نثرت العدس وأخفت الجثة.. كيف فضح تقليد شعبى قاتلة طفلة فى سوهاج؟

لم تكن جريمة قتل الطفلة ذات الإعاقة في إحدى قرى محافظة سوهاج سوى واحدة من الجرائم الصادمة التي مرّ عليها الزمن، لكنها ما زالت حاضرة في ذاكرة رجال البحث الجنائي، باعتبارها نموذجًا لجرائم تُرتكب بدم بارد، ويُحاول مرتكبوها دفنها تحت الأرض، لكن الحقيقة لا تموت، كما يقول اللواء خالد الشاذلي، مدير مباحث سوهاج الأسبق، الذي كشف تفاصيل الواقعة الغريبة بعد سنوات من وقوعها.
في بداية القضية، تلقى رجال الشرطة بلاغًا من أسرة تقيم في إحدى قرى سوهاج، يفيد باختفاء طفلتهم من ذوي الإعاقة في ظروف غامضة.
بدأت فرق البحث في تتبع مسارات الطفلة المفقودة، وجرى تمشيط المنطقة بالكامل، وسؤال الجيران والمعارف، دون التوصل إلى أي خيط يقود لكشف لغز اختفائها.
الفرضيات كانت مفتوحة، لكن الأدلة غائبة، والقلق يزداد مع مرور الوقت.
رغم جهود رجال الأمن، لم يكن هناك ما يدل على تعرض الطفلة لأي أذى في البداية، خاصة أن العائلة والجيران شاركوا في عمليات البحث بشكل واسع.
رجال المباحث بدأوا في تفتيش عدد من المنازل المجاورة، آملين في العثور على أي مؤشر أو دليل، إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل.
لكن ما لم يتوقعه أحد أن يكون مفتاح حل اللغز مدفونًا حرفيًا تحت الأرض، في مكان لتربية المواشي ملحق بمنزل عم الطفلة.
أثناء تفقد رجال المباحث للمنطقة، لاحظ اللواء خالد الشاذلي، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن سوهاج، أمرًا غريبًا.
كانت هناك كميات كبيرة من العدس منثورة على الأرض بشكل لافت للنظر.
في البداية، لم يكن الأمر مثيرًا للشبهات من الناحية الأمنية، لكن خبرته الطويلة ومعرفته بعادات وتقاليد أهل الصعيد قادته إلى ما يمكن اعتباره “الطرف الأول من الخيط”.
في هذه المنطقة، تنتشر بين الأهالي روايات شعبية تقول إن من يدفن جثة في الأرض ثم ينثر العدس فوقها يمنع ظهور “العفاريت” أو أي مؤشرات تدل على وجود جثة، ما قد يساعد على إخفاء آثار الجريمة، هذه المعلومة، التي قد تبدو للبعض خرافة، اعتبرها الشاذلي دلالة محتملة لا يمكن تجاهلها.
بناءً على حدسه وتحليله للواقع، أمر بحفر الأرض الموجودة أسفل العدس داخل حظيرة المواشي، وكانت المفاجأة الصادمة، فقد تم العثور على جثة الطفلة المفقودة مدفونة في ذات المكان، ما أكد أن الجريمة وقعت بالفعل، وأنها لم تكن مجرد واقعة اختفاء عارضة.
سرعان ما تم تضييق دائرة الاشتباه، وبعد إجراء التحريات، تبين أن مرتكبة الجريمة هي زوجة عم الطفلة، التي كانت تشارك أسرتها في البحث عنها وتذرف الدموع كأنها واحدة من الضحايا، بينما كانت في الحقيقة تخفي سرًا مظلمًا.
القاتلة اعترفت بارتكاب الجريمة بدافع السرقة، إذ استدرجت الطفلة إلى الحظيرة بهدف الاستيلاء على قرط ذهبي كانت ترتديه.
وبعد تنفيذ جريمتها، دفنت الجثة في ذات المكان، ونثرت فوقها العدس، في محاولة لطمس معالم الجريمة.
اللواء خالد الشاذلي، الذي تابع الواقعة منذ لحظاتها الأولى وحتى الكشف عن مرتكبتها، صرح إن هذه القضية تظل مثالًا حيًا على أن "الجريمة الكاملة لا وجود لها"، مهما حاول الجناة إخفاء آثارهم.
وأكد أن الحس الأمني، والخبرة الميدانية، وفهم طبيعة البيئة التي وقعت فيها الجريمة، كانت عناصر حاسمة في الوصول إلى الحقيقة.
وأضاف الشاذلي أن المجرمة كانت تحاول التظاهر بالبراءة، لكنها لم تستطع الهروب إلى الأبد من حقيقة جريمتها، التي أُزيح عنها الستار بعد جهد مكثف وتحليل دقيق لأبسط التفاصيل.
وأشار إلى أن ما بدا للبعض أمرًا تافهًا أو غير منطقي، مثل وجود العدس على الأرض، كان في النهاية الدليل الحاسم الذي أعاد الحق لأصحابه وكشف عن بشاعة الجريمة.
ورغم مرور سنوات على تلك الواقعة، فإنها لا تزال ماثلة في ذاكرة كل من شارك في التحقيقات، كدليل على أن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تغيب.
وتعد هذه الجريمة من أرشيف الحوادث الذي يؤكد أن العدالة تلاحق كل من يخرج عن القانون مهما تمتع بالدهاء.