الكاتب الصحفي صالح شلبي يكتب: رسالة مفتوحة إلى بكري: لا تُشعلوا الحرائق باسم الاستقرار

أتابع – باندهاش شديد – ما يطرحه الزميل الكاتب الصحفي والنائب البرلماني مصطفى بكري حول قضية قانون الإيجار القديم، ذلك الملف الشائك الذي يحتاج إلى عقل يحمل الحكمة والعدل والضمير، ولسان موزون، لا إلى منابر إعلامية تنقلنا من واقع الأزمة إلى ساحة تخويف وترويع لا مبرر لها.
لقد خرج الزميل بكري على شاشة قناة "صدى البلد" ليتحدث، لا عن حلول منصفة، بل عن "تحذيرات مبطنة" بأن إصدار قانون ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر سيؤدي إلى "ثورة مليون مستأجر"، وكأننا أمام صراع محتوم بين الدولة ومواطنيها، أو مواجهة غير محسوبة العواقب بين الشرطة وفئة اجتماعية يفترض أن يكون الحوار معها ممكنًا، والقانون فوق الجميع.
إن مثل هذه التصريحات لا تليق بمقام نائب في البرلمان، منوط به أن يوازن بين الحق والعدل، وأن يكون حريصًا على هيبة الدولة واستقرارها، لا أن يُطلق عبارات توحي بأن العدالة ستفجّر الشارع. هذه ليست مسؤولية تشريعية، بل انزلاق في نبرة غير محسوبة، تفتح أبوابًا كان الأولى أن تُغلق بالحكمة.
ثم إننا نتساءل: لماذا هذا الانحياز الكامل للمستأجرين دون النظر إلى الطرف الآخر؟ لماذا نغفل أن هناك أكثر من مليون وستمائة ألف مالك يعيشون في معاناة دامت عقودًا، حُرموا فيها من حقوقهم المشروعة في التصرف في ممتلكاتهم؟ أليس من العدل أن ننظر إلى هؤلاء كما ننظر إلى غيرهم؟ أليس من الظلم البيّن أن يستمر المالك في قبض خمسة جنيهات إيجار شهري لعقار يساوي الآن ملايين، في حين أن المستأجر نفسه قد يكون قد ورث هذا الامتياز دون وجه حق؟
ثم الحديث عن "خلو الرجل" وكأنه ثروة حصل عليها كل مالك في الماضي، حديث غير دقيق، ويعمم بشكل يفتقر إلى الموضوعية. فليس كل العقود شابها خلو، وليس كل الملاك حصلوا على مبالغ طائلة. وإذا كنا نحتكم للعدالة، فهل من العدل أن يتحمل المالك عقوبة "خلو" مزعوم لعشرات السنين القادمة؟ وإذا فتحنا باب الحساب بأثر رجعي، كما يطالب بة الزميل مصطفى بكرى للمستأجرين نقول لة علينا أيضا اذا كان هناك عدل أن نطالب للملاك بفروق إيجار تجاوزت مئات الأضعاف مما كانوا يتقاضونه قد تصل الى مايقرب ٢ مليون جنية مصرى؟!
حديث الزميل بكري عن ضرورة الحفاظ على الأمن المجتمعي لا يمكن أن يُبنى على فرضية أن تطبيق العدالة سيؤدي إلى اضطرابات. فالدولة أقوى من ذلك، والمجتمع أرقى من أن يُختزل في ثنائية الصدام. نحن في دولة قانون، ولا يمكن تهديد الدولة ولا البرلمان بردود أفعال متوقعة من فئة هنا أو هناك.
نحن لا نرفض الحوار، ولا نغلق باب النقاش. ولكننا نرفض أن يُدار هذا الملف بمنطق الانفعال أو الخطاب العاطفي. نحتاج إلى تشريع متوازن، يستند إلى دراسة واقعية، ويحترم حقوق الجميع، لا أن يتحول إلى مادة للإثارة الإعلامية.
الزميل العزيز الاستاذ مصطفى بكري، إذا كنا نبحث عن حلول، فلنضعها على طاولة النقاش البرلماني. وإذا كنا حريصين على الأمن، فلنلتزم بلغة القانون، لا بلغة التخويف. وإذا كنا نحترم مهنتنا، فلنترك مساحة للحق أن يتكلم دون توجيه أو تهديد.
وأرجو – وبحق الزمالة – ألا يُفتح هذا الملف إلا بمنهج عقلاني، يحفظ للملاك حقوقهم، ويصون كرامة المستأجرين، تحت مظلة القانون، لا من خلال منابر التحذير والضغوط النفسية على الدولة.