الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب :اوعى تسأل لية شغال ميت شغلانة

كان صديقي العزيز، الذي أفنى عمره في عمل محترم وأنهى خدمته بـ"وسام المعاش الضئيل" ، يطرق بابي، ووجهه يحمل سؤالًا أكبر من قدرته على التحمل،"هو إحنا عايشين في نفس البلد؟!"
سألته: "خير ياصديقى العزيز ؟!"
فقال لي: "معاشي ١٠ آلاف جنيه، بحطهم على بعض بالعافية يمشوني أنا وأولادي، أكل فول وعدس، وكل أسبوعين كيلو لحمة سوداني، لكن جيراني — اللي ساكنين معايا من أيام ما كان إيجار الشقة بخمسة جنيه، لقيتهم فجأة بعد المعاش اتفتح لهم باب الرزق من حيث لا يحتسبون! واحد اشتغل في شركة حكومية، والتاني في هيئة، والثالث عضو مجلس، والرابع بيلم من عشرين جهة ، والخامس عنده بدل اجتماعات يكفي لتأجير حي شعبي بالكامل!"
ثم سألني بنبرة يأس ممزوجة بسخرية:
"هو الوطن مابيحبش ولاده غير بعد ما يركنهم؟! ولا لازم المعاش يبقى بوابة الثراء؟!"
فأجبته، وأنا أرتشف قهوتي بمرارة الواقع:
يا صديقي العزيز، نحن نعيش في زمن التناقض الحكومي الجميل، زمن فيه المواطن العادي بيكح دم، والمواطن المدعوم رسميًا بيكح دولارات! زمن لا تسأل فيه عن العدالة الاجتماعية لأن الجواب قد يُصيبك بالاكتئاب الحاد.
تخيل معايا مشهد عبثي:
رجل يبلغ الستين، خرج على المعاش، ثم عاد من الشباك كمستشار، ثم عضو في لجنة، ثم في مجلس إدارة، ثم فجأة نائب شعب يتحدث عن معاناة الناس من الأسعار، وهو لا يعرف سعر الرغيف لأنه لم يره من أيام "السفرة المدورة".
والسؤال الأهم: فين الوقت اللي بيسعفهم؟!
هل اكتشفوا طريقة سرية لإضافة ١٢ ساعة لليوم؟! هل عندهم "كارت VIP" يعفيهم من الحضور والانصراف، ويمنحهم حق التواجد في عشر هيئات بالتوازي؟!
أما عن المؤهلات، فحدث ولا حرج.
أيوه، معاهم مؤهلات عليا، بس ولا لها علاقة بأي منصب بيشغلوه حاليًا! يعني مثلًا تلاقي اللي اشتغل حياته كلها في الإدارة المكتبية،بقى دلوقتي خبير في التحول الرقمي،خريج علوم اجتماعية، بيوقع على ميزانيات اقتصادية بحجم الناتج المحلي، قضى عمره بيصدر قرارات إدارية، وبيتكلم دلوقتي عن الثورة الصناعية الرابعة كأنه إيلون ماسك!
لكن السرفى الحقيقة مش في المؤهل،السر في التمركز على دوار الحظوة"، حيث تُوزَّع المناصب بالتليفون، لا بالسيرة الذاتية، ويُمنح المقعد لمَن كان قريبًا من دائرة الصوت العالي.
وبينما هؤلاء يتنقّلون بين المواقع كما تتنقّل الكراسي في حفلات الزفاف، نجد المواطن العادي ، اللي اشتغل بضمير، وتخرج من جامعة، وتعلم 3 لغات، واتمرمط في 7 وظائف ، واقف على الرصيف يتفرج على "لعبة الكراسي الموسيقية، لكنه عمره ما لقى كرسي.
وتسأل الحكومة: "من أين تموّلون هذا البذخ؟"
فتجيب بمنتهى الرضا، كل شيء محسوب في الموازنة، بس إحنا مش بنعلن عنه!،وطبعًا المواطن الغلبان، اللي بيقضي يومه بين طابور التموين وسيرنجة الفول، له في الميزانية "بند وهمي" اسمه شد الحزام وسد الفجوة بروحك!"
بلدنا يا سادة ليست فقيرة، لكنها تُدير الفقر كأنّه سياسة وطنية، وتُوزّع الثراء كما لو كان إرثًا عائليًا، والرسالة الدائمة للمطحونين هي،اصبر،ربنا يعوّضك الجنة، بس ما تنساش تشارك في الصندوق أول الشهر!"
يا حكومة:
نحن لا نحسد، ولا نطلب الترف، ولا نريد مقاعد مستديرة، فقط نطالب بعدم تحويل "سن المعاش" إلى "تاريخ الإنتاج الحقيقي"، لا تجعلوا من الدولة عزبةً للكفاءات بالمصادفة،واعملوا حساب الناس اللي اشتغلوا بشرف، وماتوا قبل ما يشوفوا الكعكة، فمن العدل ، لو كان في عدل ، أن يكون للكرامة خاتمة محترمة،مش نهاية ببدل اجتماع!