الاجتماع التنظيمي الأول لحزب الجبهة الوطنية بفاقوس: ما بين التشكيل الحزبي والرهان على المستقبل
========== رؤية تحليلية قدمها ثروت القرم وكتبها محمد يعقوب ==========
لا يمرّ مشهد سياسي في مصر هذه الأيام إلا ويكشف عن حراك متصاعد لإعادة رسم الخريطة الحزبية، وتثبيت أقدام الكيانات الناشئة أو التي عادت للواجهة بعد سنوات من الغياب، وفي قلب هذا الحراك، جاء الاجتماع التنظيمي الأول لحزب الجبهة الوطنية بأمانة مركز ومدينة فاقوس، ليضع علامات استفهام كبرى حول شكل المنافسة المقبلة على مقاعد مجلس النواب، وحول قدرة الحزب على أن يتحوّل من مجرد هيكل تنظيمي إلى قوة جماهيرية حقيقية.
الاجتماع الذي عُقد بمقر الأمانة، جاء تنفيذًا لتوجيهات الدكتور عثمان شعلان، أمين عام الحزب بمحافظة الشرقية، بضرورة الانتهاء من تشكيل باقي الأمانات النوعية وأعضاء هيئة المكتب، استعدادًا للمرحلة الأهم: تكوين قواعد حزبية على الأرض.
المهندس حازم عبدالرحمن
وقد ترأس الجلسة المهندس حازم عبد الرحمن، أمين الحزب بمركز ومدينة فاقوس، بحضور نخبة من الأمناء والقيادات، كان في مقدمتهم الدكتور خالد عامر، أمين لجنة الصحة بالشرقية، والمهندس أحمد صلاح، أمين التنظيم بفاقوس، إلى جانب حضور نوعي لشخصيات سياسية ومجتمعية بارزة.
لغة مختلفة.. بين التطلعات والممارسة
افتتح المهندس حازم عبد الرحمن الاجتماع بكلمة تحمل أكثر من دلالة؛ إذ ركّز على أن اختيار الأمناء الجدد لا بد أن يقوم على معايير دقيقة، توازن بين الكفاءة الشعبية والرؤية المستقبلية، في إشارة واضحة إلى أن الحزب يسعى لأن يكون معبرًا عن الناس لا مجرد أداة بيروقراطية، حديثه حمل في طياته رسائل سياسية مباشرة:
أن الحزب يريد دمج الشباب والكوادر الجديدة في المشهد، بما يمنحه طاقة تجدد.وأن القامات المجتمعية ذات الشعبية ستكون ركيزة أساسية، وهو ما يعني الرهان على وجوه لها قبول جماهيري قبل أي اعتبار آخر وهذا الخطاب، في ظاهره، ليس جديدًا؛ لكن أهميته تكمن في صدوره عن قيادة تنظيمية في دائرة بحجم فاقوس، تُعرف بأنها واحدة من أكثر دوائر الشرقية سخونةً في كل موسم انتخابي.
التنظيم على الأرض.. تحدي إثبات الوجود
أما المهندس أحمد صلاح، أمين التنظيم، فقد تناول في حديثه الجانب الأكثر عملية: تشكيل الوحدات الحزبية والتحري في اختيار القيادات، كلماته لم تخلُ من نبرة واقعية، فهو أقرّ أن إثبات الحزب على الأرض يتطلب بناءً هرميًا متماسكًا يبدأ من القاعدة وينتهي بالقمة.
ربط الجهد مياشرة بالاستعداد للانتخابات
اللافت هنا أنه ربط هذا الجهد مباشرة بالاستعداد لانتخابات مجلس النواب المقبلة، بما يعني أن الحزب لا يريد الانتظار طويلًا قبل اختبار قوته الحقيقية في الشارع.
تشكيل الوحدات الحزبية
تشكيل الوحدات الحزبية ليس مهمة سهلة، خصوصًا في بيئة سياسية مشبعة بالانتماءات العائلية والقبلية مثل فاقوس، فالسؤال المركزي: هل سيتمكن الحزب من تجاوز الحسابات التقليدية وبناء ولاء حزبي حقيقي، أم سيظل أسير التوازنات الاجتماعية المعتادة؟
ذوو الإعاقة.. حضور نوعي ورسالة سياسية
من أبرز ما ميّز الاجتماع هو مداخلة الدكتور محمد الفقي، أمين ذوي الإعاقة بفاقوس، الذي دعا إلى عقد ندوة توعية وورش عمل بعد حصر الأعضاء، لضمان دمج هذه الفئة في الحياة السياسية.
