بوابة الدولة
الأربعاء 8 مايو 2024 09:46 مـ 29 شوال 1445 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

الذكري الرابعة والثمانون للحرب العالميه الثانيه…:صراع الحلفاء وهزائم الاقوياء

مني النشار
مني النشار

بدأت فى سبتمبر كما انتهت فى سبتمبر ,إنها المحطة الفاصلة فى حياة الإنسانية ,الحدث الجلل الذى شكل حياة الدول لعشرات الأعوام وحتى لحظتنا هذة ,وأعادت تشكيل النظام الدولى وخلقت القواعد الجديدة.
إنها الحرب العالمية الثانية ,التى اندلعت فى مثل هذا
فى 1939 منذ أربع وثمانين سنة ,خلفت الملايين من الضحايا والأسرى والأيتام والأرامل ,شرد الملايين من الأطفال والآلاف فقدوا أطرافهم ,بخلاف دمار البنية التحتية, خرجت أوروبا من قيادة العالم ومن التاريخ ,فحينما كنت تمشى فى شوارعها لم تكن لتعرف إن كنت فى دولة المنهزم أم المنتصر ,فلا شئ ستراه عيناك إلا الخراب.
وإذا غادرت أوروبا فستجد المليارات من البشر فى كل أنحاء الدنيا قد فقدوا الأمل ,الأمل فى غد لا تكتبه المدافع والأسلحة المحرمة ,الأمل فى أن تستعيد الأرض لون بحارها الأزرق الصافى قبل أن تلوثه الغواصات ,ولون غيطانها الأخضر الغض الذى خضبته الدماء.
إنه عالم لا يتحدث إلا لغة القوة المفرطة ,ويختنق فيه السلام.
أى انزلاق أخلاقى سقط فيه الإنسان ليتحول إلى هذا الحيوان الكاسر ,أى شذوذ هذا عن طبيعة البشر ليصبح الإنسان حياته أحلامه مشاعره مجرد رقم من ملايين الأرقام وقد أصبحت أشلاء تحت عجلات الدبابات الغليظة.
واليوم ونحن نقف على أطلال هذة الذكريات الأليمة نتدارس ونتعظ ونتأمل ونسأل لماذا حدث هذا ,ما هذا الصراع لكى تؤول بسببه الأمور لمستنقع كهذا ,وما هى الاسقاطات المعاصرة ,فهل هذا الماضى الكئيب مرآة نرى فيها حاضرنا؟
نعم إنه كذلك
نستطيع أن نفهم واقعنا المعاصر بالنظر إلى صفحة التاريخ.
هذة السطور تبحر بك فى الماضى ,تستهدى بأمواجه العاتية لتفسر أصل الصراع بين خصوم اليوم ,وتستنير بليله حالك السواد لترفع الحجب عن التناقضات بين حلفاء اليوم.
ستتناول فى الجزء الأول السياق التاريخى لنشأة الحرب وأهم المحطات ,وستتناول فى الجزء الثانى النتائج والاسقاطات المعاصرة.

فى البداية لابد من سؤال عن سبب الحربين العالميتين ,السبب الرئيسى هو الصراع الألمانى الفرنسى.
توحدت الولايات الألمانية على يد أوتوفون بسمارك عام 1871,ولد الرايخ الألمانى الثانى - المملكة - عقب عدة معارك عسكرية خاضها بسمارك كان من بينها مواجهة مع فرنسا أسفرت عن هزيمتها وتوقيع معاهدة فرساى الأولى من نفس العالم ,هزم الألمان الفرنسيين وأتوا بهم فى قاعة المرايا فى قصر فرساى فى مدينة ستراسبورج عاصمة منطقة الألزاس واللورين ,حجر الزاوية فى الصراع الألمانى الفرنسى لإحتوائها على كميات كبيرة من الفحم ,الأمر الذى جعلها مركزا للطاقة فى زمانها.
