اليوم الوطني السعودي.. الإعلام شاهد على مسيرة 95 عامًا من العطاء والتحول الرقمي

يحلّ اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في الثالث والعشرين من سبتمبر، حاملاً معه ذكريات 95 عامًا من الوحدة والعطاء والنهضة الشاملة، منذ أن وحّد الملك عبدالعزيز هذا الكيان العظيم تحت راية واحدة، ويأتي احتفال هذا العام مميزًا بالطريقة الملهمة التي يروي بها الإعلام السعودي قصة التطور الوطني، عبر أدوات الاتصال التي تطوّرت جنبًا إلى جنب مع المملكة.
فمن انطلاقة أول إذاعة في جدة، إلى المنصات الرقمية التي تصل اليوم إلى العالم بأسره، شهدت المملكة مسيرة إعلامية مبهرة ساهمت في ترسيخ الهوية الوطنية وتوثيق الإنجازات، لتكون شريكًا حاضرًا في كل مرحلة من مراحل التحول التاريخي.
بدأت القصة في التاسع من ذي الحجة عام 1368هـ، عندما انطلق أول بث إذاعي سعودي من جدة، بصوت الملك عبدالعزيز في رسالة ترحيبية بالحجاج إلى الأراضي المقدسة، كانت تلك اللحظة بداية لبناء شبكة إعلامية وطنية تصل اليوم إلى ملايين المتابعين حول العالم.
وقبل ذلك بثماني سنوات، أصدرت صحيفة "أم القرى" عددها الأول عام 1924 في مكة المكرمة، لتكون أول شاهد مطبوع على مسيرة بناء الدولة السعودية الحديثة، ومنذ ذلك الحين توالت الصحف والإذاعات لترسخ رؤية وطنية مفادها أن الإعلام أداة أساسية لنقل الأخبار وتوثيق الإنجازات وتعزيز الهوية.
مع انطلاق البث التلفزيوني الرسمي عام 1965 من الرياض وجدة، دخل الإعلام السعودي مرحلة جديدة من التأثير؛ إذ وثّق بالصوت والصورة بناء المدن الحديثة، وافتتاح المشاريع الكبرى، ونمو القطاعات الاقتصادية، كما نقل الأناشيد الوطنية وكلمات القادة، ليصنع مشهدًا إعلاميًا موحّدًا يعزز الانتماء الوطني.
ومع كل مناسبة، كانت عدسات الكاميرات تجوب أرجاء المدن، تلتقط اللحظات التاريخية، وتوثّق الاحتفالات الشعبية، وتروي حكايات الوطن، ليتحوّل التلفزيون إلى أرشيف مصوّر للحلم السعودي وهو يتحقق، وذاكرة جماعية توحّد أبناء الوطن من أقصى الشمال إلى الجنوب.
وبدايةً من القرن الحادي والعشرين، شهد الإعلام السعودي تحولًا نوعيًا؛ إذ تطورت القنوات التلفزيونية جنبًا إلى جنب مع الصحافة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، لتفتح آفاقًا غير مسبوقة للتعبير والمشاركة، فلم يعد المواطن مجرد متلقٍ للرسالة الإعلامية، بل أصبح صانعًا لها، يروي قصته بطريقته، ويساهم في رسم صورة وطنه أمام العالم.
تحوّل الإعلام إلى ساحة للتواصل والمشاركة تُروى فيها ملايين القصص يوميًا عبر تغريدة، أو صورة، أو مقطع فيديو قصير، وحتى الاحتفالات الوطنية تحولت من عروض رسمية إلى مساحة للإبداع الجماعي يشارك فيها الملايين على منصات مثل "إكس"، و"إنستغرام"، و"تيك توك"، و"سناب شات".
ففي كل منشور، يحتفل المواطنون بطريقتهم: يعرضون أزياءهم الوطنية، ويوثقون لحظات الفرح مع عائلاتهم، ويعبّرون عن حبهم للوطن.
في كل عام، تُطلق الجهات الرسمية هوية بصرية وطنية موحدة، تعبّر عن روح المناسبة وتعكس تطلعات المملكة، وتظهر في التصميمات والألوان والخطوط، لتوحّد الرسائل الوطنية في مختلف المناطق، وتتحول إلى مشهد بصري شامل يزيّن الشوارع والمباني، ويملأ المنصات الرقمية واللوحات الإعلانية وحتى تفاصيل الحياة اليومية.
وجاء شعار اليوم الوطني الـ95 "عزّنا بطبعنا" ليجسد السمات الأصيلة التي تميّز الشخصية السعودية، فبطباع متجذّرة في الكرم والجود والأصالة والطموح والفزعة، يعكس السعودي هويته الوطنية في سلوكه وتعامله ورؤيته، مواصلًا مسيرته نحو مستقبل يليق بوطنه وشعبه.
في عصر المحتوى البصري السريع، برز الإنفوجرافيك كأداة مبتكرة لرواية قصة النجاح السعودي، فبدلًا من التقارير المطوّلة والأرقام المعقدة، اتجهت الجهات الحكومية إلى استخدام الرسوم البيانية والألوان الزاهية لسرد قصص التنمية وإنجازات رؤية 2030 بأسلوب مبسط وجذاب.
