عم ” حامد ” إبن سوهاج آخر الضحايا
الكلاب الضالة تنهش فى أجساد المواطنين .. والمسئولون يتجاهلون الأزمة ٤٨٢ ألف حالة عقر فى ٢٠١٨ .. ومطلوب ١٤١١ وحدة للسموم

لم يكن عم حامد العامل البسيط صاحب الخمسين عاما الذي قتلته الكلاب الضالة وهو يسعى على قوت يومه في مدينة المنشأة التابعة لمحافظة سوهاج أول ضحية للكلاب الضالة، ولن يكون – بهذه السلبية واللامبالاة – الأخير، فعم حامد الذي وصل المستشفى مصابا نتيجة عقر كلب ضال في رقبته دون أن يستطيع أن يدفعه عن نفسه، وكاد الكلب مع رفاقه من الكلاب الضالة أن يلتهم الرجل لولا تدخل الناس وإنقاذ الرجل من براثن الكلاب، وحمله للمستشفى لتناول الدواء الذي لم يفلح في علاج الحالة فأصيب بالسعار وتوفي إلى رحمة الله شاكيا المسئولين الذين تركوا هذه الكلاب ترتع في ربوع مصر دون اية حلول ممكنة، وتصير قنابل تنفجر يوميا في المصريين من كافة الأعمار مما جعل هذه الكلاب الضالة هاجساً مخيفاً بالنسبة للآباء، تجعلهم يغلقون أبواب المنازل على أطفالهم خوفاً من تعرضهم للهجوم. ووفقاً لآخر الإحصائيات حول ظاهرة انتشار الكلاب الضالة فى الشوارع، تم تسجيل 15 مليون كلب ضال، مقابل 410 حالات عقر من الكلاب الضالة، و100 حالة وفاة سنوياً نتيجة التعرض للهجوم، ورغم ذلك ما زالت جمعيات الرفق بالحيوان تنادى بعدم اتخاذ أى إجراءات تضر بوجودهم للحفاظ على التوازن البيئى !!.
ولم تعد ظاهرة انتشار الكلاب الضالة وغير المرخصة ظاهرة عادية من الممكن السكوت عنها واعتبارها من السلبيات البسيطة، لكنها صارت ظاهرة خطيرة تؤرق كيان المجتمع وتهدد سلامته مثلها مثل الإرهاب والإهمال والسلبية، ويكفي للتدليل على ذلك ما ذكره الدكتور علاء عيد، رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، خلال كلمته بجلسة للجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، بحضور وزراء البيئة والزراعة والتنمية المحلية، وممثلي الجمعيات المهتمة بالرفق بالحيوان، وذلك للنقاش والحوار حول أزمة الحيوانات الضالة في الشارع المصري، فقال : إن عام 2018 سجل 482,40 ألف حالة عقر، منها 303 ألف من عقر الكلاب، مقارنة بـ423 ألف حالة بعام 2017، مع 32 حالة سعار في 2018، مقارنة بـ65 حالة في 2017.
وصارت الكلاب الضالة هي " البعبع" الحقيقي الذي يخيف اطفالنا ويفزعهم ويجعلهم يهلعون ويهرعون للجري في رعب لمجرد رؤيتهم هذه الكلاب، وفي الآونة الاخيرة رأينا كم فعلت هذه الكلاب بأطفال أبرياء لا ذنب لهم سوى عدم شجاعة المسئولين في تناول هذه الظاهرة والقضاء عليها، فقد شاهدنا جميعا منذ فترة وجيزة ذلك المقطع المصور على مواقع التواصل الاجتماعي الطفلة " سلمى " المقيمة بمساكن مدينة المستقبل بمنطقة السلام في القاهرة، صاحبة الأعوام الستة الغضة التي سحلها كلب ضال، فقد فوجئت بذلك الكلاب يهاجمها في الشارع ثم قام بسحلها على الأرض، وظل يهاجمها لمدة 5 دقائق، وأظهر المقطع الطفلة أثناء وقوفها أمام أحد المنازل وهجم عليها الكلب الضال، وألقى بها على الأرض وواصل الهجوم عليها، فقد كانت تلهو أمام المنزل ولم تتوقع أن أحد الكلاب الضالة يترصدها حتى انقض عليها وهاجمها «فى أجزاء من جسدها»، وأظهرت كاميرات المراقبة الكلب أثناء هجومه على الطفلة بطريقة وحشية، ما تسبب فى إصابتها بجروح بالغة فى وجهها ويديها، ما استدعى تدخلاً طبياً وإجراء عملية جراحية لإنقاذها من هذا الهجوم الوحشى.
