بوابة الدولة
السبت 20 ديسمبر 2025 07:36 مـ 29 جمادى آخر 1447 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

بعد خمسين عامًا على الرحيل بين الكاميرا والقلم

المستشار محمد سليم يكتب : أم كلثوم كما رآها الأدباء وسمعتها الأجيال

المستشار محمد سليم
المستشار محمد سليم

لم تكن أم كلثوم صفحة في كتاب ولا فصلًا في تاريخ الغناء ولا سيرة ذاتية تُروى ثم تُغلق، كانت حالة كاملة، زمنًا خاصًا، نبضًا جمع بين الصوت والوجدان، بين الفن والحياة، بين القوة والهشاشة، وكلما ظننا أننا عرفناها اكتشفنا أننا لم نقترب إلا خطوة واحدة من بحر بلا شاطئ.
واليوم، ونحن نشاهد فيلم “الست” عن السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، لا نكتفي بالمشاهدة، بل نجد أنفسنا في مواجهة سؤال قديم جديد، من كانت أم كلثوم حقًا، ماذا كانت، ولماذا بقيت، وكيف استطاعت أن تتحول من فتاة ريفية خرجت من قرية في الدقهلية، إلى صوتٍ صار جزءًا من الذاكرة العربية، بل من الوعي الجمعي، ومن تعريفنا لأنفسنا
فيلم “الست” لا يُقدّم إجابة جاهزة، ولا يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، لكنه يفتح الجرح الجميل، جرح الأسئلة، ويحرّك المياه الراكدة حول شخصية تعوّدنا أن نضعها في إطار القداسة، دون أن نقترب من إنسانيتها، دون أن نسأل عن الثمن، دون أن نرى ما وراء الستار
وهنا، بعد خمسين عامًا على رحيلها، لا نكتب من موقع الدفاع الأعمى، ولا من زاوية الهجوم السهل، بل نعود إلى ما قاله الكبار، الأدباء، الشعراء، الصحفيون، الذين عاشوا زمنها، وراقبوها عن قرب، وكتبوا عنها بصدق، بعضهم أحبها حد الذوبان، وبعضهم انبهر بها حد الصمت، وبعضهم اختلف معها دون أن ينكر عظمتها
أنيس منصور، الذي امتلك قدرة نادرة على التقاط الجوهر في جملة واحدة، لم يرَ في أم كلثوم مجرد صوت استثنائي، بل رأى زمنًا كاملًا يتشكل حولها، حين قال إنها السيدة التي أخّرت ظهور الشمس في أول كل شهر، لم يكن يبالغ، بل كان يصف طقسًا اجتماعيًا، طقسًا مصريًا عربيًا، ليلة الخميس التي تتوقف فيها الشوارع، وتغلق المحلات، وتذوب الفوارق بين الطبقات، ويجلس الجميع في حضرة صوت واحد، كأنهم في صلاة جماعية بلا إمام سوى “الست”
نجيب محفوظ، الذي فكك المجتمع المصري في رواياته، لم يدخل في تحليل تقني لصوتها، ولم يناقش المقامات ولا الأداء، بل قال ببساطة وعمق، أم كلثوم دي نعمة الدنيا، وكأن وجودها في حد ذاته كان نعمة عامة، تُخفف عن الناس ثقل الأيام، وتمنحهم لحظة جمال نادرة في عالم قاسٍ
علي أمين، الصحفي الذي عرف البشر أكثر مما عرف العناوين، اقترب منها من زاوية مختلفة، رأى الشخصية قبل الصوت، والانضباط قبل الطرب، والصرامة قبل الارتجال، حين قال إن الملايين تحب صوت أم كلثوم، لكنه يحب شخصيتها أكثر، كان يشير إلى المرأة التي أدارت نفسها كدولة، عرفت متى تظهر، ومتى تختفي، ومتى تتكلم، ومتى تصمت، وكيف تحمي صورتها في زمن لم يكن يرحم النساء الناجحات
أما صالح جودت، فاختصر العلاقة بين المثقف والطرب في اعتراف صادق، أنا مريض بأم كلثوم لا أسمع غيرها، مرض جميل، لا يُطلب له علاج، لأن بعض الأصوات حين تدخل الروح لا تخرج منها أبدًا
