محمد خليفة يكتب: التخطيط السيئ وتداعياته: من المخاطر المستمرة إلى العلاقات الفاسدة
في مجتمعنا تتعدد صور العلاقات الفاسدة التي تؤدي إلى تدمير الثقة وزيادة المعاناة من أسوأ هذه العلاقات وأكثرها ضررًا هي تلك التي تشكل تحالفات غير قانونية ومشبوهة بين مختلف الأطراف من أجل تحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطن البسيط تلك التحالفات ليست محصورة في مجال واحد بل تتنوع بين قطاعات عدة.
فمن أسوأ الأمثلة التي يمكن أن يتعرض لها المواطن في مصر هي العلاقات الفاسدة بين بعض الأطباء ومعامل التحاليل ومراكز الأشعة والصيدليات هذه التحالفات غالبًا ما تكون قائمة على مصالح مالية غير مشروعة، تهدف إلى استغلال المرضى بشكل غير أخلاقي.
حيث تبدأ القصة عندما يتم توجيه المريض من قبل الطبيب إلى معمل تحاليل أو مركز أشعة بعينه ليس بناء على احتياج المريض الفعلي ولكن بسبب اتفاقات غير معلنة تضمن للطبيب عمولات مالية وعندما يصل المريض إلى المعمل أو المركز يكتشف أنه مطالب بإجراء فحوصات غير ضرورية أو باهظة التكاليف وفي النهاية يحصل الصيدلي أو المركز الصحي على حصته من هذا التحالف المشبوه بينما يتم تحميل المريض الذي غالبًا ما يكون في وضع اقتصادي صعب أعباء مالية إضافية.
هذه الممارسات لا تقتصر على إهدار المال فحسب بل تؤدي أيضًا إلى تأخير التشخيص الصحيح والعلاج المناسب مما يزيد من معاناة المرضى ويفاقم الوضع الصحي لهم والمشكلة لا تنحصر فقط في الأطباء أو المؤسسات الصحية بل تشمل أيضا دور بعض شركات الأدوية والصيدليات التي تعمل على ترويج أدوية غير ضرورية أو مغشوشة لتحقيق أرباح غير قانونية على حساب صحة المواطنين.
كما ان العلاقات الفاسدة تتعدى القطاع الصحي لتصل إلى السياسة في فترات الانتخابات نجد أن البعض يسعى للتلاعب بإرادة الناخبين من خلال تحالفات غير شرعية بين بعض رجال الأعمال والسياسيين حيث يتم شراء الأصوات مقابل المال أو الوعود بالخدمات هذه العلاقات تؤدي إلى نتائج مزورة تخدم مصالح فئة قليلة على حساب الشعب بأسره.
فعندما تسيطر العلاقات الفاسدة على العملية الانتخابية فى كثير من القطاعات حيث يتم اختيار أشخاص غير أكفاء أو غير مؤهلين لتولي المناصب مما يؤدي إلى تدهور الخدمات العامة وضعف الأداء الحكومي وبمرور الوقت يتولد شعور بالإحباط لدى المواطنين الذين يشعرون أن أصواتهم لا قيمة لها وأن المستقبل السياسي والاقتصادي مسيطر عليه من قبل قلة بينما يتم تهميش بقية المجتمع.
ايضا واحدة من أبرز صور العلاقات الفاسدة التي يعاني منها المواطن هي المحسوبيات في التوظيف داخل المصالح الحكومية بدلا من أن يتم اختيار الموظفين بناءً على الكفاءة أو الخبرة يتم تعيين البعض بناء على علاقات شخصية أو اجتماعية هذا الأمر لا يقتصر على التوظيف فحسب بل يمتد أيضا إلى ترقيات وامتيازات يتم منحها بشكل غير عادل.
نتيجة لهذا التخطيط السيئ يواجه القطاع الحكومي حالة من التدهور في الأداء حيث يعمل الموظفون غير الأكفاء في المناصب الحساسة مما يؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتزداد معاناة المواطن الذي يجد نفسه في مواجهة بيروقراطية غير فعالة تؤدي إلى تعطيل المصالح وتأخير الإجراءات التي قد تكون حاسمة في حياته اليومية.
فالعلاقات الفاسدة تؤدي إلى تهديدات متعددة على مستوى المجتمع حيث تخلق بيئة من انعدام الثقة عندما يشعر المواطن أن كل شيء قابل للتلاعب بالمال والعلاقات الشخصية ينشأ نوع من الإحباط الاجتماعي ويزداد الفساد بشكل تدريجي في جميع مجالات الحياة
في القطاع الصحي يؤدي الفساد إلى تدهور النظام الطبي بشكل عام المريض يستغل بدلا من أن يعالج كما تزداد الأعباء الاقتصادية عليه أما في الانتخابات، فالفاسدون يعطون صورة خاطئة عن العملية الديمقراطية ما يؤدي إلى ضعف المشاركة الشعبية وفي المصالح الحكومية يؤدي الفساد إلى ضعف الأداء الإداري مما يعطل مسيرة التنمية ويزيد من الفوارق الاجتماعية.
فالعلاقات الفاسدة ليست مجرد حالة عابرة يمكن التغاضي عنها بل هي مشكلة بنيوية تؤثر على جميع نواحي الحياة إنها تؤدي إلى تخطيط سيئ يزيد من تفشي المخاطر والأزمات في مختلف القطاعات لتحقيق التغيير يجب أن نبدأ بمحاربة الفساد على جميع المستويات من خلال تحسين الشفافية وتشجيع المساءلة والمحاسبة والعمل على بناء مجتمع يضع مصلحة الجميع فوق أي مصالح شخصية.
وإن ما تشهده مصر من محاولات للتطور والتحسين في مختلف المجالات يعود في جزء كبير منه إلى التوجيه الحكيم للقيادة السياسية التي تسعى جاهدة إلى معالجة التحديات والمخاطر والحد من الفساد ورغم وجود بعض هذه المخاطر التي قد تؤثر سلبًا على الحياة اليومية للمواطن إلا أن الإرادة السياسية واضحة في دفع عجلة الإصلاح ومكافحة الفساد بكل أشكاله إن إرساء أسس الشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية من أولويات القيادة مما يفتح آفاقا جديدة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وتقدما.
كاتب المقال: محمد خليفة... مستشار التطوير المؤسسي وإدارة المخاطر.




















