تهامي كرم يكتب : أبناء مصر يستحقون تعليمًا أفضل

على ضفاف النيل، حيث يهمس التاريخ في مسامع الأرض، وحيث لا تزال الرمال تحمل بصمة العظمة التي حفرها الأجداد، نشأ المصري عبر قرون المجد سيدًا للفكر، ورائدًا في معارج الحضارة. لم تكن مصر يومًا هامشًا في كتاب الإنسانية، بل كانت المتن والعنوان، وكانت مدارسها الأولى قبلة للعلماء، ومكتباتها منارات تهتدي بها العقول في عصور الظلام.
فهل يليق بأبناء هذه الأرض المباركة، أن يُحرموا من تعليم يليق بتاريخهم، ويُقصَون عن قطار المستقبل بأيدٍ ترتعش أمام مسؤولية التغيير؟
ليس سرًا أن تعليمنا اليوم يعاني، فالمناهج أثقل من أن تُحتمل، والوسائل أضعف من أن تُقنع، والمعلم ــ هذا الحارس النبيل على أبواب العقول ــ يعاني التهميش، في زمن يجب أن يُحتفى به ويُصغى إليه.
أين هو التعليم الذي يُنبت الفكر، لا فقط يُلقّن المعلومات؟ أين هي الفصول التي تفتح النوافذ على العالم، وتُعلّم الطالب كيف يسأل، كيف يشك، كيف يبحث، لا فقط كيف يكرر؟
لقد غدا التعليم في كثير من مدارسه نسقًا مفرغًا من الحياة، يُقدَّم كواجب ثقيل، لا كفرصة اكتشاف، ولا كمصدر نور.
إن أبناء مصر لا يحتاجون إلى تعليمٍ يُدخلهم سباق الدرجات وحسب، بل يحتاجون إلى تعليم يُدخلهم عالم الحلم، عالم الإبداع، حيث يصبح العقل حُرًا، والقلب شغوفًا، والروح متطلعة إلى ما وراء الجدران الأربع.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط قرارات وزارية أو تعديلات شكلية، بل ثورة فكرية تعيد تعريف التعليم من جديد. نحتاج إلى أن نُعيد للمعلم مكانته في النفوس والضمائر، لا بالشكر الموسمي، بل بالاحترام اليومي والدعم الحقيقي. نحتاج إلى أن تُصبح المدرسة منارة جاذبة لا مكانًا للنفور، وأن تتحوّل المناهج من نصوص صمّاء إلى حياة نابضة بالفهم والتجريب.
وفي ختام القول، لا بد أن نستحضر إرث مصر العظيم، لا كذكرى عابرة، بل كمصدر إلهام دائم. حضارتنا، التي أبهرت العالم قبل آلاف السنين، لم تُبنَ على الحجر وحده، بل على العقل المستنير. بناها من عرف أن المعرفة طوق نجاة، وأن العلم رسالة لا تنطفئ. فكيف لنا أن نكون أبناء تلك الحضارة، ولا نُحسن حمل رسالتها؟
إن الواجب الوطني والأخلاقي يُحتم علينا أن نستمد من حضارة أجدادنا دافعًا لا يهدأ، يدفعنا نحو بناء نظام تعليمي هو الأرقى، والأعلى في المستوى بين دول العالم، كما كانوا هم، حين سبقوا زمانهم، وتقدّموا على أمم كانت تتلمس أولى خطواتها في ظلام الجهل.
فلننهض من جديد... لأن أبناء مصر، أبناء النيل والمجد، لا يستحقون إلا تعليمًا يُشبِه عراقة أجدادهم، ويليق بعظمة وطنهم.