المستشار محمد سليم يكتب: الانتخابات… حين يكون صوت الشعب هو البطل الحقيقي
تمرّ بلادنا بمرحلة دقيقة تكشف فيها الانتخابات عن معدن المجتمع، وعن قدرة الدولة على حماية إرادة أبنائها،. وقد أثبتت التجارب أن نزاهة العملية الانتخابية ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي منظومة متكاملة تبدأ من احترام الدستور وتنتهي عند وعي الناخب وقدرته على الاختيار الحر.
ما يميّز أي عملية انتخابية ناجحة هو وضوح القواعد وصرامة الالتزام بها. فالصوت الذي يمنحه المواطن ليس مجرد ورقة تُلقى في صندوق، بل هو شهادة أمانة، وحق دستوري، ومشاركة في صناعة المستقبل. لذلك فإن الحفاظ على هذا الصوت وعدم السماح بالعبث به هو واجب وطني قبل أن يكون التزامًا قانونيًا.
إن احترام إرادة الناس هو الأساس الذي تُبنى عليه الدولة الحديثة،لا قيمة لأي نظام سياسي أو مؤسسة تشريعية إذا جاء تشكيلها مشوبًا بشبهات أو ضغوط أو مؤثرات خارجة عن إرادة الناخب. ولذلك فإن صون العملية الانتخابية، وضمان شفافيتها وانضباطها، هو قناة العبور الوحيدة نحو برلمان يعبر عن المجتمع بكل أطيافه، ويُترجم همومه ويعكس تطلعاته.
وفي هذا السياق، أرى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى يقظة من الجميع. تحتاج إلى وعي المواطن الذي لا يجوز أن يسمح لأي مرشح بابتذال صوته تحت أي مسمى أو مغريات. فالصوت الذي يُشترى بثمن بخس، سيدفع صاحبه ثمنه مضاعفًا في مستقبل لا يرضيه ولا يمثّله. الصوت الذي يُباع لا يبني وطنًا،بل يفتح أبواب الفساد، ويهدم الثقة بين الناس ومؤسساتهم.
كما أن على المرشحين التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا بعدم تجاوز القواعد المنظمة للعملية الانتخابية، الخروج عن هذه القواعد ليس مجرد مخالفة، بل اعتداء على حق المجتمع في انتخابات نزيهة. الدولة أكبر وأنقى من أن تُشوَّه بممارسات غير مسؤولة، وأسمى من أن تتلوث بطرق دعاية لا تليق أو سلوكيات تسئ للمشهد العام.
ولا يمكن تجاهل الجهود الكبيرة التي تُبذل على الأرض لتأمين اللجان الانتخابية وتوفير بيئة آمنة للناخبين. ما نشهده من تنظيم وانضباط يعكس حرصًا حقيقيًا على حماية العملية الانتخابية وضمان سيرها في أجواء مستقرة، تُتيح لكل مواطن ممارسة حقه الدستوري بكل اطمئنان.
إن الانتخابات ليست مجرد يوم تصويت، بل هي اختبار لقيمة الدولة واحترامها لمواطنيها. هي رسالة للعالم بأن إرادة هذا الشعب لا تُباع ولا تُشترى، وأن الديمقراطية في مصر ليست شعارًا، بل ممارسة حقيقية تتجسد في وعي الناخب وأمانة المسؤول ونزاهة العملية من أول خطوة إلى آخر فرز.
قد نختلف في توجهاتنا، لكننا نتفق جميعًا على أن الوطن يستحق انتخابات تُعبّر عنه بصدق، وتضعه على الطريق الذي يليق بحجمه وتاريخه ومستقبله.
ويبقى صوت المواطن… هو البطل الحقيقي.
كاتب المقال المستشار محمد سليم عضو المحكمة العربية لفض المنازعات وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق





















