”ناسا” تخصص 5% من حمولتها السنوية من محطة الفضاء للأنشطة التجارية.. أقمار صناعية تعرض الإعلانات في الفضاء

البحث عن تحقيق أعلى ربحية وأفضل مستوى من بيع السلع، فضلا عن الحصول على رضا العميل، كلها أهداف يضعها المعلنون نصب أعينهم، لذا يحرصون دائما على إيجاد كل جديد وغريب، ويحقق أعلى مستوى من الرؤية ويصل لأكبر عدد من الجمهور، فلم يكن غريبا أن تزيد معدلات الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعى، لتصل إلى مستويات رهيبة مقارنة بما يعرض على الوسائل الإعلامية الأخرى، وذلك تنفيذا لمبدأ الوصول لأكبر عدد ممكن من المشاهدة.

وانطلاقا من هذه النظرية التجارية الاستثمارية البحتة، بدأت حاليا وعلى استحياء المفاوضات حول الشروع فى استغلال الفضاء للترويج والإعلان، صحيح أنه وبحسب معاهدة الأمم المتحدة لعام 1967 والتى ينص أحد بنودها على أن الفضاء ملكية مشاعة، ولا توجد سلطة لأى دولة كانت فى الفضاء، ولا يحق لأى دولة أن تضع يدها وتعلن ملكيتها لأى كوكب، لكنها التجارة والاستثمار ولغة المال التى دائما ما تحكم فى النهاية، وعليه يستعد قمر صناعى متخصص فى الإعلانات، للانطلاق قريبًا على متن صاروخ "سبيس إكس" لعرض الإعلانات فى الفضاء، والذى ترجع قصته إلى حيلة من رئيس شركة كندية، نجحت فى التعاون مع سبيس إكس المملوكة للملياردير الأمريكى إيلون ماسك، من أجل إطلاق أقمار صناعية متخصصة فى عرض الإعلانات فى الفضاء والتى تعد الأولى من نوعها. حيث سيحمل القمر الصناعى على أحد جانبيه شاشة مخصصة لعرض الإعلانات فى الفضاء ليشاهدها أهل كوكب الأرض، من خلال تقنية البث المباشر عبر القنوات الرسمية للشركة الكندية، على موقعى يوتيوب وموقع Twitch. والقمر سوف ترسله شركة الطاقة الهندسية الكندية الناشئة عبر صاروخ فالكون، مع جانب واحد يتميز بشاشة عرض بكسل تعرض الإعلانات. ويكون لدى الشركة بعد ذلك عصا سيلفى تخرج من القمر الصناعى للتصوير وإعادة إرسال الصورة إلى الأرض.
من جهته أعلن صامويل ريد، الرئيس التنفيذى لشركة الطاقة الهندسية الكندية: أن القمر الصناعى المتخصص فى الإعلانات سينطلق قريبا، ومن المتوقع أن يحدث الأمر فى العام المقبل 2022.
ولم تذكر شركة GEC بعد تكلفة شراء الرموز المطلوبة للإعلان على لوحة الإعلانات المدارية أو تكلفة إطلاق القمر الصناعى، كما لم يتم الكشف عن تفاصيل التصميم، ولكن يعتقد أن الشاشة ستبدو عبارة عن رسم بالبيكسل، وسيدفعون مقابل العرض على موقع الويب.

شروط إعلان الفضاء
وضعت الشركة نظامًا محددًا لرفع الإعلانات على قمرها الصناعى الجديد، وعلى الراغبين فى عرض إعلاناتهم أن يحصلوا على 5 أنواع من العملات المشفرة لتحديد طريقة عرض الإعلان على الشاشة الفضائية . ومن المقرر أن يشترى المعلنون خمسة أنواع من الرموز المميزة، باستخدام مدفوعات العملة المشفرة مثل Etherium من أجل وضع إعلان، مع مدفوعات Doge.
وحددت الشركة الرموز الخمسة، لوضع الإعلان على لوحة الإعلانات هي: Beta لإحداثيات X وRho لإحداثيات Y وGAMMA للسطوع وKappa للون وXI للوقت.ويتحكم كل رمز مميز يشتريه المعلن فى جانب مختلف من العرض. كما تتحكم رموز Gamma وKappa فى الشكل الذى يبدو عليه البيكسل ويحدد XI المدة التى يستمر فيها العرض عبر الشاشة – وكلما زاد سعره، زادت مدته.
فكرة إعلان الفضاء لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقها العديد من التجارب الدولية ففى عام 2019 أعلنت شركة روسية عن نيتها إطلاق لوحة إعلانية فى سماء الأرض، لتعرض عبرها إعلانات على شكل شعارات للشركات مثل كوكاكولا وماكدونالدز.
وكان من المقرر أن تتكون اللوحة من مجموعة من الأقمار الصناعية، تستقر على ارتفاع 450 كيلومترا تترتب على شكل شاشة عرضية، ومن المرجح أنها تعرض ما بين 3 إلى 4 رسائل وشعارات إعلانية يوميا حول العالم، لكن المشروع قوبل فى بدايته بالعديد من وسائل النقد فعزفت الشركة عن استكماله.

