كيف يعمل أول نموذج للذكاء الاصطناعى ”إينياس” لفك أسرار النقوش الرومانية؟

في العالم الروماني كانت الكتابة منتشرة في كل مكان من الآثار الإمبراطورية إلى الأشياء اليومية، حيث نقشت على الحجر والمعادن والفخار كتابات سياسية، وقصائد حب، ونقوش على شواهد القبور، ومعاملات تجارية، ودعوات أعياد ميلاد، وحتى تعاويذ سحرية، تُتيح هذه النصوص للمؤرخين المعاصرين نافذة فريدة على الحياة اليومية في روما القديمة، إلا أن العديد منها مُجزأ أو مُتآكل أو مُتضرر عمدًا، مما يُصعّب ترميمها وتأريخها وتحديد موقعها دون معلومات سياقية.
وفى أحدث صيحة قدّم فريق من الباحثين إنجازًا ثوريًا في مجلة نيتشر "إينياس" أول نموذج ذكاء اصطناعي مصمم لوضع النقوش القديمة في سياقها الصحيح، طُوّر هذا النظام بالتعاون مع جامعة نوتنغهام وبالشراكة مع أكاديميين من جامعات وارويك وأكسفورد وجامعة أثينا للاقتصاد والأعمال (AUEB)، ويَعِد بتغيير جذري في دراسة النقوش اللاتينية، وفقا لما نشره موقع " labrujulaverde".
الذكاء الاصطناعي
اعتمد المؤرخون تقليديًا على خبراتهم ومواردهم المتخصصة لتحديد "التوازيات النصية" - وهي نقوش تتشابه في الصياغة أو النحو أو الصيغ المعيارية أو المصدر، قد تستغرق هذه العملية اليدوية الشاقة أسابيع أو أشهرًا.
يُسرّع إينياس هذه العملية بشكل كبير حيث يُحلل آلاف النقوش في ثوانٍ معدودة، ويكشف عن روابط تُمكّن الخبراء من تفسير الشذرات بدقة أكبر وهذا النموذج، الذي سُمي على اسم البطل الأسطوري إينياس هو تطور لنظام إيثاكا، وهو نظام سابق وُضع لترميم النقوش اليونانية وتأريخها وتحديد مواقعها، لكن إينياس يذهب إلى أبعد من ذلك، فهو لا يُعيد بناء النصوص التالفة فحسب، بل يضعها في سياقها ، مما يُساعد الباحثين على فهم الشظايا المعزولة واستخلاص استنتاجات أغنى حول الماضي.
كيف يعمل النموذج؟
إينياس شبكة عصبية توليدية متعددة الوسائط ، تستقبل كمدخلات كلٍّ من نص النقش وصورة الشيء المنقوش عليه، لتدريبها، قام الباحثون بتجميع وتنسيق قواعد بيانات النقوش، مثل قاعدة بيانات روما النقوشية (EDR)، وقاعدة بيانات هايدلبرغ النقوشية (EDH)، وقاعدة بيانات كلاوس سلابي النقوشية (EDCS-ELT)، مما أدى إلى إنشاء مجموعة بيانات واحدة تُسمى مجموعة بيانات النقوش اللاتينية (LED)، والتي تحتوي على أكثر من 176,000 نقش لاتيني.
يستخدم النموذج مُفكِّك تشفير قائم على مُحوِّل لمعالجة النص، بينما تُعنى شبكات مُتخصصة بترميم الحروف، والتأريخ، والإسناد الجغرافي. كما يستخدم تقنية تُسمى "التضمينات"، والتي تُشفِّر المعلومات النصية والسياقية لكل نقش في تمثيل رياضي يُجسِّد تفاصيل مثل اللغة، والفترة الزمنية، والموقع، وعلاقته بالنصوص الأخرى.
في الاختبارات، أظهر إينياس دقةً بلغت 73% عند استعادة فجوات تصل إلى عشرة أحرف، و58% حتى عندما كان طول النص المفقود غير معروف. وفيما يتعلق بالموقع الجغرافي، تمكن النموذج من نسب نقش إلى إحدى المقاطعات الرومانية الـ 62 بدقة بلغت 72%. أما بالنسبة للتأريخ، فقد بلغ هامش الخطأ 13 عامًا فقط مقارنةً بتقديرات المؤرخين.
ابرز تحليلات الذكاء الاصطناعى
من أبرز الحالات تحليله لكتاب "ريس جيستاي ديفي أوغسطس" ، السيرة الذاتية للإمبراطور أغسطس، والذي ظلّ تأريخه موضع جدل لعقود، لم يكتفِ إينياس بتحديد ذروتين زمنيتين (إحداهما حوالي 10-1 قبل الميلاد والأخرى بين 10-20 ميلاديًا)، بل استعاد أيضًا نصوصًا قانونية إمبراطورية مرتبطة بإرث أغسطس، موضحًا كيف أُعيد إنتاج أيديولوجية الإمبراطورية في بيئات ومناطق مختلفة.