إنكبت الأمة الألمانية على بناء نهضتها العظيمة ,ولم تمض سنوات حتى حققت إنجازات على مستويات كثيرة ,فنظر الألمان إلى أنفسهم بكثير من الحسرة ,حيث كانت القوى العظمى فى ذلك الوقت هما المملكة المتحدة وفرنسا أما ألمانيا فكانت على عظمتها قوة هامشية ,هنا سأل الألمان أنفسهم لماذا يجلس البريطانيون والفرنسيون وحدهم على عجلة قيادة العالم ونحن لدينا من الحضارة والموارد البشرية والإقتصادية والقوة العسكرية ما يجعلنا نستحق أن نكون قوة عظمى ,وهنا نظرالألمان إلى الواقع الدولى بكثير من الغضب واعتبروه - غيرعادل - مما يقتضى منهم السعى لتغييرهذا الواقع واغتنام مكان لألمانيا تحت الشمس.
لهذا السبب تحديدا اندلعت الحربين العالميتين
لم ترق تلك الطموحات لبريطانيا وفرنسا واعتبروها
- تمردا- غير مقبول على قواعد النظام الدولى.
إنكب الطرفان الألمانى والفرنسى على اكتساب الحلفاء لعدم مواجهة الآخر بمفرده ,وفى هذا الإطار عقدا مجموعة من التحالفات والتحالفات المضادة ,التى سيتمخض عنها بعد قليل من الزمن طرفا الحرب العالمية الأولى.
إتجهت المانيا إلى كل من إمبراطورية النمسا والمجر والإمبراطورية العثمانية ,أما فرنسا فقد إتجهت إلى بريطانيا وروسيا وإيطاليا.
أصبح المناخ فى أوروبا فاسدا مفعما بالغضب والتشاحن ,وعند هذة اللحظة حينما كان الأرشيدوق فرانز فريناند ولى عهد النمسا وزوجته فى زيارة إلى سراييفو أطلق عليهما شاب من البوسنة مدعوم من صربيا رصاصاته التى أودت بحياتهما فى 28 يونيو عام 1914.
لم تحتمل أوروبا بسبب تلك الأجواء الفاسدة هذا الحدث ,فانفجرت الأوضاع وخرجت الأمور عن السيطرة واندلعت الحرب العالمية الأولى.
كان خندقا الحرب دول المركز وأهمهم ألمانيا وإمبراطورية النمسا والمجر والإمبراطورية العثمانية ضد دول الحلفاء وأهمهم بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية وإيطاليا والولايات المتحدة - مؤخرا -علاوة على الصرب دولة السبب المباشر للحرب التى احتفلت بالنصر بينما كان الجميع يسبح فى بحور من الدماء.
إنتهت الحرب بهزيمة نكراء لدول المركز الذين تعين عليهم التوقيع على ما أملاه عليهم المنتصرون ,وقعت عدة معاهدات وكان أهمهم فرساى الثانية فى 1919,ومن المضحكات المبكيات ,أتى الفرنسيون المنتصرون بالألمان المنهزمين إلى قاعة المرايا فى قصر فرساى فى مدينة ستراسبورج للتوقيع على معاهدة فرساى الثانية
- السبب المباشر للحرب العالمية الثانية -
وكانت معاهدة إذلالية أهانت الكبرياء الألمانى وفرضت عليهم شروطا قاسية نالت من الكرامة الوطنية الألمانية ,ولكن لم يكن لهم أى اختيار وهم الطرف المنهزم ,وقد اضطروا للتنازل عن الألزاس واللورين وهى حتى اللحظة تحت السيادة الفرنسية.
أهم نتائح الحرب يتعلق بالولايات المتحدة ,تلك الدولة – المنعزلة والمنكبة على نفسها- وفقا لمبدأ الحياد الأمريكى.
كان الرئيس الأمريكى وقتها هو وودرو ويلسون وكان إستثنائيا ,حيث كان أول رئيس أمريكى يعبر المحيط الأطلسى للمشاركة فى مؤتمر دولى وهو باريس للسلام 1919 بهدف تقاسم غنائم المنهزمين ,وتحديد أسس السلام والعلاقات الدولية.