ولم تكن حالة الطفلة سلمى هي الفريدة في الفترة الأخيرة، فقد هاجمت الكلاب الضالة طفلا يدعى لؤي حلمى، حيث تلقى عضة قاسية من كلب ضال اسفل عينه اليسرى، وإصابة شفتيه إصابة بالغة، وأجرى عملية جراحية عاجلة، وقال وليد حلمى، والد «لؤى»، إن الطبيب قام بإدخاله غرفة العمليات لتعرضه لكسر فى الوجه نتيجة عضة الكلب الضال، وبعد عدة ساعات فى غرفة العمليات، خرج ابنه للحياة مرة أخرى وتم إنقاذ حياته.
وتقول ميرفت والدة الطفل محمود، الذي انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، إن ابنها عقره كلب ضال وليس كلب حراسة. وأضافت أن ابنها عقره أحد الكلاب الضالة بمنطقة مصر القديمة وأصيب في وجهه. وأشارت إلى إنها كانت تسير في أحد الشوارع في طريقها إلى السوق بمنطقة عين الصيرة، وعقب انتهائها من شراء بعض مستلزمات البيت، كانت ممسكة بيد ابنها وفوجئت بكلب يسير في الشارع ويقفز في الهواء، ثم هبش ابني وسط صراخي ثم فر، وظننت أن الأمر بسيط في البداية ثم وجدت أحمد يمسك وجهه بيده وينزف دماء، مشيرة إلى أن الكلب قطع وجه ابنها، بعدما عقره في وجهه، فأسرعت إلى المستشفى التي أخبرتني بأن حالة ابني خطيرة. وذكرت أن ابنها يحتاج إلى تكاليف باهظة لإجراء عمليات حيث يحتاج إلى 10 عمليات ورددت قائلة: "منهم لله بتوع حقوق الحيوان هما السبب في عدم التخلص من الكلاب الضالة".
الكلاب المشرسة
وقد طالب عدد من المهتمين بحقوق الحيوان، والرفق به، وضع ضوابط لتداول واستيراد السلالات الأجنبية من الكلاب، خاصة المُشرسة منها، والتي عادة ما يتم استخدامها لأغراض الحراسة. فتقول دينا ذو الفقار الناشطة في مجال حقوق الحيوان، إن مزارع الكلاب الأجنبية تغزو مصر، دون رقابة عليها، كما أن السلالات المُشرسة والمزارع في يد كثير ممن يتصرفون دون أي مسئولية، ومثال واضح لذلك: حال محال بيع أدوات الزينة المنتشرة في جميع محافظات مصر، وضعها كارثة، غير أخلاقي، وغير صحي، و لا يتم تسجيلها، ولا يتم إجراء رقابة على أي شيء فيها، حتى أصبح وظيفة لكل من لا عمل له، فقط يشترى كلبين "رود أو جيرمين"، و يضعهما فوق سطح منزله، أو أسفل السلم، ويتاجر بهما، ناهيك عن المقامرات ومصارعة الكلاب في الشوارع.
شركة خاصة للتخلص من الازمة
وعن التعامل مع الكلاب الضالة وإلقاء المسئولية على هيئة الخدمات البيطرية في ذلك يؤكد أحد الخبراء أن الهيئة لا تستطيع التعامل بمفردها مع مسألة انتشار الكلاب فى الشوارع. ويقترح أن تتكفل شركة خاصة بالتعامل مع الكلاب الضالة، ويقوم كل محافظ بعمل لجنة لمكافحة الكلاب الضالة، تحتوى على ممثلين من الصحة والطب البيطرى وإدارات النظافة، والزراعة ورؤساء الأحياء والمراكز والمدن والوحدات المحلية القروية بالتنسيق مع جميعات الرفق بالحيوان. ويشير إلى أن هيئة الخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة أكدت ان من تعرض للعقر من الكلاب الضالة العام الماضى 430 ألف حالة، وأن محافظات البحيرة والقاهرة والشرقية والجيزة الأكثر تسجيلات للحالات، مع العلم الكلاب الضالة تتسبب فى انتشار الأمراض والأوبئة.
