الكاتب الصحفى محمود الشاذلى يكتب : من الحياه .

لست مبالغا حين أقول أننى أصبحت منزعجا من واقع الناس ، مرجع الإنزعاج أنه أفرز أمورا كارثيه أصبحت تهدد كيان المجتمع كل المجتمع ، خاصة ونحن مقبلون على الإنتخابات البرلمانيه ، لعل أخطر ماأدركته تنامى النفاق ، وتحكم المصلحه فى علاقات الناس ، وأثر سلوك الناس وأحقادهم في واقعنا السياسى ، الأمر الذى معه باتت القناعه راسخه بضرورة وجود أصحاب قرار يضبطون إيقاع هؤلاء الذى أفسده نخبه لاشك فاسده في معتقداتها ، متدنيه في نهجها ، بل إنها لامانع لديها أن تركع أمام من لديه مصلحه ، وترتدى ثوب النضال عندما يشعرون أنهم في مأمن .
تنتابنى صدمه عنيفه في آحاد الناس الذين كنت أظنهم يتعاملون بإحترام ، ولديهم ثوابت ينطلقون فيها بالحياه ، ويعظمون قيمة الإختلاف ، لكن إذا بهم عند توليهم أمرا ليس بالضخم ولابالعظيم تسيطر عليهم الأنا ، وأكتشف أنهم وصلوليين ، بلاإحترام ، وأن بداخلهم سواد يعكر نهر النيل من منابعه ، لكن كان الحمد لله أن أدركتهم ، لذا كثيرا ماأقف متعجبا من أحوال البشر، متأملا أقدار الحياه ، ومانتعلمه فيها من دروس وعبر ، ماأقسى أن يعود البعض لمن سبق وأن قدم له العطاء فى السابق ولكنه خذله فى الكثير من المواقف ، أو أساء إليه فى المحن ، وذلك مطأطىء الرأس ولكن ذلك لم يكن عن حب ، أو إعترافا بالخطأ ، أو تصحيحا للمسار ، أو ندم ، أو عن قناعه بأنه إرتكب خطأ جسيما ، فى حق نفسه قبل من جعله سببا فى أن يقدم له العطاء ، ولكن ذلك جاء كرها عنه بعد أن أغلقت أمامه كل الأبواب ، وخدعه من إستخدمه للإساءه لمن قدم له العطاء . حقا ماأظلمك أيها الإنسان .
أخ وصديق عزيز وغالى عائد لتوه من أمريكا إنتابته حاله من السعاده لتصرف كريم من بعض الأحباب لم يعد مألوفا من البشر فى هذا الزمان ، نبهنى إلى أهمية تذكير الناس بأن الصديق الحقيقى هو من تبرزه المواقف ، وليس من يطلق الشعارات ويقول بمعسول الكلمات وعند الجد يختفى مع كل المختفين من البشر ، بل يجلس فى ركن ركين ينتظر إذا قام من كبوته إنطلق ليحتضنه وإذا أخفق يختفى عنه بالكليه .
ينتابنى شعور تأثرا بواقع الحال ، ونهج التعاطى مع التدنى الأخلاقى ، أننا نتعايش مع منحنى خطر فى العلاقات الإنسانيه بعد تعظيم نهج التشويه ، وتجييش الحشود للتطاول والتجريح ، وهذا لاشك يرسخ لمزيد من القناعه أن هناك أمرا ماخطأ طال النفوس التى تنشد الفضيله في تلك الحياه الموحشه ، يبقى من الشرف الإبتعاد عن هذه النوعيه من البشر الذين ندرك لديهم هذا القدر من تعميق الصراعات ، ونهج الإدعاءات الكاذبه ، وسحق النفوس السويه ، كان الله فى عون البسطاء الطيبين من البشر الذين صدمهم وأذهلهم هذا النهج البغيض .
الآن ومنذ وقت ليس بالبعيد كثيرا ماأجد نفسى فى حاجه إلى السير وحيدا فى هذه الحياه إلى حيث لاأدرى وذلك كلما تعمقت فى التفكير فى أحوال الناس ، ورأيت تنامى النفاق ، والتهليل للباطل ، وفقدان الضعيف القدره حتى على الألم ، وينتابنى الشعور بالعجز الشديد عن نجدة ملهوف ، أو إنصاف مظلوم ، أو الزود عن ضعيف ، أو وقف جبروت ظالم جارا كان أو رئيسا فى العمل ، تأثرا بحالة الهزل واللامبالاه والتدنى التى سيطرت على أحوال الناس ، وأصبحت أحد محاور سلوكهم ، أستشعر حقا اننا نعيش الآن عزله بلا ملامح ، وحياه بلا أمل ، وغربه بلا هدف ، وأيام بلا نهايه ، وأحباب بلا تواصل ، وأصدقاء بلا حميميه . خلاصة القول نحن نعيش فى تيه .
يقينا .. أثبتت تجارب الحياه أن الصديق الوفي والرجال أصحاب المواقف باتوا من النوادر فى هذا الزمان ، لذا تم تشبيههم بالمعادن النفيثه التى نادرا مايعثر عليها الإنسان ، الأمر الذى معه من يدرك هؤلاء فى معترك الحياه فاليعض عليهم بالنواجز ، ولايفرط فيهم بأى حال من الأحوال ، وليجعلهم محور حياته ، ونبراس وجوده ، لأنهم لايتكررون كثيرا فى واقع الحياه خاصة هؤلاء الذين يدركهم الإنسان فى المحن رجالا أوفياء ، والملمات كراما أعزاء لذا يقدموا العطاء بلا مقابل .
الكاتب الصحفى محمود الشاذلى نائب رئيس تحرير جريدة الجمهوريه عضو مجلس النواب السابق .