الدكتورة سعاد كفافي.. قيثارة التعليم ورائدة النهضة الأكاديمية في مصر

إذا كانت أم كلثوم قد لقبت بـ"كوكب الشرق" و"أسطورة الغناء العربي" التي ألهبت مشاعر الملايين بصوتها وفنها الخالد، فإن الدكتورة سعاد كفافي تستحق وبجدارة أن تُلقب بـ"قيثارة التعليم" و"أسطورة الأكاديميا" في مصر والعالم العربي، بما قدمته من إنجازات علمية وتربوية وضعتها في مصاف النخبة من رائدات النهضة النسائية والتعليمية في مصر
سعاد كفافي لم تكن مجرد أستاذة جامعية أو مؤسسة تعليمية، بل كانت حالة استثنائية من العطاء والريادة والبصيرة، جمعت بين الحلم والعمل، وبين الفكر والتنفيذ، حتى أصبحت رمزاً مصرياً مشرفًا لكل من يؤمن بأن النهضة تبدأ من التعليم
لقد آمنت سعاد كفافي بأن بناء الإنسان هو أعظم استثمار في الأوطان، ولذلك كرست حياتها لتأسيس منظومة تعليمية متكاملة، لا تقتصر على تلقين المناهج أو توزيع الشهادات، بل تمتد لتشمل تنمية الشخصية، وتعزيز المهارات، وغرس قيم الانتماء والاجتهاد في نفوس طلابها، كانت رؤيتها واضحة منذ البداية، العقل أولًا، والمعرفة أساس التقدم
وكان أعظم تجسيد لرؤيتها هو تأسيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، تلك الجامعة التي تحولت بفضل قيادتها إلى نموذج يحتذى به في مجال التعليم العالي، ليس فقط داخل مصر، بل في العالم العربي بأسره، فقد جمعت الجامعة بين التميز الأكاديمي والانفتاح على التكنولوجيا الحديثة، وبين احترام الهوية الوطنية والانفتاح على التجارب العالمية
ومن رحم هذه الجامعة خرجت أجيال من الخريجين المتميزين، الذين يحملون فكر "ماما سعاد" – كما كان يلقبها طلابها – ويواصلون نشر أثرها في المجتمع بسلوكهم وإنجازاتهم.
كانت سعاد كفافي لا ترى في التعليم مشروعاً ربحياً، بل رسالة وطنية سامية، ولذلك منحت كل ما تملك من علم وجهد ووقت لخدمة هذه الرسالة النبيلة
ولم تكتفِ بأن تكون رائدة، بل ألهمت أجيالا من النساء والرجال للسير على دربها، لتصبح رمزًا للعزيمة والطموح والقدرة على التغيير، وتمامًا كما كانت أم كلثوم عنوانًا للقوة الأنثوية في عالم الطرب، كانت سعاد كفافي عنوانًا للمرأة القيادية في مجال التعليم، بل وتفوقت على الكثير من نظرائها من الرجال بعلمها وفكرها وإنسانيتها
ورغم رحيلها، فإن أثرها لا يزال حيًا، في كل حجر من مباني الجامعة، وفي كل فكرة تتبناها مؤسساتها، وفي كل إنجاز يحققه طلابها. هذا الأثر لم يتوقف، بل استمر بقوة عبر خالد الطوخي، رئيس مجلس أمناء الجامعة، الذي سار على نهج والدته، وحمل شعلة التطوير والتوسع، محافظًا على القيم التي أرستها، ومضيفًا إليها رؤى عصرية جعلت الجامعة أكثر إشراقًا وتأثيرًا.
ويمكن القول إن خالد الطوخي هو امتداد طبيعي لروح سعاد كفافي، لا يقل عنها إيماناً بقيمة التعليم، ولاشغفاً بالتميز، ومعًا، شكلا مدرسة خاصة في الإدارة الأكاديمية، تعتمد على الإبداع، والانضباط، والريادة، وتحمل ملامح الأصالة والمعاصرة في آن واحد وفي زمن كثرت فيه النماذج العابرة، تبقى سعاد كفافي واحدة من الثوابت الملهمة، التي سيذكرها التاريخ بكل فخر واعتزاز، تماماً كما نذكر العظماء الذين غيروا وجه هذا الوطن، فهي لم تكن فقط سيدة تعليم، بل سيدة حلم، وامرأة من نور، روت أرض مصر بعلمها وعشقها لهذا الوطن،ستبقى الدكتورة سعاد كفافي في الصفوف الأولى لرائدات مصر، إلى جوار أم كلثوم، وهدى شعراوي، ونبوية موسى، ليس فقط لأنها علمت الأجيال، ولكن لأنها آمنت بقيمة الإنسان، وصنعت أملًا سيبقى خالداً في قلوب كل من عرفها أو مر بتجربتها، هى مسيرة تلهم الكثير.
كاتب المقال الكاتب الصحفى جهاد عبد المنعم نائب رئيس تحرير جريدة الوفد ونائب رئيس تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية