المهندس محمد عادل فتحي يكتب: التنين الصيني وإعادة رسم خريطة القوة العالمية
لم تعد قوة الدول تُقاس بعدد الجيوش والعتاد، بل بقدرتها على التقدم الاقتصادي والتفوق التكنولوجي. ما نشهده اليوم من صراعات كبرى—من الحرب الروسية الأوكرانية التي يخوضها الاتحاد الأوروبي بالوكالة، إلى الحرب الاقتصادية الباردة بين الولايات المتحدة والصين—ينذر بأن العالم يقف على أعتاب تحول تاريخي عميق. إنها حرب ثالثة غير معلنة، تدور تحت السطح، ستُعيد تشكيل موازين القوى وترسم خريطة عالمية جديدة، تسقط فيها دول من القمم وتصعد أخرى.
في قلب هذا التحول تقف الصين منافسًا صلبًا للولايات المتحدة. فقد حققت قفزات هائلة في البرمجيات والصناعات العسكرية، وطورت منظومات تسليح رقمية قادرة على شل قدرات الخصم وتحويل معداته إلى مجرد خردة، خاصة في مجال الطيران، حيث تفوقت بطائرات حديثة على أيقونات الطيران الحربي الأمريكي مثل «إف-15».
اقتصاديًا، غزت المنتجات الصينية الأسواق الأمريكية والأوروبية، وأصبحت خيارًا مفضلًا للمستهلك لجودتها وأسعارها المعقولة. وحين حاولت الإدارة الأمريكية فرض رسوم جمركية للحد من هذا التغلغل، جاءت النتيجة عكسية. وفي أفريقيا، لم تدخل الصين من بوابة السلاح أو الاستعمار، بل بمنهج التنمية المتبادلة: جسور، وأسواق مفتوحة، وسلع تلائم البيئة المحلية والقدرة الشرائية، دون فرض أنماط استهلاكية قسرية.
نجحت التجربة الصينية، بسواعد أبنائها، في انتشال أكثر من 1.4 مليار إنسان من الفقر والبطالة خلال عقدين فقط، ورفعت مستويات الدخل والمعيشة على نحو غير مسبوق. ورغم حكم الحزب الواحد، كسرت الصين مقولة الغرب بأن التنمية لا تتحقق إلا بالديمقراطية الليبرالية الكاملة، فزاوجت بين مركزية القرار سياسيًا وأدوات اقتصاد السوق رأسماليًا، محققة معدلات نمو تجاوزت 7% لسنوات طويلة.
ولم يكن هذا الصعود بلا ذاكرة تاريخية؛ فالصين التي أُهينت في القرن التاسع عشر بحروب الأفيون، وعانت مجاعة قاسية في ستينيات القرن الماضي، انطلقت اليوم كـ«تنين» يسعى لمعجزة تنموية.
في مصر، يتجلى الحضور الصيني بوضوح في المنطقة الصناعية بالعين السخنة، حيث تعمل نحو 140 شركة صينية باستثمارات تُقدَّر بنحو 1.5 مليار دولار، مرشحة للزيادة. وتشمل الصناعات: تجميع السيارات والدراجات، الإلكترونيات والهواتف والشاشات، المنسوجات والملابس، الفايبر جلاس، ومكونات الطاقة الشمسية—نموذجًا لشراكة إنتاجية حقيقية.
هكذا، ومع تسارع التحولات، يبدو أن العالم الجديد قيد التشكل، وأن التنين الصيني بات لاعبًا رئيسيًا في معادلة القوة الدولية.
كاتب المقال المهندس محمد عادل فتحي رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية الصينية ورئيس مجلس إدارة شركة قناة السويس للتأمين ونائب رئيس مجلس إدارة نادي المقاولون العرب
