ومنذ تلك اللحظة التاريخية لم تعد واشنطون كسابق عهدها ,فعبور الأطلسى كان عبورا بين عالم تشاهده واشنطون من نافذتها البعيدة ,إلى عالم تنخرط فيه كفاعل رئيسى يشكل قسماته وأحداثه كما سيحدث لاحقا.
لكن قبل الاستطراد فى الدور الذى قام به ويلسون علينا العودة قليلا بالزمن وتحديدا لعام 1913 وهو العام الذى شهد ولادة البنك الفيدرالى الأمريكى بنفس الاسم ,وقد مر هذا البنك بعدة محطات تاريخية تحت اسم البنك الوطنى الأمريكى وتم إنشاؤه بعقد مؤقت لفترة معينة على أن يجدد أو لا يجدد وفقا لقرار من الكونجرس.
والمعلومة الصادمة للكثيرين عن هذا البنك هو أنه ليس مؤسسة سيادية بل - شركة خاصة متعددة الجنسية - لها الحق الحصرى فى امتلاك وطباعة الدولار الذى لايملكه الشعب الأمريكى "الحر"
أنشأ البنك قبيل الحرب العالمية الأولى بعام واحد ,على الرغم أن عقده كان متوقفا حتى تم تمريره فى عهد ويلسون.
فى بداية الحرب طلبت لندن من واشنطون مساعدتها ,ولكن الأخيرة رفضت بموجب مبدأ الحياد الأمريكى ,ولكن البيت الأبيض لم يرض أن يرد حلفاءه فى بريطانيا وفرنسا خاليين الوفاض ,بل تبرع بتقديم مساعداته من خلال التوسط لدى البنك الفيدرالى الأمريكى لتمويل كافة إحتياجات حلفائه بالقروض بما فيها الاحتياجات العسكرية.
المضحك المبكى فى الأمر أن معظم ملاك الأسهم فى الفيدرالى لديهم نشاطاتهم الصناعية - الخاصة - مثل آل روكفلر والذى يطلق عليه ملك قطاع الطاقة.
وقد تم تزويد الحلفاء البريطانيين والفرنسيين بكل احتياجاتهم من خلال تشغيل الآلة الصناعية الأمريكية ,وبينما كان
-الحلفاء - ينزفون دما فى ميادين القتال وتتضخم قروضهم للفيدرالى الأمريكى الذى كان قد نشأ للتو ,كانت المصانع الأمريكية والكثير منها يملكها ملاك الأسهم فى الفيدرالى تعمل بلا توقف لتوفير تلك الاحتياجات.
أما هناك فى ألمانيا التى اطيح بكل طموحاتها القومية وزاد عليها ألم الإذلال ,فقد كان شعبها يغلى ولم يعد يرى شيئا فى الحياة إلا الانتقام من فرنسا.
عند هذة اللحظة كان المستشار الألمانى أدولف هتلر وخطابه المفعم بالقومية ورفض الهزيمة وفرساى ,المرطب الذى يتلهف عليه الألمان لمداواة كرامتهم الوطنية الجريحة.
وصل هتلر إلى السلطة باكتساح جماهيرى ,وبعد أن رسخ أقدامه ورتب الأوضاع الداخلية فى بلاده ,بدأ رحلته فى الإنتقام.
كان البريطانيون والفرنسيون يستشعرون قلقا متناميا بسبب إنتهاك هتلر لمعاهدة فرساى ,ولكنهما فضلا الهدوء وإحتواء الموقف.
فى الأول من سبتمبر 1939 قام هتلر بغزو جارته الشرقية بولندة والتى كانت تحت الحماية البريطانية ,لاستعادة ممر دانزنج الذى خسره بموجب فرساى ,كانت رسالة عنيفة مفادها أن ألمانيا عادت لتثأر لآراضيها ولكرامتها ,هنا ادرك البريطانيون والفرنسيون أن هتلر لايمكن إحتوائه ,طالباه بالخروج من بولندة ولكنه رفض ,فاعلنتا الحرب على ألمانيا فى 3سبتمبر واندلعت الحرب العالمية الثانية.
