الدكتور سمير غطاس يكتب: مستقبل غزة يُكتب من جديد: تسوية كبرى بعد زيارة ترامب

في خضم دخان الحرب وضجيج التقتيل وخرائط الدمار المتسعة، تأتي زيارة ترامب إلى المنطقة، لا بوصفها محطة عابرة، بل كلحظة فارقة تعيد رسم ملامح الإقليم وتضع غزة عند مفترق طرق مصيري. لم تكن الزيارة تاريخية فقط بحجم التريليونات الممنوحة، بل لأنها حملت بين سطورها ما يشبه "خارطة طريق" جديدة، عنوانها العريض: غزة بلا سلاح... وبوصاية مؤقتة لإعادة البناء والتفاوض.
رغم تعاظم مأساة التقتيل والتجويع، قد نكون في النقطة الأقرب إلى ساعة الحقيقة. قطر، وفي جملة الهدايا فائقة السخاء لترامب، ترفع أخيرًا غطاؤها عن حركة حماس وتمنحها له كهدية إضافية "فوق البيعة". وويتكوف، رجل ترامب، يحسم مراوغات حماس، وينزع – في الوقت ذاته – من يد نتنياهو ذرائع استمرار الحرب.
المفاوضات انتهت، وكل صفقة للحل النهائي يجب أن تتضمن تسليم حماس لسلاحها في غزة؛ هذا السلاح الذي لا يحمي الأرض ولا الشعب، ولا حتى حماس نفسها، يتحول الآن من رصيد إلى عبء وذريعة لمضاعفة الخسائر واستمرار آلة الحرب والتهجير.
حان وقت صياغة دور جديد للوسطاء. المطلوب الآن التقدم فورًا نحو صفقة الحل النهائي: تسليم الرهائن، تسليم السلاح، تأمين ممر آمن لخروج قيادات حماس، انسحاب جيش الاحتلال من كامل قطاع غزة، وتشكيل لجنة فلسطينية من أكاديميين تشارك مع هيئة عربية–دولية في إدارة المرحلة الانتقالية، تمهيدًا للتفاوض مع إدارة ترامب حول مستقبل غزة على قاعدة المبادرة العربية وحل الدولتين.
زيارة ترامب كانت "تاريخية" بحق، لا لأنها فتحت خزائن الخليج فقط، بل لأنها رسمت – ولو بثمن باهظ – حدودًا جديدة لمستقبل المنطقة، وقد لا يكون من المحتم أن نسلم بخسارتنا في هذا المستقبل.
المطلوب الآن أن نعي عمق التحولات وأبعادها، وأن نملك الإرادة والقدرة – التي لا تنقصنا – لتحويل الأزمة إلى فرصة. أو نبقى عالقين في الثقب الأسود للتخلف، نندب حظنا، ونلطم وجوهنا على ماضٍ لن يعود، وأمجاد سلف لا تنقذ حاضرًا ينهار ومستقبلاً يُعاد تشكيله دوننا.