الكاتب الصحفى محمود شاكر يكتب : في وداع العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم

رحل عن عالمنا اليوم أحد أعلام الأزهر الشريف، وركن من أركان العلم والدعوة، الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، بعد عمرٍ زاخرٍ بالعطاء، ومسيرةٍ ممتدةٍ في خدمة الإسلام، والدفاع عن السنة النبوية، وتعليم الأجيال وتوجيههم إلى سواء السبيل.
وُلد الفقيد في عام 1941م بقرية بني عامر التابعة لمحافظة الشرقية، حيث نشأ في بيئةٍ محبة للعلم والقرآن. التحق بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، وتخرّج فيها عام 1961م، ثم واصل مسيرته العلمية بنبوغٍ لافت، حتى حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه، وهو المجال الذي أوقف عليه حياته، وتفرغ له علمًا وتعليمًا وتأليفًا.
كرّس الدكتور أحمد عمر هاشم علمه وجهده لتدريس الحديث وعلومه في جامعة الأزهر، فأشرف على عشرات الرسائل، وتخرّج على يديه نخبة من العلماء والدعاة، وتولى عددًا من المناصب الأكاديمية الرفيعة، حتى بلغ منصب رئيس جامعة الأزهر عام 1995م، فكان نموذجًا يُحتذى في الإدارة المتزنة، والعطاء المخلص، والرؤية المتكاملة لتطوير المؤسسة الأزهرية بما لا يُخلّ بجوهرها ولا رسالتها.
وعلى المستوى الدعوي، كان الدكتور أحمد عمر هاشم أحد أبرز خطباء الأزهر الشريف، ووجهًا مألوفًا في البرامج الدينية على شاشة التلفزيون المصري، يتميز بأسلوبه البليغ، ونبرته الصادقة، وحضوره المؤثر الذي يجمع بين عمق العلم وبساطة الطرح، فدخل قلوب الناس، ولامس وجدانهم، وأحيا فيهم معاني الرحمة واليقين، والتعلّق بالقرآن والسنّة.
كما كان عضوًا في هيئة كبار العلماء، وعضوًا في مجمع البحوث الإسلامية، وله مشاركات فعّالة في العديد من اللجان العلمية والدعوية، ولم يبخل بعلمه يومًا، بل ظل يعطي حتى آخر رمق.
ألف الدكتور هاشم عشرات الكتب في علوم الحديث، والدعوة، والفكر الإسلامي، تميّزت بالتأصيل والوضوح، ومن أشهر مؤلفاته: "السنة النبوية بين الرواية والدراية"، "مصطلحات الحديث وعلومه"، "ومضات من سيرة المصطفى ﷺ"، "في رحاب السنة"، وغيرها مما صار مرجعًا للباحثين والدعاة وطلاب العلم في أنحاء العالم الإسلامي.
وتقديرًا لمكانته العلمية والدعوية، نال عددًا من الجوائز، أبرزها جائزة "شخصية العام الإسلامية" من جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 2023م، اعترافًا بمكانته المرموقة، وإسهاماته الكبيرة في خدمة دين الله، ونشر المنهج الوسطي، والدفاع عن ثوابت الأمة.
ولم يكن الفقيد مجرد عالم وأستاذ، بل كان مثالًا للخلق والتواضع، وهيبة العلم، وصفاء النفس، وعذوبة الخطاب. جمع بين الوقار والعطف، وبين الحزم والرحمة، فكان لا يردّ سائلًا، ولا يتأخر عن نصيحة، يأنس به الجليس، وتطمئن له القلوب، ويجري على لسانه القرآن والحديث، فيحيا المجلس به، ويُذكّر بالله وأخلاق نبيه ﷺ.
إن رحيل الدكتور أحمد عمر هاشم خسارة فادحة للأزهر الشريف، وللأمة الإسلامية، ولعالم العلم والدعوة، فقد انطفأ مصباح من مصابيح الهداية، وغابت قامة من قامات الحديث الشريف، وانقطع من الأرض صوت كان يذكّر بالله ويذبّ عن سنة رسوله ﷺ.
وقد صدق في ذلك قول النبي ﷺ "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جُهّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا".
هكذا، فإن فقد هذا العالِم الجليل ليس كمثل أي فقد، بل هو ثلمة في الإسلام لا يسدّها شيء، كما ورد في الأثر. كان رحمه الله يجسّد معاني الوقار، والرفق، والحكمة، وينشر الدعوة دون صخب، ويُرسي القيم دون ضجيج.
اللهم إن عبدك أحمد عمر هاشم قد أفنى عمره في نصرة دينك، وخدمة سنة نبيك ﷺ، فاجزه عن علمه خير الجزاء، وعن أمته خير الجزاء، وعن الأزهر خير الجزاء. اللهم أكرم نزله، ووسّع مدخله، وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وألحقه بنبيك المصطفى ﷺ وصحبه الكرام.
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واجعل علمه نورًا يهدي الأجيال، وسيرته قدوةً للدعاة، وذكراه باقيةً في قلوب العارفين والمحبين.
تُقام صلاة الجنازة اليوم عقب صلاة الظهر من الجامع الأزهر الشريف، ويُوارى جثمانه الثرى في مسقط رأسه بقرية بني عامر – محافظة الشرقية، حيث يعود الجسد إلى الأرض التي شهدت ميلاده، ويرتفع الذكر في السماء حيث لا ينقطع أجرُ العالم العامل.