هذا التحول مكّن المواطن من متابعة نسب التوظيف، وعدد المشاريع المنجزة، وتطور القطاعات الاقتصادية المختلفة، إلى جانب نمو الاقتصاد الأخضر، في تجربة بصرية مختصرة تختزل كثيرًا من التفاصيل، وتحوّل الأرقام إلى قصة يمكن قراءتها بنظرة واحدة.
ومع دخول عصر الذكاء الاصطناعي، تطورت أدوات الاتصال بشكل غير مسبوق، حيث بدأت المؤسسات الإعلامية في توظيف تقنيات حديثة لإنتاج محتوى مرئي وصوتي ذكي يعزز رسالتها ويصل إلى الجمهور بدقة، كما أصبح من الممكن تحليل المشاعر العامة، وقياس التفاعل مع الحملات أو المنشورات، وتخصيص الرسائل وفقًا للفئة العمرية والموقع الجغرافي.
ومن أبرز هذه التقنيات: الفيديو التفاعلي الذكي الذي يمنح المشاهد خيارات مخصصة، إلى جانب الترجمة الفورية والتعليق الصوتي الاصطناعي، ما جعل الحكاية الوطنية تُروى بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الإعلام، ومكّن الجهات الرسمية من التواصل مع مختلف شرائح المجتمع بأساليب تناسب كل فئة.
وبهذه المناسبة، ذكرت شركة W7worldwide للاستشارات الإعلامية والاستراتيجية، قائلة "في اليوم الوطني الخامس والتسعين، نهنئ قيادتنا الرشيدة وشعبنا الكريم، مجددين العهد على الولاء والانتماء، لقد كان الإعلام وما زال، شاهدًا حيًا على مسيرة المملكة الطموحة، ووسيلة رئيسية لنقل إنجازاتها إلى العالم، واليوم، مع تسارع التحول الرقمي وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتجدد مسؤوليتنا في تبني أحدث الأدوات الذكية التى تمكّننا من رواية قصة الوطن بلغة المستقبل، وتعزيز الهوية الوطنية بأساليب تواكب أهداف رؤية 2030".
وقد شهد عام 2025 تسارعًا ملحوظًا في تنفيذ مشاريع كبرى تجسّد طموحات رؤية 2030، فعلى صعيد التحول الرقمي والمدن الذكية، برز مركز العمليات الذكية (Smart ROC) في الرياض كنموذج رائد في مراقبة البنية التحتية وحركة المرور والسلامة،ما ساهم في خفض الازدحام بنسبة 36% خلال الفعاليات الكبرى الأخيرة.
في الوقت ذاته، تمضي المملكة في تطوير مدن المستقبل مثل "ذا لاين" و"نيوم"، المعتمدة على الطاقة المتجددة والتقنيات المتقدمة، لتأسيس منظومة حضرية مستدامة.
وفي المجال الرياضي والرياضات الرقمية، وقّعت المملكة شراكة مع اللجنة الأولمبية الدولية لإقامة أول "ألعاب أولمبية إلكترونية" في الرياض عام 2027، ضمن اتفاق مدته 12 عامًا، ما يعزز ريادتها في رياضات الجيل الجديد، كما شارك 8 رياضيين سعوديين لأول مرة في دورة الألعاب الآسيوية الشتوية "هاربين 2025"، في خطوة تعكس تنوّع الاهتمامات الرياضية وتوسيع التمثيل الدولي.
أما في قطاع السياحة، فقد دشّنت المملكة مشروع "منتجع سودة بيكس" في أعلى قمة جبلية، باستثمارات تجاوزت 7.7 مليار دولار، ليكون نموذجًا للسياحة البيئية الذكية، كما تواصل المملكة استعداداتها لاستضافة كأس العالم 2034، عبر تطوير "ملعب الملك سلمان الدولي" في الرياض بسعة 92 ألف متفرج، والمخطط افتتاحه عام 2029 كصرح رياضي وثقافي عالمي.
وفي إطار التزامها بالتنمية المستدامة، أعلنت المملكة عن استثمارات تتجاوز 8.3 مليار دولار لإنتاج 15 غيغاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ضمن استراتيجيتها للوصول إلى 50% من احتياجاتها الكهربائية من المصادر المتجددة بحلول 2030، كما تواصل "مبادرة السعودية الخضراء" تنفيذ أكثر من 85 مشروعًا بيئيًا، تشمل زراعة ملايين الأشجار، واستعادة التنوع البيولوجي، بهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
اليوم، وبعد مرور 95 عامًا على توحيد المملكة، نقف أمام مشهدٍ إعلامي يجمع بين الأصالة والتجديد؛ حيث بات الإعلام شريكًا في صناعة المستقبل، ومرآةً تعكس نبض وطنٍ يمضي بخطى واثقة نحو تحقيق رؤية 2030، ولقد غدا الإعلام السعودي، بتقنياته الذكية ورسائله الواعية، نافذةً على الحاضر، وبوصلةً نحو الغد، وصوتًا صادقًا يروي حكاية النجاح، وشريكًا دائمًا في بناء المملكة التي نحلم بها جميعًا.