كان خندقا خذه الحرب ,دول المحور وهم ألمانيا وإيطاليا واليابان ,ضد دول الحلفاء وهم فى بادئ الأمر بريطانيا وفرنسا فقط.
حقق هتلر انتصارات ساحقة حتى ركعت له أوروبا ,أجمل العواصم تم نسفها ,أما فرنسا العظمى فقد استسلمت ووقعت تحت الاحتلال الألمانى ,وتجول هتلر بشوارع باريس فى 23 يونية 1940عقب توقيع اتفاق الهدنة بلا طلقة رصاص واحدة ,والتقط صورة تاريخية مع برج إيفل ببزته العسكرية ,صورة لن ينساها الفرنسيون أبد الدهر ,لقد تحقق الانتقام ,ولكن مهلا ,فالتاريخ لازال يخبئ الكثير من المضحكات المبكيات.
أما الولايات المتحدة فكانت فى موقعها المعتاد ,بعيدة عن خط النار تنشغل بالتصنيع ,لا تستنزف جيوشها فى المعارك كباريس ,ولا تقصف مدنها وتدمر بنيتها التحتية كلندن ,بل تجنى الأرباح حتى تم العدوان على قاعدتها فى المحيط الهادئ فى هاواى بيرل هاربر فى 7 ديسمبر 1941من قبل القوات اليابانية - العدو التاريخى للولايات المتحدة -
كتم العالم أنفاسه وفتحت أبواب الجحيم ,الولايات المتحدة تدخل الحرب.
أما مصر فقد أفاضت عليها الجغرافيا بثراء الموقع فأنى لنا النجاة , فعلى هذة الأرض الطيبة جرت معركة العلمين فى 1942أول انتصار عسكرى تحققه قوات الحلفاء ضد المحور ,زج بمصر بسبب قناة السويس واتفاقية 1936 فى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ,وكانت مصر رسميا ضمن قوات الحلفاء ,انتهت المعركة انتصر من انتصر وانهزم من انهزم ثم رحل الجميع تاركين الملايين من قنابلهم السامة تفترس الأرض الطيبة.
أما هتلر فقد أعمت انتصاراته العقل والبصيرة لديه ,فقام بمهاجمة الإتحاد السوفيتى فى 22 يونية 1941فى عملية اطلق عليها بارباروسا ,أحد أكبر العمليات العسكرية فى تاريخ الحرب الحديث.
المضحك المبكى فى الأمر أن هتلر كان قد وقع مع جوزيف ستالين - بمثابة رئيس الإتحاد السوفيتى- قبيل الحرب معاهدة عدم اعتداء تضمنت اتفاقا سريا بشأن بولندة ,مما جعل ستالين يجلس بعيدا على مقعده الوثير فى موسكو يشاهد أحداث الحرب التى لا تخصه ,وظل يشاهد مستمتعا حتى باغته هتلر بالهجوم.
وقعت موسكو فى بادئ الأمر فى بحر من الارتباك ,وخسرت كثيرا أمام الألمان حتى استطاعت تجميع شتات نفسها وإعداد الخطط العسكرية المضادة ,هنا كانت المعركة الفاصلة فى الحرب العالمية الثانية والتى يؤرخ لها بالتحول النوعى فى الأحداث ,معركة ستالين جراد منذ يوليو 42 وحتى فبراير 43 معركة رسمت حياة الإنسانية لعقود تلت , ومن روسيا بدأت النهاية المروعة.
وبعد شهور من الدماء الروسية والهزائم أمام هتلر ,جاء دورالروس ليتذوقوا اللحم الألمانى الشهى.
تكبد الجيش الألمانى الكثير من الخسائر الفادحة ,وكتب على جبين التاريخ أن هتلر الذى ركعت له أوروبا أركعه الروس,
ولم يعد قادرا على الاستمرار بذات قوته وانتقل إلى حالة الدفاع.
