الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : ”أقنعة زائفة... وشُعبة تُختطف”

تُخاض اليوم معارك ناعمة في ظاهرها، قذرة في باطنها، داخل كواليس شعبة المحررين البرلمانيين بمجلسي النواب والشيوخ. وجوه تبتسم، وكلمات تنساب كالماء العذب، لكن ما إن تدير ظهرك، حتى تُشهر فيك السكاكين المسمومة. هناك من لا يسعون لبناء الشعبة، بل لاختطافها، والجلوس على أنقاضها، ولو بالدهس على التاريخ والمبادئ والزملاء،هنا تبدأ الحكاية، بعد إن أصبحنا في زمن اختلطت فيه القيم وتبدلت فيه المعايير، لم يعد العجب من أولئك الذين يرتدون عباءة الطيبة والنقاء والابتسامة الرقيقة، بينما يخفون خلفها قلوبًا مليئة بالغدر والدهاء والانتهازية.
يظهرون أمامك كالملائكة، ويتحدثون بلسان معسولتدوب فية الرقة ، وما إن تتقاطع مصالحهم معك، حتى ينقلبوا كالحرباء، يتلونون ويتبدلون، ويبدأون في خوض المعارك القذرة، غير الشريفة، لإقصائك وتهميشك وربما الطعن في شرفك وسمعتك.
هؤلاء، أعرفهم جيدًا، لا من حكايات الناس، بل من تجربة 35 عامًا في بلاط صاحبة الجلالة، منذ أن كنت تلميذًا في مدرسة ملحقة المعلمين الابتدائية، مسئولًا عن الصحافة المدرسية، وحتى صرت واحدًا من مؤسسي شعبة المحررين البرلمانيين بنقابة الصحفيين، وقائدًا فيها لعقود ، رئيسًا للجنة الاجتماعية،و أمينًا عامًا ،وأمينًا للصندوق، ثم نائبًا لرئيس الشعبة.
رأيت بأم عيني "الثعابين" التي تزحف بابتسامة، و"الذئاب" التي ترتدي جلود الحملان، يعتلون المنابر ويتحدثون عن المبادئ، بينما لا يعرفون معنى الوفاء، أو قيمة الاحترام، ولا يحملون ذرة إخلاص أو تقدير لتاريخ أو لمكانة أحد، هنا السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يظهر هؤلاء بهذه الصفات الذميمة؟
الجواب واضح، بيئة خالية من التربية، وأسرة غائبة، ونصيحة لم تُقَدّم، وفقر ترك بصماته في النفوس، حتى صاروا حاقدين حاسدين ناقمين، يظنون أن الطريق للنجاح يمر من فوق جثث الشرفاء.
أتذكر المثل الشعبي: "اعرف الفقير اللي كان غني، ولا تعرف الغني اللي كان فقير"، لأن الثاني غالبًا ما يحمل عقد النقص والدونية، ويحاول تعويضها على حساب الآخرين.
هؤلاء تجدهم في كل مكان، في المؤسسات الحكومية، في ساحات الانتخابات، في النقابات، يوزعون الابتسامات هنا، ويطعنون في الظهر هناك، يدّعون حب الشفافية وهم أكثر الناس خوفًا من الضوء.
ومع اقتراب انتخابات شعبة المحررين البرلمانيين، أوجه رسالتي لكل الزملاء الأعزاء الذين أكنّ لهم كل الاحترام والتقدير،
احذروا الأوهام، واحذروا الشعارات الكاذبة، احذروا من يحاول ركوب الموجة باسم التغيير، بينما يسعى لإقصاء كل من يقف أمام طموحه المريض.
احذروا من يفتعل الأزمات، ويوجج الفتن، ويخوض معارك الوهم، لمجرد أن يفرض نفسه، ولو على حساب الشعبة وتاريخها.
نؤكد هنا الزمن كفيل بكشفهم، والتاريخ لن يرحم المتلونين،لكن انتبهوا، فهذه ليست معركة انتخابات فقط، بل معركة وعي وكرامة وتاريخ.
من انقلب اليوم على زملائه وأساتذته الذين صنعوا اسمه وفتحوا له الأبواب، لن يتردد غدًا أو بعد غد في الانقلاب على أي شخص يقف في طريق أطماعه، أو يتعارض مع مصالحه ومكاسبه الشخصية.
من خان العِشرة بالأمس، سيبيع المبادئ غدًا، ومن استبدل الوفاء بالمصلحة، سيفعل أي شيء ،كل شيء، ليصل، حتى لو عبر جثة الزمالة ونقابة الصحفيين بأكملها.