ويذكر الدكتور أحمد عناني أن هناك نوعين من الكلب الضال: الأول قضى حياته فى الشوارع منذ ولادته والثانى هرب من صاحبه، فيما حذر من خطورة الكلب كثير النباح والحركة، ويقول: إذا وجدته يرفض شرب الماء ويسيل لعابه بكثرة، ويبدو ضعيفا وهزيلاً وغير قادر على الحركة فلا تقترب منه أبدا.. ويتابع: لإنهاء مهاجمة الكلاب للمواطنين مطلوب 1411 وحدة للسموم تتبع الوحدات الصحية فى القرى فضلا على انشاء مراكز الأقسام للسموم فى 184 مركزا و92 حيا و214 مدينة، ما يعنى أن أهمية دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى بالمشاركة لحل المشكلة العويصة.
مرض السعار القاتل وكيفية التعامل معه
من جانبهم وجّه عدد من الأطباء البيطريين حملة للتوعية بمرض السعار، الذى يمكن أن يصاب به الإنسان نتيجة عقر كلب له، وكيفية التصرف حال التعرض لهجوم أحد الكلاب الضالة، وقال الطبيب البيطرى الدكتور كيرلس أُنسى إن السعار من الأمراض الخطيرة التى تؤدى إلى الموت حال وصوله للأعصاب الخاصة بالجسم بسرعة كبيرة، وبشكل يؤدى فى النهاية لتدمير الجهاز العصبى، لكن فى نفس الوقت لا يمكن اعتبار أن كل كلب يقوم بالهجوم على الأشخاص مصاب بالسعار، إذ إن الكلب يستخدم الهجوم كوسيلة للدفاع عن نفسه، وعن طعامه وعن أبنائه. وأضاف «أُنسى» أن الكلب المصاب بالسعار دون ظهور أى من الأعراض عليه، لا يعتبر معدياً، فالسعار يكون معدياً فى حالة استيفائه فترة الحضانة الخاصة به، التى من الممكن أن تمتد لعام كامل، ويبدأ ظهور الفيروس فى فترة الحضانة فى اللعاب، لافتاً إلى أن العدوى من الممكن أن تكون من الإصابة بأظافر الكلب، نتيجة لعق الكلب لأظافره، ما يؤدى إلى نقل الفيروس للأظافر عن طريق اللعاب. وعن الإسعافات الأولية التى يجب أن يتبعها الشخص حال هجوم أحد الكلاب عليه، قال الدكتور أندرو جاد الله، إنه يجب أن يتم اتباعها حال التعرض لعضة الكلب، سواء كان مصاباً بالسعار أو كان غير مصاب به، لأن الفيروس إذا أصاب أحد الأشخاص لا يمكنه الحصول على علاج، لأنه مرض مميت.
وأوضح «جاد الله» أنه فى حالة التعرض لهجوم، يجب على الفور غسل مكان العضة بالماء والصابون، لأن الفيروس حينها يكون ضعيفاً، ولم يصل للأعصاب حينها، فإذا كان ذلك الكلب مصاباً بالسعار، فهذا يقوم بتقليل نسبة وصول الفيروس للأعصاب، ويعمل على تقليل فترة الحضانة وفترة سريان الفيروس فى الجسد، فضلاً عن وضع البيتادين على مكان الجرح، وتعقيمه بالكحول. وأشار إلى أنه بعد إجراء هذه الإسعافات يجب أن يقوم الشخص الذى تعرض للهجوم بالذهاب للمستشفى على الفور لتلقى مصل السعار خلال 24 ساعة من تعرضه للهجوم، موضحاً أنه من الضرورى أن يتم تناول المصل فى نفس الجانب الذى تعرض فيه للهجوم من الكلب، وإذا كانت العضة فى مكان لا يهدد بخطر على الحياة يجب تجنب الخياطة، لأنها تساعد على وصول الفيروس للعصب بشكل أسرع.