فى إيطاليا - جنوب ألمانيا - اندلعت احتجاجات شعبية ضد الدوتشى بينيتو موسولينى رئيس الدولة وأطيح به فى يوليو 1943,إضطر هتلر لسحب أعداد غفيرة من قواته وضخها فى إيطاليا لمنع أية عمليات إنزال.
فى اليابان أجهز عليها الأمريكيون من السماء ,والصينيون فى البر ,فأطبق عليها القتال المروع فانشغلت بنفسها.
تدهورت الأوضاع ونجح الحلفاء فى أضخم عملية إنزال فى التاريخ ,عملية النورماندى فى 6 يونية 1944 ,وهنا إنتهت عمليا الحرب العالمية الثانية وكل الأحداث التى ستحدث لاحقا لم تكن لتغير شيئا ,لقد انهزم هتلر وأصبح الوصول إلى المانيا مسألة وقت.
فى هذة الفترة بالغة الحساسية عقد مؤتمران غيرا وجه التاريخ ,مؤتمر يالطا وبريتون وودز.
وقبل الاستطراد فى هذين المؤتمرين ,علينا أن نرى المشهد من كل الزوايا.
فى ألمانيا وضحت معالم الهزيمة المحققة.
أما بريطانيا وفرنسا فقد أصابهما الإنهاك ,ولم تعودا قادرتين على قيادة العالم ,لقد أصبحتا أسودا عجوزة لينة الأنياب.
أما الإتحاد السوفيتى فسال لعابه حينما فاح لحم أوروبا الشرقية وأضرم النار فى أحشائه ,ستالين الذى كان بالأمس القريب يتابع بأريحية الحرب من بعيد بينما يحتسى كأسا من الفودكا ,قد لاحت أمام عينيه لحظة التغيير ,فالقوى العظمى التقليدية بريطانيا وفرنسا قد غابت عنهما الأضواء وأسدل الزمان عليهما ستائره معلنا انتهاء قصتهما فلم يعد لديهما المزيد من العروض ليقدماها على المسرح الدولى ,أخذ ستالين نفسا عميقا من سيجاره وابتسم للعالم الجديد حينما قال له أنت بطل قصتى الجديد ,فأخرج ستالين سلاحه من غمده وصوبه ناحية واشنطون.
أما الولايات المتحدة فقد أدركت لحظة التغيير أيضا ,فسفينة ويلسون التى أبحرت منذ سنين قد رست على شاطئ القوى العظمى ,أما الحلفاء من القوى البائدة بريطانيا وفرنسا فقد أغرقتهم أمواج الزمن ,وها هو يودعهما مبحرا بإتجاه واشنطون ,أدار الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت كرسيه المتحرك لينظر من نافذة البيت الأبيض على العالم الجديد الذى ولد للتو ,فوجده مبتسما فاتحا ذراعيه ويقول له أنت بطل قصتى الجديد ,فأخرج روزفلت سلاحه من غمده وصوبه ناحية موسكو- بعد أن أفرغ خزانته فى لندن وباريس -
بدورهما بريطانيا وفرنسا لم تخف عنهما لحظة التغيير هذه ,ولكن ما من شئ يمكنهما فعله فإعصار التغيير قد اقترب ,وقد انحسرت أيديهم إلا عن عصى تتكأ عليها عظامهم المنكسرة.
لقد تشرزم الحلفاء بينما كانت تجمعهم ميادين القتال ,وعند هذة اللحظة ولدت الحرب الباردة ,وأصبحت المعركة الجديدة بين الحلفاء أنفسهم على من يصل برلين أولا.
فى هذا الإطار عقد مؤتمر بريتون وودز فى ولاية نيوهامشير بالولايات المتحدة فى يوليو 1944حضره الحلفاء دون الإتحاد السوفيتى ,وقد انتهى إلى فك ارتباط كل العملات بالذهب على أن يقيد الدولار بالذهب ,وتمخض عنه ولادة المؤسسات المالية الدولية والنظام النقدى العالمى حتى اللحظة.
