وزارة الأوقاف: الإسلام جعل الخصوصية حقًا مقدسًا يحفظ كرامة الإنسان
قالت وزارة الأوقاف، إن الإسلام جعل الخصوصية حقًا مقدسًا يحفظ كرامة الإنسان، ونهى القرآن عن التجسس وأمر بالاستئذان صونًا لحرمة الآخرين، كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم في سنته على ترك ما لا يعني المسلم ليكتمل إيمانه ويستقيم سلوكه، فالاحترام المتبادل للخصوصيات يُشعر الناس بالأمان ويزرع الثقة بينهم، وهذا الاحترام يعزز قيمة الفرد ويحفظ حقوقه، وبذلك يتماسك المجتمع ويترسخ فيه السلام والمحبة.
احترام الخصوصية في القرآن الكريم
في رحاب ديننا الحنيف، يقف احترام الخصوصيات شامخًا كركيزةٍ أساسية لا تستقيم حياة الفرد والمجتمع إلا بها، إنه ليس مجرد أدبٍ اجتماعي تمليه الذوقيات، بل هو أمرٌ إلهي، ومبدأٌ نبويٌّ أصيل، يتجلى في آيات القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليرسم لنا خريطة طريق نحو مجتمعٍ يسوده الأمن، والثقة، والطمأنينة.
من أجل ذلك كرّم الله الإنسان وخصّه بكرامةٍ تليق به، ومن مظاهر هذا التكريم حقه في أن يحيا في سكينته الخاصة، بعيدًا عن التطفل والفضول المذموم ، فالقلوب بيوتٌ مغلقة، والأسرار أماناتٌ مصونة، والتفتيش فيها أو كشفها بغير حقٍ هو اعتداءٌ صريحٌ على حرمة الإنسان التي أقرها الشرع يقول الله تعالى: ـ في كتابه الكريم ـ {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَ لَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (الحجرات: ١٢)، في هذه الآية الجامعة، ينهى الله عن التجسس، الذي هو تتبع عورات الناس وبواطن أمورهم الخفية، وهذا النهي الصريح يؤكد على قدسية الخصوصية، وأن انتهاكها يضاهي في قبحه أكل لحم الأخ ميتًا، وهي صورةٌ بغيضةٌ تُشعر بالاشمئزاز فالتجسس يُولّد الشك، ويُفسد القلوب، ويهدم أواصر المحبة والثقة بين الناس، ويُزهق السكينة من النفوس.
ولم يكتفِ الإسلام بالنهي عن التجسس، بل وضع حدودًا واضحة لدخول البيوت، وهي حصون الخصوصية الأولى حيث يقول تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (النور: ٢٧)، فكلمة "تستأنسوا" هنا تحمل في طياتها معاني الاستئذان، والاستئناس، والتأكد من رضا أصحاب البيت واستعدادهم لاستقبال الضيف ، وهذا دليلٌ على أن الدخول بغير إذنٍ هو انتهاكٌ لخصوصية المكان وأهله ، حتى لو كان من يدخل صديقًا حميمًا أو قريبًا، فإن هذا المبدأ يبقى ساريًا، ليعلم الجميع أن لكل شخص مساحته الخاصة التي لا يجوز تجاوزها دون موافقة ، فلاتخترق مساحة غيرك ، وعليك بخاصة نفسك.
احترام الخصوصية من السنة النبوية
أما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، تتجلى صورٌ عظيمة لاحترام الخصوصية، فكان قدوته في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ» (رواه الترمذي)، فهذا الحديث النبوي الشريف قاعدةٌ ذهبية في التعاملات الاجتماعية، فهو يدعو إلى الانشغال بما يخص الإنسان ويصلح شأنه، والابتعاد عن فضول التدخل في شؤون الآخرين التي لا تعنيه، فليس من أخلاق المسلم المتطفل الذي يتتبع العورات ويكشف الأسرار، بل المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وهذا جوهر الإيمان العملي الذي يحفظ تماسك المجتمع.
كذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التلصص على بيوت الناس ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بغيرِ إذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بعَصاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُناحٌ» (متفق عليه)، فهذا الحديث يبين بوضوح مدى حرمة اقتحام خصوصية الآخرين، حتى أنه يبيح دفع المتطفل بأي وسيلة تمنعه عن التطفل، وإن أدى ذلك إلى ضرر به، تأكيدًا على أهمية حماية الخصوصية ، فهذا التوجيه النبوي الشديد ليس دعوة للعنف، بقدر ما هو تأكيد على جسامة الجرم المترتب على انتهاك حرمة البيوت والأشخاص لإنه يرسخ مبدأ أن لكل إنسان الحق في الأمن في بيته، وأن هذا الحق مصان شرعًا.
ثمرة احترام الخصوصية
إن احترام الخصوصيات ليس مجرد سلوكٍ سلبي بالامتناع عن التطفل، بل هو سلوكٌ إيجابي ينبني على الثقة والأمان والتفهم ، فعندما يحترم كل فرد خصوصية الآخر، يشعر الجميع بالأمان، وتزهر العلاقات على أسسٍ قوية من الثقة والتقدير المتبادل فهو بناءٌ مجتمعي، تترابط فيه اللبنات بوشائج من الاحترام، ليُشكّل صرحًا إسلاميًا يقوم على المودة والرحمة والتعاون ، تخيل مجتمعًا لا يخشى فيه أحد أن يُراقَب أو يُفضح ، عندها فقط يمكن أن تزدهر الإبداعات، وتنمو الثقة، ويسود السلام ، لأن كل واحد من أفراد المجتمع أراد السلامة لنفسه عن طريق عدم التجسس على غيره.
واجبنا نحو الآخرين
فلنغرس هذه القيمة العظيمة في نفوسنا وفي نفوس أبنائنا، ولنجعل من بيوتنا أسوارًا عالية لا تنتهك، ومن قلوبنا خزائن أمينة لا تبوح إلا بالخير؛ ففي احترام خصوصياتنا، نجد أماننا، وفي احترام خصوصيات غيرنا، نجد أمان مجتمعنا، ونُعلي من شأن إيماننا الذي يأمرنا بكل خير وينهانا عن كل سوء. إنها دعوةٌ لثقافةٍ تُعلي من قيمة الإنسان، وتُقدّر مساحته الخاصة، وتُؤمن بأن السلامة تكمن في صيانة كرامة الجميع.
احترام الخصوصيات ركيزة أساسية في ديننا الحنيف، الله كرم الإنسان وخصّه بكرامة تليق به، وللحفاظ على هذه الكرامة جعل الخصوصية حق لكل إنسان يجب احترامها، ونهى الله عن التجسس وتتبع عورات الناس، والتجسس يُولّد الشك ويُفسد القلوب، والله أمر بالاستئذان قبل الدخول إلى البيوت، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التطفل على الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ»، فالاحترام المتبادل للخصوصيات يُشعر الجميع بالأمان،وتُؤدي إلى ثقة متبادلة بين الناس، وتُعلي من قيمة الإنسان،كل ذلك يُؤدي إلى مجتمع متماسك، ويحمي كرامة الإنسان،ويُؤدي إلى السلام والمحبة؛ لذلك كانالاحترام للخصوصيات واجب على كل مسلم.
























