المهندس أحمد محمد فكري زلط يكتب صرخة التاريخ من قلب الجيزة هنا مصر العظمى
على هضبة الجيزة، حيث تقف الأهرامات كحراس أبديين للزمن، ينهض اليوم صرحٌ لا يقل عنها فخراً ، لكنه ينطق بلغة العصر. إنها صرخة التاريخ التي طال انتظارها، لحظة يفتح فيها أعظم صرح ثقافي في القرن الحادي والعشرين أبوابه للعالم. إنه المتحف المصري الكبير، ليس مجرد بناء من حجر وزجاج، بل هو قصيدة معمارية مهيبة، و**“الهرم الرابع”** الذي يكمل المشهد، رابطًا خيوط الشمس الذهبية بين أمجاد الماضي السحيق وأحلام المستقبل المشرق.
هذا ليس متحفًا عاديًا، بل هو رسالة حضارية مدوية تبعث بها مصر للعالم من جديد، تقول فيها إن الأمة التي علّمت البشرية فنون العمارة والنحت والهندسة، لا تزال قادرة على الإبهار والإبداع. إنه تجسيد حي لعبقرية المكان وروح الإبداع المصري المتجدد، حيث لم يكن اختيار الموقع مصادفة، بل كان اختيارًا عبقريًا يربط المتحف بصريًا وروحانيًا بالأهرامات الخالدة. فواجهته المثلثة الشفافة، التي تتلاعب بخيوط الضوء والظل، تبدو كأنها امتداد طبيعي لقمم الأهرامات، في حوار صامت ومهيب بين جيلين من البنائين العظام.
وبين جدرانه، يحتضن المتحف كنز الإنسانية الأكبر أكثر من 100 ألف قطعة أثرية نادرة، تروي قصة حضارة لم تنقطع. ولأول مرة في التاريخ، ستُعرض كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون كاملة في مكان واحد، حيث تجتمع حوالي 5400 قطعة أثرية فريدة لتبوح بأسرارها التي ظلت حبيسة لقرون. سيقف الزوار في بهو عظيم أمام شموخ تمثال رمسيس الثاني، وسيشاهدون بأعينهم هيبة مركب خوفو الشمسي، وآلاف القطع التي ترى النور لأول مرة، شاهدة على عظمة لم ولن يطويها النسيان.
لكن المتحف المصري الكبير يتجاوز كونه مجرد مكان لعرض الآثار؛ إنه تجربة ثقافية متكاملة ومركز إشعاع حضاري عالمي. صُمم بأحدث تقنيات العرض التفاعلي والواقع الافتراضي ليأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن، ويضم بين جنباته متحفًا للأطفال، ومركزًا للمؤتمرات، ومناطق ترفيهية، وحدائق غنّاء، ليصبح قلب مصر الثقافي النابض.
إن افتتاح هذا الصرح ليس مجرد انطلاقة جديدة للسياحة المصرية، بل هو استثمار في قوة مصر الناعمة، وتأكيد على دورها الريادي كمنارة للثقافة والحضارة. في هذا اليوم التاريخي، يحق لكل مصري أن يرفع رأسه فخرًا وعزةً، فهذا الإنجاز هو هدية مصر إلى الإنسانية، ودليل حي على أن أرض الكنانة كانت، ولا تزال، وستبقى قادرة على إبهار العالم بعبقرية أبنائها.
اليوم، ونحن نقف أمام هذا العملاق، نشعر بذلك الفخر الأبدي الذي شعر به أجدادنا وهم ينظرون إلى إنجازاتهم الخالدة. اليوم، نحن شهود على لحظة يصافح فيها الحاضر الماضي، وتشرق فيها شمس مصر من جديد لتضيء العالم أجمع.
الكاتب: المدير التنفيذى للمؤسسة الوطنية للشباب





















