اللواء احمد زغلول يكتب قناة السويس.. شريان الحياة وتضحيات لا تنسى

تظل قناة السويس رمزًا خالدًا في ذاكرة المصريين، فهي ليست مجرد ممر مائي عالمي، بل تجسيد لتاريخ طويل من الكفاح، والتضحيات الجسام، والإرادة الوطنية الصلبة. فمن معاناة الحفر في القرن التاسع عشر، إلى قرار التأميم في خمسينيات القرن الماضي، إلى معارك المقاومة ضد العدوان الثلاثي، ثم أخيرًا إلى مشروع التوسيع والتطوير الذي قادته الدولة المصرية في العصر الحديث – كل ذلك يروي فصلاً من فصول العزة الوطنية.
من الدم إلى الماء: حكاية الحفر والمعاناة (1859 - 1869)
بدأت أعمال حفر قناة السويس في 25 أبريل 1859، واستمرت حتى 17 نوفمبر 1869 حين تم افتتاح القناة رسميًا. ولكن هذا الإنجاز الهندسي لم يكن خاليًا من الثمن. فقد حُشد أكثر من مليون فلاح مصري تحت نظام السُخرة، وعملوا في ظروف قاسية وبدائية.
وبحسب التقديرات، فقد استُشهد ما يقرب من 120 ألف عامل مصري أثناء عمليات الحفر نتيجة الجوع والأمراض وسوء المعاملة، بينما عانت أسرهم من الفقر والفقد، في ظل غياب أي حماية اجتماعية أو قانونية.
تأميم القناة واستعادة السيادة (26 يوليو 1956)
في قرار تاريخي، أعلن الزعيم جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956 تأميم قناة السويس، لتتحول من شركة أجنبية إلى مِلك للشعب المصري. كان القرار بمثابة إعلان للكرامة والسيادة، لكنه تسبب في إشعال غضب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، الذين شنوا العدوان الثلاثي في أكتوبر من نفس العام.
المقاومة الشعبية والعدوان الثلاثي (1956)
في مواجهة الغزو، قدم الشعب المصري نموذجًا نادرًا في البطولة، خاصة في مدن القناة كالإسماعيلية وبورسعيد والسويس، حيث تصدى المدنيون والقوات المسلحة للعدوان بشجاعة. وقد سقط العديد من الشهداء، وتحولت بورسعيد إلى رمز للمقاومة الوطنية، حتى انسحبت القوات المعتدية بفضل صمود الشعب ودعم دولي للحق المصري.
الافتتاح والمصروفات الباهظة (1869)
أقيم حفل افتتاح القناة عام 1869 في حدث عالمي ضخم، دعا إليه الخديوي إسماعيل ملوك وأمراء أوروبا، وعلى رأسهم الإمبراطورة “أوجيني”. بلغت تكلفة الحفل قرابة 2 مليون جنيه مصري آنذاك، ما شكّل عبئًا ماليًا كبيرًا، وأسهم في زيادة الديون على مصر.
القيادة السياسية الحديثة وتوسيع القناة (2014 - 2015)
في ظل القيادة السياسية الحالية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهدت قناة السويس نقلة نوعية جديدة تمثلت في مشروع قناة السويس الجديدة، الذي بدأ في عام 2014 وتم افتتاحه في 6 أغسطس 2015.
وقد تم تنفيذ المشروع العملاق في عام واحد فقط – وهو رقم قياسي – بتمويل وطني كامل، حيث جمع المصريون 64 مليار جنيه من خلال شهادات استثمار، في رسالة واضحة عن وحدة الشعب وقيادته.
لم يقتصر التطوير على التوسعة فقط، بل شمل أيضًا إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتطوير الموانئ، وبناء أنفاق جديدة تربط سيناء بالوطن الأم، ما ساهم في جعل القناة أكثر قدرة على استيعاب السفن العملاقة وتقليل زمن العبور، وزيادة الإيرادات وتحويل القناة إلى محور لوجستي عالمي.
قناة السويس.. ملحمة متجددةمن معاناة الحفر تحت الاحتلال، إلى قرار التأميم، إلى بسالة المقاومة، وصولًا إلى التوسعة الحديثة بقيادة وطنية واعية، تمثل قناة السويس تاريخًا حيًا من التضحية والبناء. هي ليست فقط ممرًا مائيًا يربط الشرق بالغرب، بل هي شريان كفاح يربط الماضي المجيد بالمستقبل الطموح
كاتب المقال لواء احمد زغلول مهران نائب الرئيس ورئيس الهيئة العلي
ا لحزب المؤتمر