كيفن بوتشيك: الذكاء الاصطناعي العام والحوسبة الكمية يهددان مستقبل التشفير

في وقت تتسارع فيه وتيرة الابتكارات التقنية على نحو غير مسبوق، يلوّح في الأفق مشهد أمني مقلق يرسم ملامح مستقبل محفوف بالتحديات. كيفن بوتشيك، نائب الرئيس الأول للابتكار في شركة سايبر آرك، يرى أن العالم يقترب بشدة من نقطة التحول الأخطر في الأمن السيبراني، مع اقتراب الحوسبة الكمية من النضج، وظهور الذكاء الاصطناعي العام كفاعل جديد، قد يتجاوز إمكانات البشر وسرعتهم.
ويقول بوتشيك: "نحن لا نعيش بعد في عصر ما بعد الحوسبة الكمية، لكننا نقترب منه بخطى ثابتة. وعندما نصل إليه، فإن كل أنظمة التشفير التي نعتمد عليها اليوم، من البريد الإلكتروني الآمن إلى شبكات VPN، ستكون معرضة للاختراق بشكل فجائي ومدمر".
وفقًا لبوتشيك، فإن التحول لن يكون تدريجيًا، بل كاسحًا، إذ قد يأتي اليوم الذي يصبح فيه التشفير التقليدي بلا قيمة، ويليه اليوم التالي مباشرة بانهيار كامل للثقة الرقمية كما نعرفها. ومع ذلك، يوضح أن الاستعدادات الاستراتيجية قادرة على رسم سيناريو بديل، نضمن فيه أنظمة مرنة، لا تحصّننا فقط ضد الحوسبة الكمية، بل أيضًا ضد تهديدات أسرع وأكثر ذكاءً بفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي العام (AGI).
ويشير إلى أن التحدي لا يتمثل فقط في القدرة الكمية على فك التشفير، بل في تحوّل كامل في شكل الهجمات، مؤكدًا:
"الذكاء الاصطناعي العام لن يتبع أساليب المهاجمين التقليديين. سيقوم بانتحال الهوية، التكيف السريع، وتكرار الهجوم بناءً على تعلم مباشر من بيئة الضحية".
يتحدث بوتشيك عن نمط تهديد متزايد الخطورة يعرف باسم "Harvest Now, Decrypt Later"، والذي يعتمد على جمع البيانات المشفرة الآن، بهدف فكها لاحقًا باستخدام الحوسبة الكمية. وبحسب تحذيره، فإن العديد من الدول والجهات قد بدأت بالفعل بجمع هذه البيانات، ما قد يؤدي إلى موجة غير مسبوقة من الاحتيال، انتحال الهوية، وهجمات الابتزاز، بمجرد توفر القدرة على فك التشفير.
وسط هذا المشهد المعقّد، يرى بوتشيك أن "الهوية، وتحديدًا الهوية الآلية، ستكون خط الدفاع الجديد". فمع تحول 70-80% من أنشطة المؤسسات إلى الاتصالات بين الآلات، فإن تأمين هذه الهويات بات أولوية قصوى.
وحذّر من أن الإدارة السيئة للشهادات الرقمية أو مفاتيح API أو حسابات الخدمة قد تمنح المهاجمين ثغرات سهلة لاستغلال الامتيازات وسرقة البيانات الحساسة.
ويحدد ثلاث ركائز أساسية لحماية الهوية الآلية:
1. المرونة التشفيرية: التكيف السريع مع تطور معايير التشفير، دون تعطيل العمليات.
2. السرعة الآلية: القدرة على إصدار وإلغاء الهويات في أجزاء من الثانية.
3. الأتمتة الشاملة: دورة حياة كاملة بلا تدخل بشري، خاصة أن المدى الأقصى لصلاحية الشهادات اليوم قد لا يتجاوز 47 يومًا.
يرى بوتشيك أن على المؤسسات تبني رؤية "الثقة الصفرية" (Zero Trust) ليس فقط للمستخدمين، بل أيضًا للأنظمة والخدمات والآلات. ويقترح التوسع في اختبار خوارزميات مقاومة للحوسبة الكمية، وإعادة هيكلة أنظمة التشفير لتكون قابلة للاستبدال السلس.
كما يدعو إلى توسيع مبدأ التحقق المستمر ليشمل كل معاملة وكل تفاعل رقمي، إذ لم يعد بالإمكان افتراض أن هوية الآلة صحيحة، تمامًا كما لم يكن بالإمكان دومًا افتراض صحة هوية الإنسان.
في ختام رؤيته، يؤكد بوتشيك أن التحدي الذي نواجهه لا يتعلق فقط بالهجمات السيبرانية، بل بـ "إعادة تعريف الأمن الرقمي بالكامل".
ويختم بقوله: "إذا لم نستعد من الآن، فسنستقبل الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي العام ونحن مكشوفون تمامًا. علينا بناء أنظمة قادرة على الصمود أمام المستقبل، قبل أن يصبح الحاضر ساحة اختبار قاسية لا ترحم".