الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : جبالى عندما يضع النقاط على الحروف

في مشهد برلماني وفي لحظة كاشفة من لحظات الأداء البرلماني الراقي الذى يحمل دلالات عميقة على الحكمة والرؤية المستنيرة، ألقى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، بياناً تاريخياً في مستهل الجلسة العامة التي عُقدت اليوم الأحد ١١ مايو، وضع من خلاله النقاط فوق الحروف في ملف قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية، المعروف إعلامياً بـ"الإيجار القديم".
حسناً فعل المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، بإلقاء هذا البيان المُنقذ، بعد أن فاض الكيل وتحولت الساحة السياسية والإعلامية إلى مسرح مفتوح لـ «فُقهاء آخر زمن»، كل من حمل هاتفًا ذكيًا أو ظهر على شاشة، افتى وقال: «من وجهة نظري الدستورية»، وكأننا في مزاد علني لبيع النصوص القانونية على الأرصفة! فجأة اكتشفنا أن عندنا نواب فاهمين في الفقه الدستوري أكتر من قضاة المحكمة الدستورية نفسها، وإعلاميين بيشرحوا الدستور كأنهم واضعيه، ومواطنين بيحللوا بنود الدستور وهم أصلًا مش حافظين جدول الضرب .
لقد أحسن الدكتور جبالي صنعاً، وعبّر عن ضمير الأمة، ولبّى نداء الملايين الذين كانوا ينتظرون كلمة فاصلة تُطمئن القلوب وتُعيد الثقة في عدالة التشريع ورجاحة الموقف،فجاء بيانه متوازناً، عميقاً، دقيقاً في توصيف المشكلة، وإنسانياً في طرح الحل.
المستشار الدكتور حنفي جبالي ليس مجرد رئيس لمجلس النواب، بل هو علامة بارزة في الفقه الدستوري المصري والعربي، وأحد رموز القانون الذين يضعون المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.
اليوم أثبت المستشار الدكتور حنفي جبالي مجدداً أنه قائد تشريعي من طراز رفيع، يُدير دفّة النقاش في القضايا الشائكة بحكمة القاضي وحنكة المشرّع.
البيان الذي ألقاه سيُسجل في صفحات التاريخ البرلماني كنموذج يُحتذى به في كيفية إدارة الملفات الاجتماعية الحساسة، حيث أكد أن مجلس النواب يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين حق الملكية والحق في السكن الملائم، واضعاً نصب عينيه مسؤولياته الدستورية تجاه الوطن والمواطن.
المستشار الدكتور حنفي جبالي أشاد بما قدمته الحكومة من مشروعي قانونين تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية العليا، مؤكدًا أن النقاش لا يزال مفتوحًا، وأن جلسات الاستماع تُعقد بشفافية غير مسبوقة حتى تتبلور رؤية تشريعية متكاملة تضمن السلم المجتمعي وتُحقق العدالة بين جميع الأطراف دون انحياز.
إن هذا التدخل الحكيم من الدكتور جبالي يعكس فهمًا عميقًا لتشابكات هذا الملف الممتد عبر عقود، ويؤسس لمرحلة جديدة من التوافق الوطني حول قضية ظلت محل جدل لسنوات.
حقاً، لقد فعل كل ما كنا نتمناه، وقدم نموذجاً نادراً في القيادة البرلمانية المسؤولة التي تنحاز لصوت العقل وتُعلي من شأن الحوار المجتمعي.
هذا هو الأداء البرلماني الذي كنا ننتظره، وتلك هي اللغة التي تليق بمقام رئيس مجلس النواب، الذي لم يخذل ثقة المصريين، بل جسدها في موقف شجاع وبيان ناصع، سيبقى علامة في ذاكرة المؤسسة التشريعية.
فكل التحية والتقدير للمستشار الدكتور حنفي جبالي، الذي أحسن وأجاد، وعبّر عن ضمير هذا الوطن في أدق ملفاته الاجتماعية وأكثرها حساسية.