سعد القرش.. الفتى العاشق لمحبوبته ”السينما”

في السينما، نعيش عوالم وحيوات متغيرة، نُفتن بالكلمة والصورة والألوان الزاهية والقاتمة أيضًا، والحدوتة، فنبكي لفراق الحبيب لحبيبته، ولمرض الأم وموت الأب، ويمكن لرصاصة غاشمة صرعت البطل، نشعر بها في صدرنا، لكن هل بعد كتابة "النهاية" في تتر الحدوتة، ندلف إلى بوابة الخروج كما دخلنا؟ نعود عاديين كأن شيئًا لم يكن؟ ولماذا نشاهد فيلمًا عشرات المرات ونبكي في كل مرة؟ كما نضحك في كل مرة؟ إنه السحر، سحر الشاشة الكبيرة الذي نحب.
لم يكن سعد القرش الذي فُتن بالسينما شابًا بمحض المصادفة في مسقط رأسه المحلة الكبرى، هو الوحيد الذي أصابه السحر، لكنه هو الوحيد الذي قرر ألا يذهب للعرافين ليُشفى مما أصابه، فيعيش السحر كما أحب، يطرق أبواب السينما باحثًا عن ذاته يقدم لها نفسه كعاشق لمحبوبته الجميلة.
يقول الفتى العاشق سعد في كتابه الصادر حديثًا عن دار صفصافه (فتنة الأطياف.. أفلام ومهرجانات): "فتحت السينما للفتى أبوابًا على عوالم بلا ضفاف، وأضافت إلى عمره أعمارًا، وأطلعته على عوالم بعض السر"، إذ ظل الفتي سعد يتتبع الأثر فأعجبته الغواية،
يتحدث سعد القرش عن نفسه بخجل شاب في الرابعة عشرة من عمره، حتى إنه يكتب بضمير الغائب، لأن الأضواء تربكه، فهو كما يقول عن نفسه مصاب بفوبيا الميكروفون، فالسينما هي الخيال الذي عاشه في وعيه ليصبح بعد ذلك أحد أبرز كُتَّابها ونقادها، بالرغم من أن وصفه بـ"الناقد السينمائي" لا يزعجه بقدر ما يشعر بغرابة منه، فهو يحب أن يكون الفتي العاشق للسينما فحسب، فالسينما هي وعيه الأول الدي تفتحت عليه عيناه، وبعد ذلك قلمه يكتب عنها بوله كأنه يكتب لمحبوبته قصائد غزل.
تزول حالة الخجل عند سعد قليلًا فيبدأ يتحدث عنها بجرأة المحبين بضمير المتكلم، ويعلنها صراحة "في السينما أجد نفسي، ويتأكد لي أنها هي أجمل حقيقة.. أحب السينما حتى أنني أتورط في عملية المشاهدة، ولا اعتبر ما أشاهده أفلامًا، أنساني على باب العرض".
يمكن أن نصف علاقة الحب بين سعد القرش والسينما، علاقة حب أفلاطونية، حب من أجل الحب، حب لا يعرف المادة، فيقول عن ذلك "علاقتي بالسينما حب من طرف واحد، وعشق لا يصيبه ملل، فلا أنتظر أن ينتهي هذا الحب بزواج يرهن العلاقة بحسابات وتوازنات".
علاقته العاطفية بالسينما جعلته مشاركًا في مهرجانات مصرية وعربية ودولية، وأصبح وعي الفتي يبدي ملاحظات على أداء المهرجانات ورؤسائها، ففي كتابه هذا، يكشف قضايا مهمة تتعلق بوعي رؤساء المهرجانات وصناعه، ويدق ناقوسًا، فيرى أن بعض المسئولين ليس لديهم وعي جاد بالسينما، فهم لا يشاهدون الأفلام التي تستضيفها مهرجاناتهم، وهي إشكالية كبرى تطرح تساؤلا حول ماهية الهدف من المهرجان إن كان لا تعنيهم الصناعة ولا السينما.
يكشف سعد القرش أيضًا آفة المهرجانات السينمائية في مصر، وعزوف النجوم الكبار عن مشاهدة السينما العالمية وكذلك النجوم الشباب عن حضور أفلام أخرى غير أفلامهم، فذكرني هنا بشاعر في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذين بعدما يقرأ قصيدته يغادر القاعة قبل انتهاء الأمسية، فلا يعرف ماذا قال زملاؤه الشعراء الآخرون، كأن كل واحد منهم يعيش داخل رأسه فقط.