لم يكن فى مقدرة أحد أن يعترض ,فقد انهك الجميع وكانت واشنطون الطرف الوحيد من الحلفاء الغربيين الصامد ,وهى القوة العسكرية الشابة التى غيرت موازين القتال ,أمريكا أملت فأطيعت.
وقبل أن نكمل أحداث الحرب علينا أن نقفز سريعا لعام 1971 إبان حكم الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون ,حينما وقف أمام الكاميرات معلنا بوقاحة أن الولايات المتحدة ليس لديها ذهبا يكفى ما لديها من أموال. كانت عاصفة زلزلت العالم ولكنه رضخ كما رضخ من قبل ,فهذا العالم لا يعرف إلا لغة القوة.

المؤتمر الآخر كان يالطة فى البحر الأسود مطلع فبراير 1945 ,حضره ستالين وروزفلت ووينستون تشيرشل رئيس وزراء بريطانيا ,وبينما كانت ألمانيا لاتزال تقاتل فى معركتها الأخيرة وهزيمتها تدق أبوابها ,كان الثلاثة ذئاب يتقاسمون تركتها ,ويتفاوضون على الغنائم ,ويرسمون العالم الجديد الذى ولد للتو.

أما الجندى الألمانى فظل يقاتل أربعة جيوش على كافة إتجاهاته الإستراتيجية فى معركة يعلم يقينا أن لا انتصار فيها ,لكنه أبى على شرفه العسكرى أن يسلم وطنه وفى يده سلاح ,فظل يقاتل من أجل أن يقتل ,فكان المنتصر الذى هزمه الميدان.
فى 2مايو1945 كان قطار ألمانيا نحو الشمس قد وصل محطته الأخيرة ,فقد تمكن الروس من برلين ورفعوا العلم الأحمر فوق مبنى الرايخستاج - البرلمان واسمه البونتستاج حاليا - فى صورة تناقلتها الصحافة العالمية كلحظة فارقة فى حياة الإنسانية ,لحظة أريقت من أجلها بحور من الدماء .وفى 9مايو بتوقيت موسكو وقعت ألمانيا وثيقة استسلامها الثانية.
ألمانيا التى أرادت اغتنام مكان تحت الشمس قد باتت أشلاء ترزح تحت الأنقاض ,وعادت قرونا لظلمات التاريخ ,يأكل من لحمها العارى الحلفاء ,ويرى عوارتها المنتصرون.
لم تكن الحرب العالمية الثانية قد قالت كلمتها الأخيرة بعد ,فهناك حيث المحيط الهادئ الملتهب بأحداثه كانت اليابان تقاتل بضراوة وتقذف بكرات اللهب على مصالح الولايات المتحدة.
ولكن ثمة أمر آخر كان يقد مضاجع واشنطون ,فلم تكن لتقبل أن يصل الروس أولا إلى برلين ,فهذا نصر روسى مروع يرجح كفة موازين القوى تجاههم ,وتهتز بسببه أعمدة البيت الأبيض غيظا , فكان حتما على واشنطون الرد بقوة واغتنام موازين القوى غلابا ,فكانت قنبلتا هيروشيما ونجازاكى النوويتين 6 و9 اغسطس 1945.
لقد قتلت أحلام اليابان للأبد ,وتشوه الأمل فى النفوذ والسيطرة ,وأحرقت القنابل الحارقة الإرادة والعزيمة ,فبين أشلاء مئات الآلاف من الضحايا رقد العناد قتيلا ,إنها النهاية.
فعدلت موازين القوى من دفتها ناحية واشنطون.
كانت رسالة أمريكية متعددة الإتجاهات ,إلى الحلفاء فى لندن وباريس لقد انتهى زمانكما ,وإلى العدو فى موسكو أنا الأقوى ,وإلى طوكيو استسلموا ,وإلى العالم أنا وحدى من يستحق أن يجلس منفردا على قيادة العالم ,أنا ربكم الأعلى.