ومن هنا، لا يمكن الحديث عن أم كلثوم دون التوقف أمام نشأتها الأولى، تلك الفتاة الريفية التي خرجت من قرية طماي الزهايرة، تخفي أنوثتها تحت العقال والجلباب، بإرادة أبٍ أراد أن يحمي ابنته من مجتمع قاسٍ، تعلمت التواشيح والإنشاد، وشق صوتها طريقه بين القرى، حتى وصلت القاهرة، المدينة التي لا تمنح مجدها بسهولة، ولا تغفر الأخطاء.
في القاهرة، واجهت أم كلثوم صراعات قاسية، منافسات شرسات، هجومًا صحفيًا، محاولات تشويه، لكنها اختارت طريقًا مختلفًا، طريق الاحترام، وابتعدت تمامًا عن الأغاني المبتذلة التي كانت سائدة في مسارح وصالات عماد الدين في العشرينيات، وراهنت على الجودة، وعلى الزمن، وعلى بناء مشروع لا مجرد شهرة
أدركت مبكرًا أن الصوت وحده لا يكفي، وأن البقاء في القمة يحتاج إلى ثقافة، فقرّبت منها كبار المفكرين والأدباء، العقاد، طه حسين، هيكل، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، وغيرهم، لم تكن تستمع فقط، بل كانت تتعلم، وتعيد تشكيل نفسها، وتطوّر ذائقتها، وتبني شخصية فنية تعرف ماذا تريد.
وفي قلب هذه الرحلة الطويلة، يقف أحمد رامي، لا كشاعر فقط، بل كحكاية موازية، كتب لها أكثر من ثلث أغنياتها، كتب بلا مقابل، كتب بحب صامت، حب لا يطالب، ولا يساوم، ولا يضغط، كتب لأنه كان يرى فيها ملهمته، وكان يؤمن أن صوته الشعري لا يكتمل إلا حين يمر عبر حنجرتها
تساءل رجاء النقاش، وهو من أكثر من تأملوا لغز أم كلثوم، هل يمكن أن تخرج هذه الأغاني من قلب لا يحب، وهل يمكن أن تغنيها أم كلثوم بكل هذا الذوبان الروحي وهي لا تعرف الحب، وكانت الإجابة أبعد من التعريفات التقليدية، الحب كان موجودًا، لكنه لم يكن حب الامتلاك، بل حب الإلهام، حب الفكرة، حب الصوت، حب الحالة.
وفيلم “الست” حين يقترب من هذه العلاقة، لا يهدم الأسطورة، بل يعيدها إلى حجمها الإنساني، لأن الأساطير الحقيقية لا تخاف من الضوء، بل تخاف من التجميد، من تحويلها إلى تمثال بلا ملامح، بلا ضعف، بلا صراع
أم كلثوم لم تكن ملاكًا، ولم تدّعِ، كانت امرأة قوية، صارمة، تعرف ماذا تريد، وتعرف كيف تحافظ على موقعها، وربما كانت هذه الصرامة هي الثمن الذي دفعته للبقاء في قمة لا ترحم، قمة لا تسمح بالهشاشة، ولا بالغفلة
وحين جاءت نكسة 1967، لم تختبئ أم كلثوم خلف مجدها، ولم تعتزل، بل وقفت على المسرح بعمر السبعين، تغني بالساعات، وتجمع الملايين، وتحوّل الفن إلى فعل وطني، جمعت الذهب، وقدمت الحفلات، وسافرت، ووحّدت الأمة العربية حول هدف واحد، أن تقف مصر من جديد
كتب الباحث الموسيقي كريم جمال في توثيقه الدقيق لسنوات المجهود الحربي، أن أم كلثوم لم تكن تؤدي دورًا دعائيًا، بل كانت مواطنة مصرية تشعر بالمسؤولية، وتعرف أن صوتها يمكن أن يكون سلاحًا، وأن الأغنية يمكن أن تكون جسرًا للتماسك في لحظة الانكسار
وهنا تتجلى المفارقة الكبرى، كيف غنّت للحب في زمن الهزيمة، وكيف تحولت الأغنية العاطفية إلى طاقة أمل، وكيف استطاعت أن تحقق معادلة أفلاطون القديمة، أعطني جيشًا من العشاق أغزو لك العالم، فغزت القلوب، وانتصر الوطن
بعد خمسين عامًا، ومع فيلم يعيد فتح الملفات، نكتشف أن أم كلثوم لم تنتهِ، لأنها ببساطة لم تكن زمنًا مضى، بل حالة مستمرة، كل جيل يعيد اكتشافها بطريقته، كل عصر يعيد تأويلها، وكل محاولة لفهمها تفتح أسئلة جديدة
