علماء الأوقاف يناقشون الأمية الدينية والهوية الرقمية واضطراب تحديد الجنس
استمرارًا لفعاليات الجلسة العلمية الثانية بالندوة الدولية التي تنظمها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، عرض الدكتور عادل محمد حسن، أستاذ ورئيس قسم أصول اللغة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ – جامعة الأزهر، بحثًا علميًا تناول فيه أثر الأمية الدينية وخطورة غياب القيادة الأسرية في بناء الإنسان والمجتمع.
د. عادل محمد حسن قال أن الأمية الدينية من أخطر الظواهر السلبية.. وعودة القيادة الأسرية الواعية ضرورة لتنشئة جيل يرفض التطرف والغلو وأكد أن الحياة العلمية عبر العصور نادت بعودة الدور التربوي للأسرة في التوجيه والإشراف دون قهر أو إذلال، مشددًا على أن السعي للرزق لا يبرر إهمال الهدف الأسمى المتمثل في تربية الأبناء على حب العلم وصحيح الدين والخروج من دائرة الجهل، موضحًا أن الأمية، لا سيما الأمية الدينية، تُعد من أخطر الظواهر السلبية التي تصيب بعض الأسر، لما تسببه من قبول غير واع للأفكار والآراء دون تمحيص أو معرفة بالثوابت والضوابط، الأمر الذي يفضي إلى نشأة جيل غير قادر على تحمل المسؤولية، ويهدد استقرار المجتمعات.
كما بين د. عادل أن بحثه ركز على دور الأسرة في بناء جسور التواصل بين الأجيال، وتعزيز لغة الحوار، واختيار الصحبة الصالحة، والتمييز بين الفتوى الصحيحة والشاذة، مؤكدًا أن معالجة المشكلات تبدأ من الأسرة، وأن استعادة دورها التربوي يمثل مدخلًا أساسيًا للقضاء على الأمية الدينية وتحقيق نهضة المجتمع.
د. شيماء زيدان: الفتوى تبني الإنسان الواعي والعولمة الرقمية تفرض تحديات تهدد الهوية والأمن الفكري
من جانبها، قدمت الدكتورة شيماء عبد الرحمن زيدان، دكتوراه في الفلسفة الإسلامية من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، بحثًا تناول إشكالية الفتوى في عصر العولمة الرقمية، موضحةً أن الفتوى تقوم بدور محوري في بناء الإنسان من خلال استنارة العقل بهدي القرآن الكريم والسنة النبوية، بما يقوده إلى الارتقاء الروحي والعمل بالفضيلة، في مقابل ما تفرضه العولمة الرقمية من تحديات تسهم في هدم القيم والانزلاق بالإنسان بعيدًا عن هويته.
وبينت أن البحث تناول دور الفتوى في تحقيق الأمن الفكري في الواقع المعاصر، وتصحيح الأضرار التي لحقت بالمجتمع نتيجة المفاهيم المغلوطة حول الهوية والانتماء، والتي تتعارض مع الدين وتسعى إلى طمس الهوية الذاتية للأفراد والشعوب.
وخلص البحث إلى التأكيد على أهمية الشعور بالمسؤولية المجتمعية، وصحوة التوجه الديني وانتشاره، وضرورة صناعة المفتي المعاصر القادر على التعامل الواعي مع معطيات العصر وتحدياته الرقمية.
د. علي محمد عثمان: تحديد الهوية الجنسية عند التعارض بين الجسد والهرمونات يتطلب تكاملًا دقيقًا بين الفقه والطب
وفي إطار القضايا الطبية المعاصرة، عرض الدكتور علي محمد علي مهدي عثمان، أمير سر هيئة كبار العلماء، بحثًا تناول اضطراب الهوية الجنسية عند تعارض التحليل الهرموني مع ملامح الجسد الظاهرة، بوصفه من أكثر القضايا المعاصرة إشكالًا.
وأوضح أن البحث جاء استجابة لواقع طبي معقد أفرز حالات لا تنطبق عليها التصنيفات الفقهية التقليدية، ما يستدعي فهمًا تأصيليًا يجمع بين العلم الشرعي والمعرفة الطبية الدقيقة.
وبين أن البحث ناقش المعايير الشرعية المعتمدة في تحديد الجنس عند التعارض، مستعرضًا أقوال الفقهاء في باب الخنثى، ومقارنًا بينها وبين المعطيات الطبية الحديثة، مع تقديم ترتيب مقترح للقرائن عند التعارض، مؤكدًا أن الأصل هو اعتماد العلامات الظاهرة، ولا يُعدل عنها إلا بقرائن يقينية.
كما أبرز أثر تحديد الجنس على الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، محذرًا من خطورة الخطأ في هذا الباب، داعيًا إلى تأسيس لجان طبية - شرعية متخصصة لضبط الفتوى ومنع التلاعب بالهوية الجنسية.
د. أحمد محمد بكر:الفتوى الاستباقية ذات جذور شرعية واضحة وتؤدي دورًا وقائيًا في حماية النفس والمجتمع قبل وقوع الأزمات الصحية
واختتمت المشاركات بعرض بحث الدكتور أحمد محمد بكر إسماعيل، عضو هيئة التدريس بـ جامعة الأزهر، الذي تناول مفهوم الفتوى الاستباقية بوصفها رؤية مقاصدية نبوية لإدارة المخاطر الصحية وحماية المجتمع، وأكد أن التحديات الصحية المتجددة تفرض إعادة تصور دور الفتوى من مجرد الاستجابة للأزمات بعد وقوعها إلى أداة وقائية فعّالة تستبق المخاطر وتحمي النفس والمجتمع.
وأوضح أن البحث أسس نموذجًا فقهيًّا مقاصديًّا يجمع بين الهدي النبوي وأدوات إدارة المخاطر الحديثة، مستعرضًا نماذج نبوية في الوقاية الصحية، وضوابط علمية لإصدار الفتوى الاستباقية، ونموذجًا تطبيقيًا يربط بين الرصد المبكر والتوجيه الوقائي والتخفيف.
وخلص إلى أن تفعيل الفتوى الاستباقية يتطلب منظومة مؤسسية متكاملة وتنسيقًا وثيقًا بين الجهات الشرعية والطبية، بما يعزز دور الفتوى في حفظ النفس، ويحد من الفوضى الصحية والاجتماعية، ويؤسس لتكامل رشيد بين الفقه والطب في الواقع المعاصر.
























