بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتبة الصحفية أمال ربيع تكتب .. أبعد من غير عتاب

الكاتبة الصحفية أمال ربيع
-

لا تعاتب من يقول لك سوف اتصل بك لاحقا.. كنت مشغولا اليوم.. سنتحدث غدا.. أنا متعب جدا ولا أقدر على التحدث"، إذا أصبحت هذه العبارات شيئا مألوفا لديك فأنت بكل تأكيد في حاجة إلى تقييم تلك لعلاقة.
عندما يحب الإنسان فإنه يحرص على التواصل بقدر الإمكان مع الحبيب أو الصديق ، والسؤال عنه بشكل دائم، حتى فى أصعب الظروف، لكن الشخص غير الصادق بمشاعره فهو لا يهتم بالتواصل بشكل دائم وقد يختلق الكثير من الأعذار لتبرير غيابه، كما لا يهتم بالاطمئنان على الطرف الآخر حتى فى أصعب الظروف التى يمر بها.
لذلك أقول اترك ما يحزنك ولا تعلق روحك بأشياء تستنزف ما بقي فيها من طاقة فمتابعتهم خلف الشاشات وما يكتبون ويتحدثون به عنك تسلبك ولا تعطيك، تنغص عليك لحظاتك، تشتّت فؤادك، وتعصف بما بقي فيك من أنفاس، فخذ بيدك وابعدها عمّا تظن أنه الراحة لها، ومهما انكسرت حاوِل أن تعيد ترميمها سريعًا حتى لا تدمن الانطفاء ومن ثم تظلم إلى الأبد! ولا تستسلم لأحزانك، فقط سلمها لذكرك وقرآنك.
لا تكثِر اللوم عمّن هو مفارقك، فتسريح بإحسان تلك أعظمم الشيم، واعلم أن من يريد الخروج لا يعجزة شيء ولا يرّدةعن عزمه ذكرى ولا فضل ما دام عقد العزم، فـاتركه ولا تكثر فتثقل عليه وعليك! وأنّ من يحِبّك ليس بالضّرورة من يتودّد إليك دومًا وعلى مقربة منك، فأصدق الحب هو ما توارى عنك ولازمك في الدعوات والأعمال، وأن الظاهر لا يغني عن الباطن؛ فالأصل في الأمور والعلاقات بواطنها، فالكل يحسن التصنع فقد يظهر لك عكس ما يبطن.
عوّد نفسك طيلة حياتك أن تتعامل مع الغير بمبدأ المعاملة بالمثل، كن رجلا مع الرّجل وشهما مع الشّهم وأحِبّ من يُحبّك وقدّر من يُقدّرك وازهد فيمن يزهد فيك، وانْأَ بروحك ونفسك عن كُلّ من يَسلُبك طاقتك. يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه اللّٰه: "لا أذكر قطّ أنّي عاتبتُ أحدًا، أتركُ النّاس على سجيّتهم. مَن أحسنٙ أحسنتُ إليه، ومَن أساء عذرتُه، وإن كرّرها رحلتُ عنه بكرامة".
فلا تعمّق علاقتك مع الذّي يُدمن الكذب واجعلها سطحيّة قدر المستطاع ولا تتعامل معه إلّا إذا اضطررتَ لذلك، ولا تعشَم في أحدٍ لا يلتزم بوعده، ولا تأمن لعهدٍ منه وكن دائم الحرص طيلة الوقت، فمن الممكن أن يبيعك ويُخلف عهده. واعلم أنّ من خذلك واستغنى فأنت عنه أغنى، أغنى بالله عزّ وجلّ، ففوّض أمورك إليه بتسليم تامّ، وتأكّد أنّ الخيرة فيما يختاره الله، فلا يعلم الغيب إلّاه، ولا تسمح لأحد أن يعكّر صفو حياتك ويساهم في كسرك وتحطيمك، واجمع أنقاضك وابنِ بها جسرا لعالم مليء بالرّضا عن أفعال الله، فثَمَّ جنّتك وخلاصك. استجمع قواك وانهض، فدور الضّحيّة لا يليق بك، فلا تُعاتِبْ!
لا تعاتب إلَّا من يستحق ولا تعاتب إلّا على شيءٍ يستحق، لا تجعل من العتاب منهجاً لك في الحياة، يسلبك إرادتك وتنصاع لأوامره. إدمان العتاب خيبة، وكثرته تورث قلبك ألماً فوق ألمه، فحرره من تلك العادة، استبدلها بتجاوزك لها، بصفحك، بتغاضيك، جرب هذا ولن تندم مع الوقت! إن تعلّمت غضّ الطّرف سترتاح سَرِيرتك، سيهدأ قلبك، كل شيءٍ سيمر، لن يؤلمك بعد ذلك خذلانهم، لن تشعر بتلك الوخزة التي كادت أن تقتلك في الماضي، أتذكرها؟ أتذكر كيف كانت وكمَ مرة أحسست بها داخل قلبك؟ ولا أقول تحس بها بداخله كتعبير مجازي! لكن تلك الوخزة تؤلمك من داخلك بشكل مادي ملموس، من جرّبها يعلم دقة تعابيري.
تغاض لتلتفت إلى حياتك، لطموحاتك ونجاحاتك، وتوفر كل لحظة ندم وألم، وتستثمرها كي تقوّيك ولا تسلبك طاقتك،تغاض ولا تجهد روحك في البحث عن الأخطاء، وإن لم تبحث لا تجهدها لتثبت لهم أنك الأوفى.
تغاض ولا تلهث خلف حديث نفسك وترحمها على ما كان منِك تجاههم. من الآن فصاعدا: من أحسن فأحسن إليه، ومن أساء أعذره وإن لم تجد له عذرا غض طرفك عنه ولا تعاتبه، إلَّا لو كان هذا سيرجع لك ما مضى ويستحق!، فكثرة العتب تورث الكرهَ والزهد، تضيع حققك وتسويك بالأرض تهدمك.
ارحل عنهم بكرامتك، اهجر سبلهم وتخيّر لنفسك سبلاً غيرها، سبل تقويك لاتضعفك، تبنيك لا تهدمك، تعَليك لا تطرحك أرضاً، ولا تعول عليهم، ولا ترم شباكك بعد اليوم عليهم فغالباً ستخرج فارغة، احتم بذاتك وبمن يستحق لا من يهوى الخذلان.

كاتب المقال الكاتبة الصحفية أمال ربيع مدير تحرير الاخبار ومدير تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية