الكاتب الصحفي محمد طرابيه يكتب: الإسكان الاجتماعي... فساد بلا حساب

في ظل عهد وطني صادق يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهدت الدولة المصرية أعظم موجة تطهير شاملة ضد الفساد الذي ظل ينهش في جسد الوطن لعقود طويلة، حيث تبنت القيادة السياسية منهجًا حاسمًا يقوم على الشفافية والمساءلة، وسعت إلى غلق أبواب الفساد التي فتحت على مصراعيها في عهود سابقة، وبدأت الدولة – بالفعل – في اجتثاث هذا الإرث الأسود من جذوره، مستندة إلى إرادة سياسية لا تعرف المجاملة، ومؤسسات رقابية تعمل بفاعلية وجرأة.
ورغم هذه الجهود المخلصة، ما زالت بعض "ذيول الفساد" تطل برأسها في بعض القطاعات، محاوِلة التسلل في الظلام والعبث بمقدرات الوطن، وهو ما كشفت عنه تقارير رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي تضمنت مخالفات وتجاوزات صادمة في ملف مشروعات الإسكان الاجتماعي، وهو المشروع القومي العملاق الذي أولاه الرئيس السيسي اهتمامًا استثنائيًا باعتباره أحد أبرز أدوات العدالة الاجتماعية في مصر الجديدة.
مليارات مهدرة ووحدات راكدة
التقارير الرقابية كشفت أن هناك نحو 2391 وحدة سكنية تعود للمراحل الثلاثة الأولى من المشروع، بدأ تنفيذها منذ عام 2014، لكنها لم تُستكمل حتى الآن، مما حال دون تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله. كما تبين عدم الاستفادة من 20 عمارة سكنية بمحافظة قنا بتكلفة تجاوزت 59 مليون جنيه، رغم استلام المشروع ابتدائيًا منذ 2019، بسبب فشل الشركات المنفذة في معالجة الملاحظات الفنية.
الكارثة الأكبر تمثلت في وجود أكثر من 37 ألف وحدة سكنية تم الانتهاء منها، ولم تُخصص للمواطنين حتى 30 يونيو 2024، بتكلفة بلغت 5.4 مليار جنيه، منها 24 ألف وحدة راكدة تكلفت وحدها 2.8 مليار جنيه، نُفذت خلال الفترة من 2014 إلى 2017، هذا بخلاف 26 ألف وحدة تم تخصيصها دون تسليمها، وهو ما دفع الصندوق لتحمل تكاليف الحراسة وحماية الممتلكات.
مشروعات منتهية بلا فائدة
التقارير الرقابية رصدت أيضًا سوء التخطيط المسبق في بعض المشروعات، حيث لم تُراعَ الدقة في الدراسات الأولية، مما أدى إلى وجود آلاف الوحدات "الزائدة" أو غير القابلة للاستخدام، مثل 1031 وحدة بمنطقة بياض العرب ببني سويف، و1056 وحدة تعاني من أعطال متكررة في مضخات الصرف الصناعي ما يهدد سلامة المنشآت.
كما تضمن التقرير وقائع خطيرة في محافظات أخرى، منها عدم تسليم 84 عمارة بمدينة الشيخ خليفة بن زايد بالسويس رغم الانتهاء منها منذ عام 2018، بسبب ظهور مياه جوفية لم تُعالج، مما ألحق أضرارًا إنشائية جسيمة، وكلف الصندوق 21 مليون جنيه إضافية لمحاولة احتواء الأزمة.
وفي محافظة مرسى مطروح، تبين أن 35 عمارة بمنطقة حفر الباطن ما تزال غير مأهولة، نتيجة انخفاض الأرض المقام عليها المشروع بما يقارب 25 مترًا عن المباني المجاورة، ما تسبب في تراكم المياه الجوفية، مع تحميل الصندوق نحو 2.1 مليون جنيه إضافية في أعمال المعالجة، رغم وجود بروتوكول مع وزارة الإسكان منذ 2015 يحمّل الجهات المنفذة كامل المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن سوء دراسة التربة والموقع.
ينتظر المواطن المصرى – وهو صاحب الحق الأول – أن يرى تحركًا عاجلًا وحاسمًا من جميع الأجهزة الرقابية والجهات التنفيذية المعنية، لفتح هذا الملف على مصراعيه، وكشف كل من تسبب فى إهدار المليارات وتعطيل حلم الآلاف من محدودى الدخل فى الحصول على سكن كريم.
إن صمت الدولة على هذه التجاوزات يبعث برسائل خاطئة، ويمنح المتقاعسين فرصة للإفلات من العقاب.
ولذلك، فإن مطلب الشعب اليوم لا يقتصر على التصريحات، بل يتجاوزها إلى تحقيقات جادة، ومحاسبة شفافة، وتقديم كل مسئول – أيا كان منصبه – إلى المحاكمة العادلة، حتى يستعيد المواطن ثقته الكاملة فى أن العهد الجديد لا يعرف مجاملة على حساب المال العام، ولا يسكت على فساد أُرتكب تحت جنح الإهمال أو بتواطؤ متعمد.
فإذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد رفع راية الشفافية والمحاسبة، فإن الشعب ينتظر أن تظل هذه الراية مرفوعة حتى النهاية.