نكتب اليوم، لا لنغلق النقاش، بل لنفتحه، لا لنضع حكمًا، بل لنستدعي الشهادات، شهادات الكبار، الذين رأوا فيها أكثر من مطربة، رأوا زمنًا، ومشروعًا، وضميرًا، وصوتًا، لا يزال، بعد خمسين عامًا، يؤخر ظهور الشمس
خاتمة
وفي النهاية، لا يغلق فيلم “الست” الحكاية، بل يعيد فتحها، كأن الكاميرا هنا لم تأتِ لتقول الكلمة الأخيرة، بل لتذكّرنا أن أم كلثوم لم تكن صوتًا فقط، ولا صورة محفوظة في الأبيض والأسود، بل سؤالًا مفتوحًا، كل جيل يقرأه بطريقته، وكل زمن يكتشف فيه معنى جديدًا
الأدباء الذين كتبوا عنها لم يكتبوا لأنهم أرادوا أن يضيفوا اسمًا إلى سجل المجد، بل لأنهم وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة لا تُفهم بالسمع وحده، ظاهرة تحتاج إلى قلم، إلى فكر، إلى تأمل طويل، لذلك قال عنها نجيب محفوظ ما قال، وكتب أنيس منصور ما كتب، واعترف صالح جودت بمرضه الجميل، ورأى علي أمين في شخصيتها ما هو أبقى من الصوت
فيلم “الست” يضعنا أمام الحقيقة كاملة، بما لها وما عليها، دون رتوش، ودون خوف، لأن العظمة الحقيقية لا تخشى الاقتراب، ولا ترتبك أمام السؤال، بل تزداد وضوحًا كلما أضيئت الزوايا المعتمة
أم كلثوم لم تكن قديسة، ولم تدّعِ، كانت امرأة من لحم ودم، عرفت الصعود، ودفعت ثمن القمة، واحتملت الوحدة، وحملت على كتفيها ما لم يُطلب منها، وغنّت حين كان الغناء أصعب من الصمت، وصمتت حين كان الصمت أبلغ من الكلام
وبين الكاميرا التي أعادت رسم الملامح، والقلم الذي حفظ الجوهر، تقف أم كلثوم كما هي، لا كما نريدها، ولا كما نخاف منها، بل كما كانت، صوتًا عبر الزمن، وشخصية صنعت تاريخًا، وتجربة إنسانية لا تنتهي بانتهاء العرض، ولا تُختصر في مشهد، ولا تُغلق عند كلمة النهاية
بعد خمسين عامًا، لا تزال “الست” حاضرة، لأن الفن الحقيقي لا يموت، ولأن الصوت الذي خرج من القلب، لا يسكن الأرشيف، بل يعيش في الوجدان، يؤخر ظهور الشمس، ويعلّم الزمن كيف يصغي.

كاتب المقال المستشار محمد سليم عضو المحكمة العربية لفض المنازعات بين الدول العربية وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى18 ديسمبر 2025

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 47.5329 47.6329
يورو 55.6990 55.8209
جنيه إسترلينى 63.5942 63.7518
فرنك سويسرى 59.7372 59.9005
100 ين يابانى 30.5109 30.5849
ريال سعودى 12.6731 12.7004
دينار كويتى 154.7445 155.1205
درهم اماراتى 12.9408 12.9694
اليوان الصينى 6.7505 6.7649

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار سعر البيع سعر الشراء بالدولار الأمريكي
سعر ذهب 24 6610 جنيه 6590 جنيه $139.49
سعر ذهب 22 6060 جنيه 6040 جنيه $127.86
سعر ذهب 21 5785 جنيه 5765 جنيه $122.05
سعر ذهب 18 4960 جنيه 4940 جنيه $104.62
سعر ذهب 14 3855 جنيه 3845 جنيه $81.37
سعر ذهب 12 3305 جنيه 3295 جنيه $69.74
سعر الأونصة 205640 جنيه 204930 جنيه $4338.58
الجنيه الذهب 46280 جنيه 46120 جنيه $976.42
الأونصة بالدولار 4338.58 دولار
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى