تجويع الصحفي.. أخطر ثغرة في جدار الأمن القومي
لم تعد أزمة الصحفيين في مصر مجرّد قضية مهنية تُناقَش في أروقة النقابة أو خلف أبواب المؤسسات الإعلامية، بل تحوّلت إلى إشارة خطر حمراء تمسّ الأمن القومي مباشرة.
فالدراسة التي كشفها الدكتور حماد الرمحي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، جاءت لتضع النقاط فوق الحروف وتكشف حجم الانهيار الذي يعيشه العاملون في المهنة التي يفترض أنها «عين الدولة» و«لسان الشعب».
أرقام صادمة.. مهنة بلا أجر وبلا أمان
الدراسة تكشف مشهدًا بالغ القسوة:
19٪ من الصحفيين يتقاضون أقل من 3000 جنيه شهريًا.
40٪ يحصلون على أقل من 5000 جنيه.
20٪ يعملون بلا أجر إطلاقًا.
15٪ عاطلون عن العمل رغم سنوات الخبرة.
84٪ يؤكدون أن الأجور الحالية لا توفر حياة كريمة.
2٪ فقط يحصلون على دخل يكفي متطلبات المعيشة.
91٪ يرون أن الحد الأدنى المقبول يجب ألا يقل عن 10 آلاف جنيه.
43٪ يخرجون من المؤسسات دون مكافأة نهاية خدمة.
4٪ فقط يحصلون على مكافأة مُرضية.
هذه الأرقام لا تعكس أزمة شخصية، ولا صراعًا نقابيًا، بل نزيفًا مفتوحًا في جسد مهنة ترتبط بشكل مباشر بصناعة الوعي، وحماية الدولة من الفوضى المعلوماتية.
هواة التريند يتقدمون.. والمهنيون إلى الهامش
يقول د. الرمحي كلمة شديدة الدلالة تجويع الصحفي ليس توفيرًا في بند الرواتب، بل استنزاف بطيء للأمن القومي”.
حين يتم تهميش الصحفيالجاد، يهرب من المهنة أو يُدفَع إلى الظل، ليحلّ محله هواة «التريند» صُنّاع الشائعات مدّعو المهنية منتحلو صفة صحفي المرتزقة الذين يتاجرون بالكلمة
هنا لا تخسر الدولة موظفًا.. بل تفقد سلاحًا من أهم أسلحتها: سلاح الوعي.
إن الصحافة المهنية ليست ترفًا… إنما خط الدفاع الأول في بلدٍ يتعرض يوميًا لحملات تضليل وتشويه ممنهج.
أجر الصحفي ليس رفاهية.. بل ضرورة دولة
المطالبة بحد أدنى محترم هي مطالبة عادلة وواقعية.
فلا يمكن لصحفي يحمل همّ الوطن، ويعمل ليلًا نهارًا، أن يعيش على هامش المجتمع.
ووفق رؤية د. الرمحي، فإن الحد الأدنى العادل يجب أن يكون:
7 آلاف جنيه كمرحلة أولى
ثم يتدرج إلى 10 آلاف جنيه أو أكثربما يتناسب مع مستوى الأسعار، وطبيعة العمل، والمسؤولية القومية الواقعة على عاتق الصحفي.
الكلمة مسؤولية، وصاحبها يجب أن يكون قادرًا على الحياة بكرامة حتى يؤدي دوره بكرامة.
رسالة أخيرة.. الدولة بحاجة للصحفي وليس العكس إن الدولة التي تريد إعلامًا قويًا، وصناعة وعي صلبة، تحتاج أولًا إلى صحفي محترم قادر على العطاء.
أما حين ينشغل الصحفي بالبحث عن مصدر رزق إضافي، أو يفكر في الهروب من المهنة، أو يُجبر على قبول ممارسات لا تليق، فإن الخاسر الحقيقي ليس النقابة… بل المجتمع بأكمله.
الصحفي ليس خصمًا للدولةإنه شريك في بناء الوعي، وترسيخ الاستقرار، وكشف الفساد، والدفاع عن الحقيقة.
ولذلك فإن دعم الصحفي ليس منحة… بل استثمار في أمن الوطن.