احذروهم قبل أن تصبح الشعبة رهينة في أيديهم، واحذروا أن يضحكوا عليكم بكلمات ناعمة، بينما يطعنون الشرفاء بخناجر مُسمّمة باسم التطوير والتغيير.
وفقكم الله في اختياركم لمجلس إدارة شعبة المحررين البرلمانيين، تلك الشعبة التي حمل لواءها على مدى عقود أساطين الصحافة المصرية، وأسسوا لها تاريخًا ناصعًا من المهنية والشرف والالتزام.
يكفينا فخرًا أن نذكر بكل تقدير واحترام الأستاذ الراحل محمود معوض، مدير تحرير الأهرام، الذي كان أبًا روحيًا للشعبة، وضميرًا مهنيًا نقيًا، ظل مخلصًا لها حتى آخر لحظة في عمره، رحمة الله عليه.
ويأتي في الصفوف الأولى من هؤلاء الكبار، الأستاذ جلال السيد، مدير تحرير الأخبار، قامة صحفية رفيعة، وصاحب سيرة عطرة، والأستاذ محمود نفادي، نائب رئيس تحرير الجمهورية، الذي بقي على الدوام صوتًا للحق، ورمزًا للنزاهة في بلاط صاحبة الجلالة.
ومن جيل الشباب الذين جمعوا بين الموهبة والخلق والالتزام، نرفع القبعة للأستاذ بهاء مباشر، ابن الأهرام، الذي خطى بخطى ثابتة على درب الكبار، وظل وفيًا للمدرسة التي تخرج فيها.
ولا يمكن أن ننسى شيوخ المهنة الذين تقلدوا مواقع مؤثرة داخل الشعبة وأسهموا في ترسيخ أعمدتها المهنية والأخلاقية، وفي مقدمتهم الأساتذة عبد العزيز جاد (وكالة أنباء الشرق الأوسط)، ورفعت رشاد (الأخبار)، وعبد الجواد علي (الأهرام)، ومحمد المصري (أكتوبر)، ومصطفى عبد الغفار (الجمهورية)، والزميل الراحل حازم منير ( الاهالى ) وعبد الفتاح فايد ( الشعب ) ومحمود غلاب ( الوفد) وجهاد عبد المنعم ( الوفد ) وممدوح عيد (الجمهورية)، وحمدى مبارز ( عالم اليوم ) هؤلاء الكبار لم يكونوا مجرد صحفيين، بل كانوا معلمين وأصحاب مبادئ، غرسوا في الأجيال الجديدة حب المهنة واحترام القارئ والالتزام بالموضوعية والمصداقية.
وفي حقبة هؤلاء الشيوخ الكبار، الذين حملوا هموم المهنة بضميرٍ حيّ، كانت شعبة المحررين البرلمانيين في أزهى عصورها. فقد كانت السفريات البرلمانية الخارجية متاحة لجميع أعضاء الجمعية العمومية، دون تمييز أو محاباة، حيث لم تكن هناك سفرية تقلّ عن أربعة صحفيين، ووصلت بعض الوفود إلى ثمانية صحفيين دفعة واحدة،أما السفريات الداخلية، فكانت مفتوحة للجميع، تُنظم بعدالة وكرم، تضمن مشاركة كل من ينتمي لهذه الشعبة العريقة، بالاضافة الى المصايف العائلية فى أفخم الفنادق وأيضا المصايف الخارجية لاعضاء الشعبة فى لبنان وسوريا وتركيا والمغرب وتونس.
ولا يمكن أن ننسى ما قُدم في عهد الأستاذ القدير محمود نفادي، الذي استطاع أن يُسافر بـ 23 صحفيًا دفعة واحدة لأداء مناسك العمرة، على نفقة الشعبة في مشهد إنساني ونقابي نادر، يثبت أن شيوخ المهنة لم يكونوا مجرد قيادات، بل كانوا آباءً حقيقيين يرعون أبناءهم ويضعونهم في القلب.
إن هؤلاء الرموز لم يصنعوا فقط تاريخًا صحفيًا عظيمًا، بل أسسوا لرُقي أخلاقي ومهني نفتخر به، وتركوا لنا إرثًا نعتز بحمله والدفاع عنه. تحية تقدير وإجلال لكل من رفع راية الصحافة الحرة النزيهة، وجعل من قلمه درعًا للوطن وصوتًا للمواطن.