وفى 2 سبتمبر 1945 كان العالم على موعد مع المشهد الأخير من هذا العرض الدامى الذى بدأ فى نفس التوقيت منذ ستة أعوام ,ها هى اليابان توقع وثيقة الاستسلام , لقد أسدلت الستائر وذهب أبطال القصة كل فى طريقه ,فرنسا تتحسرعلى أمجادها ,وبريطانيا تعيش ليلا طويلا بعد أن ودعتها الشمس التى لا تغيب ,والصين تبدأ عصرا جديدا بعد التحرر من الاحتلال اليابانى الغاشم ,وألمانيا تلملم أشلاءها ,أما الإتحاد السوفيتى فأخذ يحصى عدد الشيوعيين فى أوروبا الشرقية الذين سيفتحون له أبواب السيطرة والنفوذ ,أما الولايات المتحدة فأخذت تحصى عدد القنابل الذرية التى ستبيد كل من يشاركها قيادة العالم الجديد.
لقد انتهت الحرب فى سبتمبر كما بدأت فى سبتمبر ,وأفرغت كل ما فى جعبتها وقالت كلمتها الأخيرة ,أما موسكو وواشنطون فقد بدأتا للتو الحديث.
لم تكن موسكو لتقبل رسالة واشنطون الذرية ,أو أن يتسرب العالم الجديد من بين يديها ,أو أن تغادرها موازين القوى التى كانت فى أحضانها.
كانت هناك فلسفة لدى بعض علماء الذرة مفادها أنه من الخطر أن تنفرد قوة بعينها بسر القنبلة النووية ,كان على رأسهم العالم الألمانى الشيوعى كلاوس فوكس فقدم خدماته الاستخبراتية الجليلة لموسكو وسرب الكثير من المعلومات حول مشروع مانهاتن الأمريكى النووى.
وفى أغسطس من عام 1949 فجر الإتحاد السوفيتى قنبلته النووية الأولى ,فتوازنت موازين القوى ,وفقدت الولايات المتحدة تميزها وتفردها بالقوة المطلقة ,منذ الثمانية والسبعين عاما وواشنطون تقاتل من أجل البقاء منفردة على عجلة قيادة العالم ,منذ الثمانية والسبعين عاما وموسكو أطاحت بالعالم الأحادى القطبية وأفسدت على واشنطون النظام العالمى الذى فى رأسها ,وأغتنمت لنفسها مكانا فى قمرة القيادة ,فليس من المنطق أن تسأل اليوم ما الذى يجرى بين روسيا والولايات المتحدة ,فاليوم هو الابن الشرعى للأمس ,ولا يفسر الصغير إلا فى إطار الكبير ,إنهما يتقاتلان على ما كانا يتقاتلا عليه بالأمس ,إنها القواعد الحاكمة ورفض الهيمنة.
انتهت أحداث الحرب ولكن لم ينته الصراع ,لازالت صفحة التاريخ هذه تزخر بالدلالات ينام بين سطورها اليوم ,ويستيقظ بين أحداثها الغد.
فما الذى تقوله تلك السطور عن الصراع المحموم الذى نعيشه اليوم ؟
هذا ما سنتعرف عليه فى الجزء الثانى

كتبت المقال منى النشار خبيرة الشئون الخارجية

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى08 مايو 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 47.5014 47.6014
يورو 51.0450 51.1715
جنيه إسترلينى 59.3388 59.4685
فرنك سويسرى 52.2510 52.3899
100 ين يابانى 30.5495 30.6158
ريال سعودى 12.6650 12.6924
دينار كويتى 154.4109 154.7863
درهم اماراتى 12.9322 12.9605
اليوان الصينى 6.5728 6.5872

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,509 شراء 3,531
عيار 22 بيع 3,216 شراء 3,237
عيار 21 بيع 3,070 شراء 3,090
عيار 18 بيع 2,631 شراء 2,649
الاونصة بيع 109,117 شراء 109,827
الجنيه الذهب بيع 24,560 شراء 24,720
الكيلو بيع 3,508,571 شراء 3,531,429
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى