الدكتورة الإعلامية شاهيناز عبد الكريم تكتب: تصادم المصالح الأمريكية – الإسرائيلية.. هل آن أوان الفُطام؟

في مشهد سياسي يحمل قدرًا كبيرًا من الغموض والدهشة، أعلنت الإدارة الأمريكية – دون مقدمات – وقف قنوات الاتصال مع الحكومة الإسرائيلية، وهو تطور مفاجئ في توقيت بالغ الحساسية، يعكس بوضوح اهتزازًا في تحالف طالما وُصف بـ"الصلب"، بين واشنطن وتل أبيب.
ولكن، هل هو خلاف حقيقي أم مجرد خداع استراتيجي ضمن خطة توزيع الأدوار؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يشغل المراقبين الآن.
في خلفية هذا المشهد، تلوح فرضية أساسية: تصادم المصالح. فكلٌ من الطرفين – الأمريكي والإسرائيلي – يسعى لتوظيف الآخر لتحقيق أهدافه، لكن يبدو أن الخطوط تباعدت، والأهداف بدأت تتناقض.
منذ تولي ترامب مجددًا زمام التأثير داخل المشهد السياسي الأمريكي، بدا واضحًا أنه يسعى لإعادة ترتيب أولويات بلاده، خاصة اقتصاديًا. الرجل يسعى لحصد استثمارات خليجية ضخمة لإنعاش اقتصاد بلاده الذي ترنح تحت وطأة سياسات داخلية مضطربة. في المقابل، يواصل نتنياهو الضغط باتجاه إشعال جبهات جديدة، من اليمن إلى باكستان، وصولاً إلى التلويح بحرب شاملة مع مصر، تارة بذريعة الأنفاق، وتارة أخرى بمبررات أمنية مفبركة.
الغريب – والمثير للقلق – أن نتنياهو لا يزال يروّج لمزاعم حول أنفاق سرية بين غزة وسيناء، في محاولة لإقناع الداخل الإسرائيلي والعالم بأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء هو "الحل النهائي"، بينما يدرك الجميع أن هذا المخطط لن يمر إلا فوق جثة الجغرافيا والسيادة المصرية.
ومن جهة أخرى، تزامن تراجع الحماسة الأمريكية تجاه مشاريع إسرائيل التوسعية، مع تصاعد التحفظ الأوروبي على السياسات الإسرائيلية، كرد فعل على موقف ترامب من حرب أوكرانيا. كما شهدنا فتورًا واضحًا في مفاوضات التطبيع مع السعودية، وتجميد ملف "الدين الإبراهيمي" الذي روج له صهاينة الإعلام تحت غطاء تحالفات إقليمية زائفة.
وفي خطوة أربكت حسابات تل أبيب، برز اتفاق هدنة محتمل بين الحوثيين والولايات المتحدة بوساطة عمانية ومباركة إيرانية، وهو ما يُعد ضربة قاسية لتوجهات نتنياهو العدوانية في المنطقة، ويُقلص من قدرة إسرائيل على استخدام الملف اليمني كورقة ضغط.
ثم جاءت تصريحات ترامب بشأن ضرورة إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، ولو بشكل محدود، عبر نقاط يتحكم فيها الاحتلال، لتزيد الطين بلة، إذ ستتطلب بطبيعة الحال تنسيقًا مع القاهرة. وهنا يكمن جوهر الأزمة: التنسيق مع مصر يعني إفشال خطة التهجير، وهو ما يثير غضب تل أبيب التي تُراهن على تغييب الدور المصري أو تحييده في هذه المرحلة الحرجة.
التحليل الأوسع يشير إلى أن واشنطن بدأت تدرك أن إسرائيل لم تعد حليفًا "مطيعًا"، بل عبئًا سياسيًا يُهدد استقرار مصالحها العالمية. فمن التورط غير المباشر في حرب اليمن، إلى التصعيد في ملف باكستان، وصولاً إلى الحلم المحموم بتدمير المفاعل النووي الإيراني بمساعدة أمريكية، يبدو أن نتنياهو يسير فوق ألغام أمريكية، لا يعلم إن كانت ستنفجر في وجهه وحده أم ستصيب الجميع.
ويبقى الاحتمال الآخر: هل ما يحدث مجرد مسرحية سياسية محكمة الإخراج؟ هل اتفق الطرفان على خداع الرأي العام، عبر إظهار خلاف زائف بينما تُدار الخطط في الغرف المغلقة؟
إجابات هذه الأسئلة قد تتأخر، لكن المؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة ترتيب واسعة لموازين القوى العالمية، خاصة مع ثبوت تراجع الهيمنة العسكرية الأمريكية – الإسرائيلية في أكثر من جبهة، أمام تقدم السلاح الإيراني وتكنولوجيا الحرب الصينية، سواء في اليمن أو باكستان.
ختامًا، فإن يقظة القاهرة واستعدادها الدائم، يُشكل حجر الزاوية في إفشال أي مخطط يستهدف الأمن القومي المصري، مهما تنوعت أشكاله أو تبدّلت وجوه منفذيه.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين، ومن عبيد الصهيونية الجدد، الذين باعوا عقولهم مقابل سلطة زائلة أو دولار ملوث بدماء الأبرياء.