نبض الواقع.. في ذكرى ميلاد حسين كمال أيقونة السينما ومبدعها الاستثنائي

ميلاد مبدع استثنائي.. حسين كمال المخرج الذي واجه السينما والقدر
جلس شاب عائد من باريس وروما، يتحدث عن السينما كما لو كانت حياة أخرى، في أحد مقاهي القاهرة في الستينيات، ذلك الشاب كان حسين كمال، المخرج الذي سيقلب معايير الفن في مصر، ويصنع أفلامًا لا تزال تعيش في الذاكرة حتى اليوم.
كان واحدا من أبرز صناع السينما المصرية في القرن العشرين، وُلد في مثل هذا اليوم عام 1934، وتلقى دراسته في معهد السينما بباريس، ثم في روما حيث تخصص في الإخراج المسرحي والدراما، هذه الخلفية الأكاديمية العالمية انعكست لاحقًا في أعماله التي جمعت بين العمق الفني والجرأة الفكرية، ويحل اليوم ذكرى ميلاده.
ريشة مخرج يرسم بروايات الكبار
أكثر من نصف أعمال حسين كمال مقتبسة من الأدب المصري، كان يحوّل الورق إلى حقيقة، فخرجت من بين يديه شخصيات البوسطجي ليحيى حقي، وثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، ونحن لا نزرع الشوك ليوسف السباعي، فلم يكن مجرد مخرج يترجم النص، بل كان يعيد تشكيله بلمسة سينمائية خاصة، تجعل من الرواية عالمًا بصريًا يحفر في الوجدان، كما أنها كانت أعمالا تنبض بواقعية جارحة وتكشف قسوة المجتمع بجرأة غير مسبوقة.
مخرج التناقضات الساحرة
ما يميز حسين كمال أنه أخرج في عام واحد عملين متناقضين تمامًا: شيء من الخوف، رمز المقاومة الشعبية ضد الطغيان، وأبي فوق الشجرة، أكثر الأفلام رومانسية وتجارية في تاريخ عبد الحليم حافظ. ورغم الاختلاف الصارخ، نجح العملان نجاحًا مبهرًا، ليثبت أنه قادر على مخاطبة كل الأذواق، و قادر على لمس وجوه مختلفة من الروح المصرية: روح التمرد، وروح الحلم.
أزمة مع العندليب
نجاح أبي فوق الشجرة أثار جدلاً واسعًا، حتى أن شائعات انتشرت بأن عبد الحليم هو المخرج الحقيقي للفيلم، مما أثار غضب حسين كمال من هذه الأقاويل، لكن سرعان ما تم الصلح بينهما، خاصة أن مسيرته كانت قد أثبتت قدرته على تقديم أعمال نوعية مميزة قبل تعاوناته مع العندليب.
حياة خارج الكاميرا
بعيدًا عن الأضواء، عاش حسين كمال دراما شخصية لا تقل قسوة عن أفلامه ففي مطلع الثمانينيات، تعرض لمحاولة قتل في السويس أثناء نزاع على قطعة أرض ورثها، و هاجمه أحد الأشخاص بآلة حادة على رأسه، ليسقط غارقًا في دمائه، ويدخل العناية المركزة مصابًا بارتجاج في المخ.
نجا المخرج الكبير، لكن الحادث ترك أثرًا نفسيًا عميقًا ظل يرافقه حتى وفاته.
إرث لا يُمحى
رحل حسين كمال وبقيت أفلامه علامات مضيئة في تاريخ السينما، حيث قدّم حسين كمال أكثر من 27 فيلمًا، منها ما دخل قائمة أفضل 100 فيلم مصري وعربي، ومن أبرزها: إمبراطورية ميم، إحنا بتوع الأتوبيس، حبيبي دائمًا، مولد يا دنيا، كما ترك بصمة في المسرح من خلال أعمال مثل ريا وسكينة والواد سيد الشغال.
في ذكرى ميلاده، لا يُذكر حسين كمال كمخرج عادي، بل كفنان التقط ملامح مصر بكل تناقضاتها: الحب والخوف، الأمل واليأس، الحلم والكابوس. كان صوته مختلفًا وسط جيل من الكبار.