عمر الحريري في ذكراه الرابعة عشرة.. صاحب بصمة خاصة في تاريخ الفن المصري

تحل اليوم الخميس الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الفنان الكبير عمر الحريري، أحد أكثر الوجوه الفنية رقيًا وموهبة في تاريخ السينما والمسرح والتليفزيون المصري. فنان امتاز بالحضور الهادئ والأداء الصادق، ترك في كل دور بصمة لا تُنسى، مهما كان حجمه على الشاشة.
النشأة والبدايات
وُلد عمر محمد صالح الحريري في 12 فبراير عام 1926 بحي عابدين في القاهرة، ونشأ في أسرة تُقدر الفن والثقافة. كان والده يصطحبه لمشاهدة العروض المسرحية منذ طفولته، فكبر وهو مفتون بعالم التمثيل. التحق بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي، وتخرج فيه عام 1947، لينطلق بعدها في مشوار فني امتد لأكثر من ستة عقود.
بدأ الحريري مشواره في فرقة يوسف وهبي المسرحية، وشارك في أولى مسرحياته بعنوان "الغيرة" عام 1948، قبل أن يتجه إلى السينما في بداية الخمسينيات بفيلم "الأفوكاتو مديحة". ومنذ ذلك الحين، أصبح أحد أشهر الوجوه في ساحة الفن المصري بفضل موهبته المتنوعة وقدرته على تجسيد مختلف الأدوار بصدق وبراعة.
السينما.. حضور طاغٍ بأدوار متنوعة
شارك عمر الحريري في عشرات الأفلام التي شكّلت جزءًا مهمًا من ذاكرة السينما المصرية. من أبرزها: الناصر صلاح الدين، المذنبون، الوسادة الخالية، سكر هانم، الآنسة حنفي، معالي الوزير، أغلى من عينيه.
لم يكن يسعى إلى البطولة المطلقة، لكنه استطاع من خلال أدواره المساندة أن يصنع حضورًا خاصًا، يجذب المشاهد إليه دون صخب. كان يؤدي بتوازن وثقة، ويمنح كل مشهد قيمة إنسانية وإحساسًا عميقًا.
التليفزيون.. واتساع الشعبية
ترك بصمة واضحة في الدراما التليفزيونية عبر أعمال خالدة منها: أحلام الفتى الطائر، خالتي صفية والدير، السيرة الهلالية، شيخ العرب همام، عمر بن عبد العزيز، ساكن قصادي، سمارة.
تميز أداؤه في هذه الأعمال بالهدوء والصدق، فكان نموذجًا للفنان المثقف الملتزم، الذي يتعامل مع الشخصية بوعي فكري قبل الأداء التمثيلي.
المسرح.. بيته الأول والأقرب إلى قلبه
رغم نجاحه في السينما والتليفزيون، ظل المسرح عشقه الأول. قدم أعمالًا مسرحية شهيرة ما زالت تُعرض حتى اليوم مثل: شاهد ما شافش حاجة، الواد سيد الشغال، منور يا باشا.
كما عمل في ليبيا خلال أواخر الستينيات، وأسهم في تأسيس المسرح الوطني بمدينة بنغازي، في تجربة تُبرز حبه للفن العربي وحرصه على تطويره في كل مكان.
الشخصية الإنسانية
اشتهر عمر الحريري برقيّ أدائه وبُعده عن المبالغة أو التصنع. كان يعتمد على التعبير الهادئ والنظرة العميقة والحضور المميز. لم يكن من الباحثين عن الأضواء، بل من المؤمنين بأن الفن رسالة ومسؤولية.
تميّز بسلوك إنساني راقٍ داخل الوسط الفني، وكان مثالًا للانضباط والتواضع، يحظى بمحبة زملائه واحترام جمهوره.
حياته الخاصة وتحدياته الأخيرة
تزوج عمر الحريري وأنجب بناته اللواتي ظلّ قريبًا منهن حتى آخر أيامه. روت ابنته ميريت أنه ظل يعمل حتى أيامه الأخيرة، رغم معاناته مع مرض سرطان العظام، الذي أُخفي عنه لسنوات حتى لا يتأثر نفسيًا.
الرحيل والإرث الباقي
رحل عمر الحريري في مثل هذا اليوم 16 أكتوبر من عام 2011 عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، بعد حياة فنية ثرية تجاوزت الستين عامًا من الإبداع المتواصل.
في ذكراه الرابعة عشرة، ما زال الجمهور يراه رمزًا للفن النظيف والراقي، وصوتًا هادئًا في زمن الصخب، رحل الجسد، لكن بقيت الأعمال شاهدة على أن الموهبة الصادقة لا تموت.