وقد قامت شركة يابانية بالإعلان عن نيتها فى بناء شاشة عرض أو لوحة إعلانات مدمجة بالعربات الفضائية، التى ستهبط على القمر وعرض إعلان الشركة على هذه اللوحة، حيث يتم تصويره وإرساله إلى الأرض، التى اتخذت منها والفضاء خلفية للإعلان.

بالون عملاق
دفعت فكرة البالون العملاق الولايات المتحدة الأمريكية، إلى استصدار قانون يمنع أن يتم الإعلان فى الفضاء بأى شكل من الأشكال، وتحريم استصدار أى رخص تتيح للشركات أن تعلن فى الفضاء. حيث سعت شركة سباس ماركتنج إلى إطلاق بالون إعلانى يحلق على ارتفاع يسمح لكل سكان العالم بمشاهدته، وكان من المخطط أن يستمر هذا البالون فى الدوران لمدة 15 يوما قبل أن يهبط للأرض، لكن بسبب المخاطر التى حذر منها العلماء، والمشاكل البيئية التى كان سيتسبب بها، وتأثيره فى إحداث تشويش سلبى على الأقمار الصناعية توقفت الشركة عن استكمال المشروع.

مستحضرات التجميل
من جهة أخرى وفى إطار استغلال الفضاء إعلانيا وتجاريا تتعاون شركة أمريكية لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والشعر، مع وكالة ناسا لتصوير أول إعلان تجارى لها على متن محطة الفضاء الدولية.وفقا لما ذكرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية، من المتوقع أن يصور رواد فضاء ناسا زجاجة المستحضر الخاص بالشركة فى بيئة الجاذبية الصغرى بالمحطة، حيث تستخدم شركة المستحضرات لقطات فى الحملات الإعلانية الخاصة بها ويصل المنتج للفضاء، على متن مركبة فضائية، بالإضافة إلى 8000 رطل من البضائع.
وأكد ستيفان دى لا فافيري، رئيس شركة المستحضرات، هذه الخطة خلال جلسة عبر الإنترنت، فى قمة افتراضية للمعهد الأمريكى للملاحة الجوية والفضاء. وقال : «أنا مجازف، وهذا يميل بشكل أساسى إلى تقديم أفكار قليلة كما تعلمون.. خارج الطرق العادية والتقليدية للقيام بالتسويق» مضيفا «نحن ندفع باستمرار حدود كيفية عرض منتجاتنا».

ناسا والاقتصاد التجارى
من المقرر أن تشترك وكالة ناسا مع الصناعة لتحقيق هذا الاقتصاد التجارى وتخصص الآن 5 % من حمولتها السنوية من محطة الفضاء الدولية للأنشطة التجارية، حيث أعلنت شركة تليفزيونية عن خطط لإرسال الفائز فى مسابقة تليفزيون الواقع إلى المحطة فى عام 2023. كما وقعت ناسا اتفاقية مع شركة عالمية للأحذية الرياضية للتعاون، الذى يمكن أن يشمل تجربة رواد الفضاء للملابس والأحذية على متن محطة الفضاء الدولية.وتجرى مفاوضات مع الممثل الأمريكى توم كروز لتصوير فيلم فى المحطة، بالتأكيد لن تنتهى سلسلة محاولة الاستفادة من الفضاء تجاريا لكن الأمر متروك للمستقبل.