هذه الدعوة تحمل بعدين في غاية الأهمية:
البعد المجتمعي: إذ تضع الحزب في صورة الكيان الحريص على تمثيل المهمشين.والبعد السياسي: حيث تفتح للحزب نافذة للتواصل مع شريحة انتخابية مؤثرة قد تحسم النتائج يومًا ما.وكذا التواصل السياسي والجماهيري.. بين النظرية والممارسة لم تخلُ الجلسة من نقاشات حول التواصل السياسي والتواصل الجماهيري، وهما وجهان لعملة واحدة.
المستشار طلعت عشماوى
المستشار طلعت عشماوي، أمين التواصل السياسي، أكد على أهمية التشكيل السليم للقيادات وأصحاب الرؤى الواضحة القادرين على التوعية والتواجد المجتمعي، بينما ركّز الأستاذ عبد الفتاح محسن، أمين التواصل الجماهيري، على آليات الحشد والتوعية والعمل الجماعي.
هذا التقسيم بين السياسي والجماهيري يُثير تساؤلًا: هل الحزب بصدد خلق نموذج جديد يوازن بين النخبة والجماهير، أم أننا سنكون أمام ازدواجية قد تُربك العمل الميداني لاحقًا؟
البعد القانوني والتوثيق
الاجتماع لم يُغفل البعد الإجرائي؛ فقد حرّر الأستاذ سعد إبراهيم، أمين الشئون الدستورية والتشريعية، بيانًا بأسماء الحضور وتفاصيل الاجتماع، ليكون جزءًا من أرشيف الأمانة، قد يبدو هذا تفصيلًا بيروقراطيًا، لكنه يعكس وعيًا بأن الحزب يريد أن يُرسّخ تقاليد عمل مؤسسي لا يعتمد على الذاكرة الشفوية وحدها.
قراءة تحليلية:ماذا يعني اجتماع فاقوس؟
من منظور مراقبة الحياة الحزبية، يمكن القول إن هذا الاجتماع يمثل بروفة مصغرة للمشهد الانتخابي القادم، فالتنظيم الذي يبدأ من فاقوس، إذا نجح في فرض نفسه، يمكن أن يتحول إلى نموذج يُحتذى به في باقي مراكز الشرقية.
لكن التحديات لا تقل عن الطموحات:
كيف سيواجه الحزب التشكيك الشعبي الذي اعتاد أن ينظر للأحزاب باعتبارها "هياكل ورقية"؟هل يملك الحزب القدرة المالية واللوجستية لدعم قواعده الجديدة؟ والأهم: هل سينجح في خلق خطاب سياسي مختلف يتجاوز الشعارات المعتادة، ويضع حلولًا عملية لمشكلات التعليم، والصحة، والزراعة، التي تشكّل عماد الحياة اليومية لأهالي فاقوس؟
خاتمة: بين الرهان والاختبار
الاجتماع التنظيمي الأول لحزب الجبهة الوطنية بفاقوس لم يكن مجرد جلسة إجرائية لتسكين الأمانات، بل كان بمثابة إعلان دخول الحزب إلى ساحة الاختبار الحقيقي، فإما أن ينجح في تحويل ما دار من نقاشات إلى خطوات ملموسة تترجم إلى ثقة الناس، أو أن ينضم إلى قائمة الكيانات التي برزت في لحظة ثم تلاشت في صمت.
الرهان الاكبر
في النهاية، يبقى الرهان الأكبر على ما إذا كان الحزب سيستطيع أن يقدّم للناخب الفاقوسي سببًا مقنعًا للإيمان به، وسط زحام من الوعود والأسماء والشعارات، وهنا فقط ستُعرف حقيقة ما إذا كان هذا الاجتماع هو مجرد بداية إجرائية أم شرارة انطلاقة سياسية.
