الكاتب الصحفى رفعت فياض يكتب : مستقبل السياحة في مصر في ظل التحديات الراهنة

سعدت كثيرًا بحضور المؤتمر الدولي الأول للمعهد العالي للدراسات النوعية بمصر الجديدة، والذي شهد مشاركة واسعة من كبار المتخصصين في قطاع السياحة، إلى جانب حضور لافت لرموز بارزة في المجال، كان في مقدمتهم الدكتور زاهي حواس وزير السياحة والآثار الأسبق، والدكتور هشام زعزوع وزير السياحة الأسبق، والدكتور حازم عطية الله رئيس لجنة قطاع السياحة والفنادق بالمجلس الأعلى للجامعات، والخبير السياحي عمرو صدقي أمين عام المجلس الوطني للسياحة الصحية، والدكتور علي عمر رئيس قطاع السياحة السابق بالمجلس الأعلى للجامعات، والدكتورة سها عبد الوهاب عميدة كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان.
جاء المؤتمر تحت عنوان "مستقبل السياحة في ظل التحديات الراهنة" في توقيت بالغ الأهمية، حيث لا تزال السياحة العالمية تواجه أزمات متتالية منذ جائحة كوفيد 19 مرورًا بالتحديات الاقتصادية المتصاعدة والنزاعات المسلحة في مناطق مختلفة، إضافة إلى التحولات التكنولوجية المتسارعة التي تفرض على الدول السياحية مواكبة هذه المتغيرات وإلا خرجت من حلبة المنافسة. وقد أكدت الدكتورة غادة عبد الله، عميدة المعهد ورئيس المؤتمر، أهمية إدراك هذه التحديات والعمل على تجاوزها.
مصر تسعى إلى تحقيق نمو سياحي مستدام من خلال استراتيجيتها الوطنية للسياحة 2030، والتي تستهدف استقبال 30 مليون سائح بحلول عام 2028 بعائد يقدر بـ45 مليار دولار سنويًا، وهو هدف طموح يتطلب العمل على عدة محاور متوازية. وأبرز هذه المحاور كما أوضح الدكتور سامح حبيب رئيس مجلس إدارة المعهد، هو ضرورة تحسين البنية التحتية السياحية وتطوير المطارات وتوسيع نطاق النشاط السياحي إلى مناطق جديدة كالعلمين الجديدة والعاصمة الإدارية، إلى جانب ضرورة تحديث الخطط التسويقية لمواكبة التغيرات العالمية.
الحديث عن الموارد البشرية كان حاضرًا بقوة، حيث أشارت الدكتورة سها عبد الوهاب إلى أن 97% من العاملين في قطاع السياحة ليسوا من خريجي الكليات والمعاهد السياحية، مما يعني أن نسبة الخريجين الذين يعملون في هذا المجال لا تتجاوز 3% فقط، وهو خلل يتطلب إعادة النظر في أعداد المقبولين بهذه الكليات، وضرورة تطوير برامج بينية حديثة مثل السياحة الصحية.
تناولت أبحاث المؤتمر أيضًا أهمية الاستثمار في البنية التحتية لزيادة الطاقة الاستيعابية للمقاصد السياحية، حيث تحتاج مصر إلى الوصول إلى 500 ألف غرفة فندقية مقابل 220 ألفًا حاليًا. كما تم تشغيل نحو 14 ألف غرفة خلال عام 2023، ومن المتوقع إضافة 25 ألف غرفة جديدة هذا العام. وقد خصصت الحكومة 50 مليار جنيه كحوافز استثمارية لبناء الغرف أو الاستحواذ على المغلقة منها.
أما منظومة النقل الجوي، فهي مسؤول مباشر عن استقبال 90% من السائحين، لذا تعمل الدولة على تطوير 23 مطارًا وزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 72 مليون راكب سنويًا. كما أطلقت الحكومة برنامجًا لتحفيز الطيران العارض ساهم في جذب 150 شركة طيران جديدة وزيادة النمو في مدن مثل شرم الشيخ والأقصر.
على الجانب الرقمي، تعمل الدولة على تطوير البنية التحتية الرقمية لتعزيز تجربة السائح من خلال توسيع خدمات الدفع الإلكتروني والحجز المسبق والتأشيرات الإلكترونية، بما يسهل تجربة الزائر ويزيد من الشفافية والجاذبية الاستثمارية.
ومن بين الجوانب المهمة التي ناقشها المؤتمر أيضًا: تنويع المنتج السياحي المصري عبر التوسع في السياحة الشاطئية والثقافية والبيئية والدينية والعلاجية، حيث أن الدولة تطور عدة مشروعات محورية مثل مشروع "رأس الحكمة" الذي يُتوقع أن يحول الساحل الشمالي إلى وجهة سياحية عالمية باستثمارات ضخمة، بالإضافة إلى دعم سياحة اليخوت، إذ أن مصر تستهدف استقبال 30 ألف يخت سنويًا من أصل 500 ألف تمر بالبحر المتوسط، مما قد يدر دخلًا يُقدر بـ3 مليارات دولار.
في السياحة العلاجية والاستشفائية، أكد المشاركون أن مصر تملك 1350 موقعًا يصلح لهذا النوع من السياحة، لذا تم إنشاء المجلس الوطني للسياحة الصحية برئاسة وزير الصحة، إلى جانب إطلاق منصة إلكترونية للسياحة العلاجية لتسهيل التعامل مع الوافدين، وقد تم تنظيم أول مؤتمر دولي للسياحة الصحية برعاية رئيس الجمهورية.
أما في السياحة الروحية، فقد شهد المؤتمر مناقشة مشروعات مثل تطوير مسار العائلة المقدسة، والتجلي الأعظم بسانت كاترين، ومشروع القاهرة التاريخية، وهي مشروعات تجمع بين الأثر والدين والثقافة. وفي الوقت ذاته، أشارت أبحاث المؤتمر إلى أهمية تحسين البيئة التشريعية لدعم الاستثمار السياحي، حيث تم إصدار عدة قوانين لتنظيم القطاع، مثل قانون المنشآت الفندقية، والمشروعات الصغيرة، والرخصة الذهبية، وقانون الغرف السياحية الجديد، إلى جانب التحفيزات الضريبية والجمركية.
وفي ختام المؤتمر، خلصت التوصيات إلى أن نجاح الاستراتيجية الوطنية للسياحة يتوقف على التنسيق بين قطاعات الدولة المختلفة وتحقيق تكامل حقيقي بين البنية التحتية والتكنولوجيا والموارد البشرية والتشريعات، لضمان تعظيم العائد الاقتصادي من هذا القطاع الحيوي الذي يمثل مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية ورافعة للاقتصاد الوطني.
كاتب المقال الكاتب الصحفى رفعت فياض مدير تحرير جريدة اخبار اليوم وعميد محررى التعليم