الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : الأفاعي الثلاثة: حين تصبح الرحم لعنة والدم عارًا

جاءني صديق ذات مساء، لا يحمل من الدنيا إلا قلبًا مكسورًا ووجهًا أكلته الهموم، جلس أمامي صامتًا، لكنه كان كمن يحمل في صدره براكينًا من الألم. لم يكن بحاجة إلى كثير من الكلمات، فالخذلان حين يأتي من الدم، لا يحتاج إلى تفسير.
قال لي، والحزن يقطرمن عينيه،خانتني شقيقاتي الثلاث، من كنت أراهن أمانًا، صرن اليوم أفاعي تنفث السم في كل اتجاه."
لم يكن يتحدث عن خلاف عابر أو مشادة عائلية، بل عن ثلاث شقيقات خلعن عن قلوبهن أثواب الرحمة، وارتدين عباءات الحقد والدهاء. شقيقات لم يكتفين بقطع صلة الرحم، بل ذبحنها بدم بارد، ورقصن على جثتها بضحكاتٍ صفراء، لا تشبه البشر في شيء.
لقائتهم مسجلة
هؤلاء لسن مجرد نساء ضللن الطريق، بل هن عورات الزمن، خزائن للغل، مستودعات للحسد، لا يهدأ لهن بال إلا إذا رأين الخراب يحل بمن حولهن، ينهشن الأعراض بالكلام، يقتتن على الشائعات، يوظفن كل لقاء، وكل جلسة، وكل كلمة عابرة.
لا لشيء إلا لتسجيلها خلسة، وحفظها كرصاصة في خزائن خبثهن، يخرجنها وقت الحاجة، لا ليُدافعن عن أنفسهن، بل ليبتزن، ويهددن، ويشوهن سمعة من أحسن إليهن.
كل زيارة لهن كمين مسجَّل، كل حديث خاص وثيقة للاستغلال، لا تعرف متى تُبتر جملة من سياقها لتُستخدم كخنجر يُغرس في ظهرك وأنت لا تعلم.
والأغرب من كل هذا، أنهن لا يفعلن ذلك من فقر أو حاجة، بل من طمعٍ أصيل وجشعٍ لا يُروى، يمتلكن من المال ما يكفيهن ويكفي أولادهن وأحفادهن من بعدهن، ولكن عيونهن لا تشبع، ولا قلوبهن تعرف القناعة.
كأن داخل كل واحدة منهن فراغًا لا يملأه ذهب الدنيا كله، يسعين للمال وكأنهن لم يذقن رغيف خبز في حياتهن، ويتسابقن على الحرام، وكأن الحلال عار لا يليق بهن.
لم يكتفين بخيانة الأخ، بل ركلن أبناءهن، تركن فلذات أكبادهن في عمر الزهور بحثًا عن المال، ولو كان على حساب كرامتهن، أو دينهن، أو حتى أمومتهن.
يمتلكن دموع التماسيح، وأصوات الأبرياء، لكن قلوبهن سوداء كالليل، نواياهن كالسُم، إن اقتربت منهن أحرقتك، وإن وثقت بهن دمرنك، لقد صنعن من الشر مذهبًا، ومن الخديعة أسلوب حياة، ومن دماء الإخوة سلّمًا يصعدن عليه نحو دنيا زائفة.
أقولها صراحة، دون مواربة أو خجل- ليس كل من وُلدت من رحم أمك تستحق أن تُسمى "أختًا"، فالخيانة حين تأتي من الشقيقة، تصبح الطعنة أعمق، والجُرح غائرًا لا يُشفى.
أيها الناس، احذروا الأفاعي المقنعة، فإن أخطر الأعداء ليس من يأتيك بسيف في وضح النهار، بل من يبتسم في وجهك ويدس لك السم في كأس المحبة.
وهكذا، فإن من يبيع دمه ويطعنه، من يخون المعروف ويكفر بالجميل، من يسعى في الأرض فسادًا ويظن أن دهاءه سيحميه... نسي أن الله لا ينام، وأن دعوة المظلوم تُرفع فوق السحاب، وأن لكل ظالم نهاية، ولكل طاغٍ سقوط، ولو بعد حين.
ا لعبرة؟
لا تثق في من قتل الرحمة في قلبه، ولا تتوقع الخير ممن جعل الغدر طريقًا، فبعض الوجوه تُشبهنا في الملامح، لكنها خالية من الإنسانية، وإن غداً ،حين تهدأ العاصفة، وتنكشف الأقنعة، وتذبل دموع التماسيح عن الوجوه الكاذبة، سيعلم الجميع أن الله لا يترك المظلوم، وأن الحق لا يُدفن، .غدًا، سيندم من ظن أن دهاءه حصن، وأن المال كل شيء، وأن تسجيل اللقاءات، وبث الشائعات، وذبح صلة الرحم، سيمنحه القوة والنفوذ، فمهما طال أمد الظلم، فإن عدالة السماء لا تتأخر، وإن قلوب البشر قد تُخدع، لكن عين الله لا تغفل.
نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ۖ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتزولَ مِنْهُ الجبالُ ﴾
[سورة إبراهيم: 46] - ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
[سورة إبراهيم: 42]