الدراسات المستقبلية
من جهته أكد الدكتور عبد الرحيم درويش أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة بنى سويف، أن ملف الإعلام بالفضاء يخضع بشكل كلى إلى دراسات المستقبل، وهى فكرة جديدة على الساحة الإعلامية، لكنه يخضع إلى قانون، أن أى شىء جديد هناك تخوف منه، كما أنها تجربة حديثة ستأخذ وقتها لتصل إلى الناس حتى يتم استيعابها، هذا فضلا عن وجود العديد من المخاوف التى تحيط بهذه الظاهرة الحديثة، لا سيما أن ملف الإعلام فى الفضاء أمامه وقت كبير حتى يدخل حيز التنفيذ، كما يحتاج أيضا إلى الوقت الكافى للتقييم والدراسة.
وأضاف أننا عندما نقوم بدراسة أبعاد هذه الظاهرة، يجب أن نفكر فى التكلفة، أى مشروع يخضع لفكرة الإنفاق والعائد منه، ونحن حتى الآن لا نعلم حجم التكلفة، هذا فضلا عما يسمح الإعلان عنه عبر الفضاء، لأن القوانين تختلف فهل كل شىء يمكن الإعلان عنه أم هناك محظورات وخصوصية ثقافية فى عرض السلعة ونوعها لاسيما أن هناك اختلافا بين الشرق والغرب؟ بالتأكيد إعلان الفضاء سيتجاوز ذلك ومخاطر انتهاك الخصوصية الثقافية تحتاج إلى المزيد من الدراسات والقوانين، التى تحكم هذه الظاهرة الجديدة فى بدايتها، وتحول دون انتهاك الأعراف والقيم والتقاليد والقوانين الدولية .
وأوضح أنه وارد أن يكون هناك انتهاك للخصوصية لكن عندما يغلف ذلك بالقوانين التى تحكمه بالتأكيد سيتغير الوضع كثيرا، ويكون هناك بعض الحقوق المحافظ عليها، لاسيما أن الفضاء وحمايته من الانتهاكات خاضع لاتفاقيات عالمية .
وذكر أنه إذا كانت هناك بعض التأثيرات السلبية، فهناك جوانب إيجابية يمكن الحديث عنها، منها انتقاء الموضوعات المهمة التى يساعد إعلان الفضاء على نشرها والترويج لها هذا، فضلا عن الدعاية الإيجابية وبرامج التوعية وغيرها.

مشروع حديث

من جانبه يرى الدكتور على إسماعيل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن الأمر فى البداية يحتاج إلى دراسة تجارية حول مدى إمكانية نجاح المشروع، لاسيما أنه من المشروعات الحديثة فى مجال الإعلان، عقب ذلك يعرض الأمر على المسئولين لتحديد أى الموضوعات قابلة للترويج والإعلان بهذه الطريقة الحديثة، حتى لا يكون هناك أى مجال لانتهاك الخصوصية.
وأضاف أنه بشكل عام بالتأكيد ستحقق شركات الإعلان مكاسب طائلة عبر الترويج للسلع خلال هذه الطريقة الإعلانية الحديثة، مثلما حدث مع كل جديد لكنه بالتأكيد يحتاج إلى الوقت، ليصل إلى المستوى الاقتصادى المتوقع له والمنتظر منه .

الأكثر انتشارا

حليم زين مدير شركة إنتاج الإعلانات بالإمارات العربية المتحدة وصف الفكرة بأنها عظيمة وجديدة على الساحة وبالتأكيد سيتهافت عليها المعلنون لأنها ستكون الأكثر والأوسع انتشارا، لكن مشكلتها تكمن فى تكلفتها العالية والتى من المقرر أن تتجاوز المليون دولار للإعلان الواحد أو أكثر، التى بالتأكيد ستؤثر على سعر السلعة المعلن عنها.

وذكر أنه حتى الآن لم تتلق شركات الإعلان أى إشعارات عن هذا النوع من الإعلانات، لكن الموضوع يحتاج إلى الوقت لأن الفضاء تحكمه العديد من القوانين الدولية التى تحول دون استغلاله بشكل يسيء إلى دول العالم، وعليه بالتأكيد إعلان الفضاء سيختلف فى كون القوانين التى ستحكمه ستخضع لمعايير ومقاييس دولية، لكن بشكل عام والكلام يعود إليه هو عالم إعلانى جديد ومختلف ومتميز، سيغير خريطة الإعلان العالمية من حيث الوسيلة والطريقة وأسلوب العرض وحتى المتلقى نفسه.