الإسكندرية.. إرث مصطفى العبادي الذي لا يزول

في مثل هذا اليوم 16 أكتوبر من عام 2002، كانت الإسكندرية والعالم على موعد مع لحظة تاريخية طال انتظارها، حين افتُتحت مكتبة الإسكندرية الجديدة رسميًا، لتُعيد إلى الحياة أحد أعظم الصروح الثقافية في تاريخ الإنسانية.
وراء هذا المشروع العظيم يقف اسم لا يمكن فصله عن المكتبة: الأستاذ الدكتور مصطفى العبادي (1928 – 2017)، المؤرخ والمفكر الكبير، وأحد أبرز المدافعين عن فكرة إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة بروح عصرية.
من حلم إلى واقع
كرّس الدكتور مصطفى العبادي سنوات طويلة من حياته من أجل تحويل الحلم إلى حقيقة. كان يرى في المكتبة القديمة رمزًا عالميًا للمعرفة، وحلقة وصل بين الشرق والغرب، والعلم والدين، والماضي والمستقبل.
انطلقت فكرته منذ سبعينيات القرن الماضي، حين طرح مشروع إعادة إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة أمام اليونسكو، مؤكدًا أن مصر قادرة على أن تبعث من جديد منارة العلم التي أضاءت العالم القديم.
وقد تبنت الفكرة رسميًا في منتصف الثمانينيات، قبل أن تبدأ أعمال الإنشاء في التسعينيات، حتى تم الافتتاح الكبير في 16 أكتوبر 2002، بحضور شخصيات عالمية ومصرية رفيعة المستوى، لتعود المكتبة إلى الحياة على ضفاف البحر المتوسط، في نفس الموقع تقريبًا الذي شهد تألقها القديم.
إرث معماري وثقافي خالد
المكتبة الجديدة ليست مجرد مبنى ضخم، بل عمل فني متكامل يجمع بين الرمز والحداثة.
من أبرز معالمها "جدارية مكتبة الإسكندرية" التي صممتها الفنانة النرويجية جورن سانز، وهي جدار ضخم من الجرانيت الرمادي جُلب من محاجر أسوان، تبلغ مساحته نحو 6000 متر مربع، ويحمل نقوشًا ورموزًا من 120 لغة مختلفة — تعبيرًا عن رسالة المكتبة في التواصل الإنساني عبر اللغة والمعرفة.
تُعد الجدارية واحدة من أهم رموز المكتبة، وقد تم نقشها يدويًا بعد عامين من العمل الدؤوب، في تحية بصرية للثقافات والحروف التي بنت الحضارة الإنسانية.
وقد صُممت المكتبة بحيث تتخللها أشعة الشمس من السطح فقط، فجاءت واجهتها الخارجية بلا نوافذ، في عمل فني فريد أصبح رمزًا معماريًا عالميًا.
مركز إشعاع ثقافي وعلمي
منذ افتتاحها، أصبحت مكتبة الإسكندرية مركزًا عالميًا للثقافة والبحث العلمي، وبيتًا للفكر والفنون والتراث.
تضم المكتبة ملايين الكتب والوثائق النادرة، إضافة إلى مراكز بحثية متخصصة، ومتحف للآثار، ومركز للعلوم يضم القبة السماوية الشهيرة.
كما أنشأت المكتبة منافذ بيع للكتب والهدايا الثقافية منذ عام 2002، أحدها في المدخل الرئيسي والآخر في مركز القبة السماوية العلمي، تقدم من خلالها مطبوعات وإبداعات محلية وعالمية.
كلمة التاريخ
كان الدكتور مصطفى العبادي يردد دائمًا أن "إحياء مكتبة الإسكندرية ليس مجرد مشروع معماري، بل رسالة حضارية للعالم تقول إن مصر ما زالت قادرة على العطاء والتنوير".
رحل العبادي عام 2017، لكنه ترك وراءه صرحًا يشهد على الإصرار والإيمان بالمعرفة كقيمة خالدة، وعلى أن الأحلام الكبيرة يمكن أن تتحقق.
23 عامًا من النور
اليوم، بعد 23 عامًا على الافتتاح، لا تزال مكتبة الإسكندرية تُجسد روح العبادي ومشروعه الفكري والإنساني، كمنارة تجمع بين الماضي العريق والمستقبل الواعد.
إنها أكثر من مكتبة، إنها رسالة أمل وتنوير من مصر إلى العالم.