الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : قطار الأسعار لا يعرف محطة النزول !!

ظاهرة عجيبة وغريبة لم يشهدها إقتصاد أى دولة فى العالم سوى مصر ، وهى أن أسعار السلع والمنتجات لا تعرف سوى الإرتفاع فقط أما أن تتجه نحو التراجع والإنخفاض فهذا درب من الخيال حتى لو كانت الظروف المالية الملائمة متوافرة وتؤكد على ضرورة خفض الأسعار.
حين ترتفع الأسعار _ وهذا هو ما يحدث من آن لآخر _ نجد الحكومة تسوق المبررات المتعددة التى هى فى الأساس مجرد " شماعة " تعلق عليها فشلها فى تحقيق التنمية المأمولة والتى ترتكن فى الأصل على زيادة حجم الإنتاج المحلى والعمل على زيادة حجم الصادرات وتخفيض فاتورة الواردات المرتفعة ، ومن ثم تتوافر العملة الأجنبية الصعبة التى من خلالها تستطيع الدولة سداد كل ماعليها من إلتزامات وأهمها القسط السنوى لفوائد الديون الخارجية التى تقدر حالياً بنحو ١٥٥ مليار دولار حسب التصريحات الحكومية الأخيرة بعدما كانت ١٦٩ مليار دولار.
وهذا الأمر للأسف لن يتحقق فى ظل هذه الحكومة التى تقوم بالتفريط فى المقدرات والصروح الصناعية العملاقة التى كانت تمتلكها والتى تراجع عددها إلى نحو ٦٠ شركة بعدما كان عدد تلك الشركات يبلغ نحو ١٥٦ شركة فى نهاية عهد مبارك ، أى بعد تطبيق برنامج بيع الشركات العامة والسماح للقطاع الخاص بتملكها فى إطار ما يسمى بالخصخصة ، علما بأن هذه الشركات كانت تنتج مختلف السلع والمنتجات التى كان يحتاجها السوق المحلى.
وليس خفيا على أحد أن سعر الدولار كان ومازال العامل الرئيسى فى تحريك الأسعار وارتفاعه المتكرر خلال السنوات الأخيرة ووصوله إلى معدلات خيالية وراء موجات الغلاء الجنونية المتعاقبة ، وهو الآن شهد تراجعا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة ولكن لم تتأثر الأسعار ولم ينخفض سعر أى سلعة وهو أمر يخالف كل الأعراف الاقتصادية حيث أن الأسعار لا تزال ثابتة بل والأدهى أن بعضها إرتفع.
وكان سعر الدولار مؤخرا قد تراجع أمام الجنيه إلى نحو ٤٧.٥ جنيه فى الوقت الذى إنخفض فيه معدل التضخم خلال سبتمبر الماضى بنحو ١ % مقارنة بشهر أغسطس ليصل إلى نحو ١٠.٣ % وذلك حسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، وهو الأمر الآخر الذى يؤكد على ضرورة خفض الأسعار ولكن هذا لم يتحقق بما يعكس مدى التسيب والفساد المحيط بالمنظومة التجارية فى مصر ، والتى تركت لها كل الأجهزة الرقابية الحبل على الغارب للسيطرة على الأسواق وفرض الهيمنة الكاملة على سياسة التسعير مما يجعل هذه الأجهزة فى قفص الإتهام ، خاصة بعد أن تركت المستهلك فريسة سهلة لجشع التجار الذين يتلاعبون بالأسعار كيفما شاؤوا لتضيع فرصة ذهبية لخفض الأسعار.
والأعجب أن أسعار بعض الخضراوات والفاكهة التى فى الأصل غير مستوردة إرتفعت بنسب خيالية بما يؤكد أن هناك تصميم من جانب مافيا التجار على الإستغلال وتحقيق أكبر أرباح ممكنة على حساب المستهلك فى ظل عدم وجود أى نوع من المحاسبة من جانب الأجهزة الرقابية المنوط بها مواجهة هذا التلاعب والعمل على تحديد آليات الأسعار.
الأمر يتطلب _ إذا كانت الحكومة حريصة على المواطن كما تزعم _ أن يتم تفعيل مختلف الأجهزة الرقابية وتحديد هامش ربح للتجار الذين يبررون عدم خفض الأسعار فى الوقت الراهن إلى أنهم إشتروا السلع بأسعار مرتفعة قبل خفض سعر الدولار علماً بأن العلاقة العكسية لا تتحقق فى حالة رفع سعر الدولار ولم يراع التجار أنهم كانوا قد إشتروا السلع بأسعار أقل وتجدهم يسرعون نحو الغلاء.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى