الكاتب الصحفى محمود الشاذلى يكتب : بالصدق أتناول زمنا مضى وحاضرا مؤلما ومستقبلا بلاملامح .

سعدت كثيرا لردة الفعل التي صاحبت مقالى الذى كان بعنوان ” الأحزاب والإنتخابات وعلاقتهم بسقوط أفكار وإنهيار قناعات ” ، وطلب كثر من الأصدقاء وكذلك العقلاء من الساسه ، والواعين من الشباب ، ورموز بالأحزاب المزيد في طرح مثل تلك التصورات التي غابت عن فهم وإدراك أجيال متعاقبه لم يمارسوا السياسه إلا من باب الوجاهة ، ولم يسبق لهم أن جلسوا فى شبابهم مع عظماء السياسه ، بل إنهم تتلمذوا على أيدى من لاخبرة لهم ، ولارؤيه لديهم ، لذا مكنونات شخصيتهم تدفع إلى القبول بأى شيىء وكل شيىء بلا نقاش ، وقد يكون لديهم العذر لأنهم لاحاضنه سياسيه مجتمعيه كانت تظللهم ، ولاتربيه سياسيه نهلوا منها ، ولامناخ سياسى عام محترم عاشوا في كنفه ، لذا يبقى عليهم أن يراجعوا حساباتهم ويفهموا ، وهذا ليس نقيصه بل تصويبا للخلل ، الذى كان يمكن لى أن يطالنى وأبناء جيلى إذا لم تمنح الفرصه لنا فى شبابنا لمجالسة القامات ، ونصبح فى حاجه لناصحين كثر ، لكن بفضل الله أن عافانى من ذلك لأن نشأتى لم يكن منطلقها الإستكانه ، والجهاله ، والعنتريه الفارغه ، والشعارات الممجوجه ، لذا فأنا عصى على الترويض ، وأبدا لايستهوينى النفاق ، عظم ذلك نشأتى فى كنف عائله كان لها دور سياسى محورى عبر التاريخ ، وقدمت نوابا بالبرلمان على مدى أجيالا متعاقبه ، وما عايشته طالبا فى نهاية السبعينات والثمانينات كأحد رموز الحركه الطلابيه على مستوى الجمهوريه فى المرحله الثانويه والجامعه والتى نشأت على الشموخ قبل أن يهيمن عليها نظاما إداريا جعلها مسخا بلا قيمه ، لذا لم تعد تصلح كحاضنه لتفريخ قيادات تتولى مستقبلا مسئوليات بالوطن .
من أجل ذلك كان المناخ العام يلعب دورا أساسيا في الكيان السياسى لأى سياسى ، لذا كان هذا نهجى من الأساس حيث توافرت إرادتى فى الإنطلاق السياسى عبر حزب الوفد صاحب التاريخ العظيم وانهل من عطاء قادته الكرام وذلك فى زمن الشموخ ، وقبل أن يكون جزءا من منظومه حزبيه أصبحت فيها كل الأحزاب نسخه مكرره ، خلفت إفتقادا للإبداع وقضت على التميز الذى تخلقه المنافسه الحقيقيه ، وليس معنى ذلك النيل من أى نظام حكم منذ عهد مبارك بل جميعهم محل تقدير وإحترام ، ولايستطيع أحدا نعتهم بعدم الوطنيه ، لذا كان الخلاف فى الأداء والمنهج السياسى ، وهذا طبيعى ، بل إن التنسيق كان يتم تحت قبة البرلمان مع رموزهم فى القضايا الوطنيه ، وأشهد الله أن فيهم مخلصين كثر وقادة بحق أفضل كثيرا من كثر ادركتهم فى خندق المعارضه ، ولم أنزعج من عدم منحى الفرصه من الإقتراب منهم من خلال لعب أى دور محورى فى رحابهم ، وإمعانا فى الشفافيه والإنصاف قد يكون لذلك حجيه ، ورؤيه موضوعيه ، مؤداها أن هناك من هم أفضل منى ، ويدينون بالولاء عنى ، يمكن أن يستعينوا بهم ، ويقدمونهم فى صدارة المشهد السياسى ، ولم أغضب أو أحزن لأن هذا حق من ظلوا بالحكم ثلاثين عاما ، والآخرين الذين يبحثون عن معاونين ثقاه ينتمون لفكرهم حتى النخاع ، وتلك رؤية هؤلاء وأولئك التى ماكان لى إلا أن أحترمها ، وإن كان لى عليها كثيرا من التحفظات ليس من اللائق أخلاقيا طرحها الآن بالنسبه لكل تلك الأنظمه وهم فى غياب كامل عن واقع الحياه .
لم أنزعج حين إعترض بعض أصحاب الصوت العالى فى عهد حكومة الحزب الوطنى علانية أن يتم تشكيل لجنة تقصى حقائق برئاسة الدكتور حمدى السيد رئيس لجنة الصحه بالبرلمان لبحث مشكلة تلوث مياه النيل ببلدتى بسيون إستجابة لطلب إحاطه تقدمت به وزميلى النائب طلعت عبدالقوى فيما يخص كفرالزيات ، وإستجابة الحكومه لى بمنحى من وزارة التخطيط مبلغ مائتى مليون جنيه لإنشاء محطة مياه الشرب وإنتهت بفضل الله ، وإدخال الصرف الصحى لقرى صالحجر والفرستق وقرانشو وكتامه خارج الموازنه وتكليف المقاولون العرب للتنفيذ بالأمر المباشر ، وأنا النائب الذى ينتمى للمعارضه الوطنيه الشريفه والنظيفه حيث الوفد فى زمن الشموخ ، مطالبين أحمد عز بردعى ، وذلك إنطلاقا من قيامى بتوجيه النقد لبعض القرارات والإشاره لموطن الخلل ، ليس سرا أنه تم حذف إسمى فى اللحظات الأخيره والقاتله وقبل الإعتماد بلحظات من ترشيحات التعيين بمجلس الشورى ضمن نسبة الصحفيين والإعلاميين إنطلاقا من عضويتى بنقابة الصحفيين ن وكبرلمانى سابق لديه خبره ، وذلك فى عهد الإخوان ، حيث كان قد تقرر تعيين مرشحين من قبل النقابات في مجلس الشورى ، وذلك بعد أن تلقيت التهانى ليوضع مكانى أحد أبرز القيادات الذين يدينون بالولاء ، الأمر الذى أثار إستغراب من كانوا قريبين من المطبخ السياسى وتلك الترشيحات ، تعاظم ذلك إعتراض بعض كوادر هذا النظام حيث كانوا يرون أن دعم رجالهم أفضل بكثير من إفساح المجال لى حيث أنتمى سياسيا لحزب الوفد ، وكان ذلك نجاه لأنه لو تم ذلك لتم حسابى سياسيا وفكريا على الإخوان بالكليه ، وتلاشى الحقيقه اليقينيه أن التقارب مع أى فصيل سياسى ماهو إلا تقارب سياسى مطلوب ، فعله فؤاد باشا سراج الدين بتحالف الوفد مع الإخوان فى الثمانينات ، وشاركنى فيه الصديق والزميل النائب حمدين صباحى المنتمى للفكر الناصرى .
مخطىء من يظن أن إقتراب أى سياسى ، أوأى فصيل سياسى من السلطه نقيصه ، يتعاظم الخطأ عندما يعتقد البعض أن كل من ينتمى للأغلبيه هو عميل للأجهزه ، دون إدراك أن تلك الأجهزه من بها شرفاء ووطنيين أكثر بكثير من الذين يجعجون ليصدروا أن الولاء ولدوا به ، لذا يفتخرون بأنهم منوط بهم أن يعدوا على الناس أنفاسهم ، ويرصدون حركاتهم حتى ولو كانوا يهمون لدخول دورة المياه ، الأمر الذى دفع بحق لحياه مجتمعيه تفتقد للمحبه ، وممارسه سياسيه لاقيمة لها على الإطلاق ، لأنه لايجدى معها أى حوار وطنى أو حتى تقارب مجتمعى ، الكارثه أنهم يحاولون ترسيخ أن من ليس معهم فكرا ونهجا وسلوكا وتطبيلا يجب أن ينقبوا عن ماضيه ، دون إدراك منهم ومن غيرهم أنه مخطىء تاريخيا من ترسخ فى وجدانه تناول الناس من منظور قالب جامد ، ومحاسبتهم على قناعات كان يحكمها مناخ وتصرفات شهدها زمن بعينه دون إدراك أن ذلك لايحمل القداسه ، أو الثبات الراسخ لأنها الحياه التى يتبدل فيها كل شيىء ويتغير ، ويكفى للدلاله مالمسته قدرا فى تغيير كثير من المفاهيم لدى البعض من الذين كانوا يفتخرون بالإنتماء لأصحاب أفكار بعينها دون عناء من أحد ، لأن المنطلق هذا الواقع الذى عايشوه وأدركوا مضامينه ، وهذا ماكان له أن يتحقق حتى ولو بمليون خطبه ، وإبداع فى الحوار ، إلا أن ذلك يأخذنا للدلاله على ثبوت خطأ منهج المحاسبه الأبديه للناس على الأفكار ، أو يتم سحقهم عبر تقارير ظالمه وكل من يلوذ بهم إنطلاقا من قناعات سابقه من الطبيعى أن تتغير وتتبدل وتتحور بحكم الزمان وتغير المعطيات ، وكأن هؤلاء يتمسكون بدفع مثل هؤلاء إلى الشطط فى أفكارهم بعد التغول الذى يتم التعامل به معهم .
خلاصة القول .. بعد كل ماذكرت بشفافيه ممزوجه بخبرة السنين وتجارب الحياه ، وقد مضى قطار العمر وأصبح يقترب من محطته الأخيره ، يتعين أن أترك تلك الرؤيه للتاريخ وكل عقلاء الوطن وهم كثر بفضل الله تعالى ، وكذلك الأجيال القادمه لعلهم يصوبون الأفكار ، وتتبدل لديهم القناعات ، كما يترسخ فى وجدانى أن طرحى لهذه القضيه كافى ، وشافى ، خاصة اليقين بأن المواقف الوطنيه النبيله لاعلاقه لها بتصفية الحسابات ، أو النيل من الخصوم كما يقول الساسه ، وأن الخوف من الله رب العالمين سبحانه أهم وأجل من الجميع ، وأختتمها بأن الأمر لاعلاقة له بالإصطفاف مع أى فصيل سياسى ، إنما له علاقه بالثوابت الوطنيه والمواقف التى يتخذها الإنسان فى حياته والتى تحتمل الصواب والخطأ لذا يكفيه شرف المحاوله ، وصدق السريره ، ونبل المقصد ، وسمو الغايه . خلاصة القول بالصدق أتناول زمن مضى وحاضر مؤلم ومستقبل بلاملامح ، ومازال للرؤية مضامين تابعونى .
الكاتب الصحفى محمود الشاذلى نائب رئيس تحرير جريدة الجمهوريه عضو مجلس النواب السابق .