التعامل مع الكلب الضال
ويؤكد د. جمال عبد الواحد طه مدير إدارة الصحة العامة والأمراض المشتركة بالهيئة العامة للخدمات البيطرية أن التطعيمات تقتصر قى الوقت الحالى على الكلاب، بسبب مشكلة العقر، مع انتهاء عصر «سماوي» - عسكرى الشرطة الذى كان يصاحبه موظف طب بيطرى لقتل الكلاب بالخرطوش - وهى الظاهرة التى انتهت تماما منذ عشرة أعوام الحالى، لقسوة ما يحدث فقط على الكلاب، وترك الجثث فى الشوارع، ولكن أيضا لخطر إصابة المارة فى الشارع. وأضاف: استراتيجية 2030 «مصر خالية من السعار» تشارك فيها الهيئة مع منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان إضافة إلى الفاو، ووزارة الزراعة ممثلة فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية ووزارتى الصحة والبيئة، من أجل تطعيم كلاب الشوارع.. ويهدف المشروع إلى تطعيم 70% على الأقل من كلاب الشوارع، حتى لا ينقل الحيوان العدوى إلى غيره فى حالة العقر، لافتا أن المجتمع المدنى يقوم بمجهودات جبارة لتطعيم الكلاب، سواء بشراء التطعيمات على نفقته الخاصة أو القيام بعملية التطعيم فى الوقت الحالى حتى يتم تفعيل الاستراتيجية..
وكشفت الدكتورة البيطرية سمر عبد الرحمن المتخصصة في علاج الكلاب الضالة تفاصيل علاجها للكلاب الضالة. وقالت الدكتورة البيطرية سمر عبد الرحمن، إن فكرة علاج الكلاب الضالة، أتت لها عندما وجدت عدد كبير من الكلاب الضالة في الطريق مريضة ولا أحد يرعاها، مضيفة أنه في الوقت الحالي عندما يعقر طلب شخص يأخذ 5 حقن في الكتب على مدار شهر بدلا من في الماضي يأخذ 21 حقنة. وتابعت أنها أسست حمله على موقع التواصل الاجتماعي مصر خالية من السعار وتعمل الحملة على تطعيم الطلاب والقطط الضالة في الشوارع حتى لا يكون هناك أي كلاب لديها سعار تضر المواطن المصري.
الكلب الضال ذكي
وعلى الرغم من أن البشر، أو حتى الحيوانات الأليفة المُدربة، يستطيعون التفاعل وفهم الإشارات الاجتماعية ومتابعة الإيماءات البشرية، إلا أن العلماء لم يعرفوا قَط إذا كانت الحيوانات غير المُدربة قادرةً على فهم الإيماءات أو الإشارات بالسهولة نفسها. لكن دراسة نشرتها دورية "فرونتيرز إن سيكولوجي" (Frontiers in Psychology) أظهرت أن الكلاب الضالة التي تعيش في المناطق الحضرية لديها القدرة على "قراءة" الإشارات الاجتماعية الصادرة من الإنسان دون سابق تدريب. وجد الباحثون أن الكلاب الضالة –كلاب الشوارع- قادرة تمامًا على فهم تلك الإشارات المعقدة، وهذا أمر يُشير إلى أن الكلاب -التي تغزو المناطق الحضرية التي يُهمين عليها الإنسان- يُمكن أن تتفاعل بصورة جيدة مع البشر. كما تُفسر أيضًا تلك الدراسة السبب وراء ارتباط الكلاب -سواء كانت ضالة أو مُدربة- بالإنسان. والإشارات الاجتماعية هي نوع من أنواع التواصل غير المباشر، الذي يضمن تفاعل المخلوقات الحية بعضها مع بعض. وتتضمن تلك الإشارات تعبيرات الوجه، مثل الابتسامات والتجهم. وتُعد مؤشرًا يخبر الكائن الحي بالمضي في التفاعل أو التوقف عن التواصل.