بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

كاية السيدة ماريا القبطية آخر زوجات النبي

ارشيفية
القسم الدينى -

رغم عدم ذكر اسمها كثيرًا فى كتب السيرة، إلا أننا حينما نسمع اسم السيدة ماريا القبطية نشعر بهالة من الجمال ليس فقط لكونها مصرية أصيلة جاءت من قرية حفن بأرض مصر، ولكن لأنها آخر زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام وأم ابنه آخر أبنائه إبراهيم وسليلة نسب شريف فوالدها شمعون كان من عظماء قبط مصر وكان عارفا بالله وبرسله وبكتبه ومؤمنا برسول الله وبأنه خاتم الأنبياء .. وفى السطور القادمة سنتجول فى سيرتها العطرة.

صلح الحديبية

كان صلح الحديبية فى العام السادس من الهجرة بداية للفتح والاستقرار وانتشار الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية وبدأ رسول الله عليه الصلاة والسلام فى التواصل مع ملوك وحكام العالم من حوله ليعرفهم بأمر الدين الإسلامى ويدعوهم إليه بالحسنى فأرسل رسله إلى كسرى ملك فارس وهرقل ملك الرومان والنجاشى ملك الحبشة كما أرسل الصحابى الجليل حاطب بن أبى بلتعه الى المقوقس ملك مصر ونائب الدولة البيزنطية وتلقى كل هؤلاء الملوك الرسائل وردوها ردا جميلا ماعدا كسرى ملك فارس الذى مزق الكتاب.

وكان حاطب بن أبى بلتعه الذى أوصل رسالة النبى للمقوقس فى مصر معروفا ببلاغته وفصاحته لذا عندما استمع المقوقس إليه قال له: "يا هذا إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه وغنى قد نظرت فى أمر هذا النبى فوجدته لايأمر بزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب فيه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر".

وأكرم المقوقس حاطب بن عتبة وأرسل معه ألف مثقال من الذهب وعشرين ثوبا لينا وخصى يقال له مأبور وشيخ كبير كما أرسل هديتين لرسول الله وهما الجاريتان ماريا بنت شمعون القبطية وأختها سيرين بنت شمعون وكانت الأختان لهما مكانة كبيرة لكونهما بنات شمعون أحد عظماء القبط وكانت ماريا مصرية أصيلة ولدت فى قرية حفن وهى ما تسمى حاليا بقرية الشيخ عبادة فى المنيا ويقال ان أصل القرية كان يطلق عليها فى العهد الفرعونى "بسا" نسبة الى إله قديم عند الفراعنة ثم أقيم عليها بعد ذلك مدينة "هينواتى" وهو اسم للطبيب الخاص لرمسيس الثانى ولاسم القرية حاليا قصة طويلة إختصارها أنه بعد أن فتح عمرو بن العاص مصر سنة 20 هجريا كان من ضمن الجيش الفاتح الصحابى الجليل عبادة بن الصامت الذى انطلق مع الجيوش بعد موقعة الهنسا الى الجنوب لتتبع فلول الرومان بالصعيد ولما وصل الى قرية حفن وعلم من الناس هناك أنها مسقط رأس السيدة ماريا بنت شمعون زوجة رسول الله قرر الإستقرار فيها وبنى على بيت أسرتها مسجدا بإسمه وتحول اسم القرية الى قرية الشيخ عبادة، وقد كان شمعون والد السيدة ماريا القبطية من المتعبدين المخلصين العارفين بالإنجيل مما يدل على أن ماريا من صلب طاهر ورجل عارف بالله ورسوله.

إسلام ماريا

لم يكن الطريق من مصر الى المدينة المنورة سهلا على ماريا وأختها ولكنها بمجرد أن وصلت الى المدينة المنورة قالت أشهد أن لاإله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله فسألها النبى عليه الصلاة والسلام ما الذى دفعك الى الإسلام ولم نجبرك عليه؟ فأجابته: يا رسول الله لقد أرسلوا معى رجالا من أصحابك من مصر الى المدينة وأشهد الله أنهم كانوا أشد أمانا على عرضى من إخوتى فقلت فى نفسى إن الذى ربى هؤلاء الرجال على تلك الأمانة لايمكن أن يكون بشرا عاديا إنما هو رسول من الله حقا وصدقا وذكرت كتب التاريخ والسيرة أن ماريا كانت قبطية وكلمة قبطى كانت تطلق فى الأصل على سكان مصر أى أنها تعنى النسب الى المكان ولأن مصر كانت فى العهد الرومانى تتبع الدين المسيحى لكونها كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية التى كانت تدين بالمسيحية نسبة ومن هنا تداخل النسب أن كل قبطى مسيحى وهذا ليس صحيحا لأن كل قبطى فى ذلك الوقت كان مصرى وليس مسيحياً.

غيرة عائشة

عندما وصلت ماريا وأختها الى رسول الله عليه الصلاة والسلام أكرمهما وأهدى سيرين أختها شاعر المسلمين والصحابى الجليل حسان بن ثابت ليتزوجها كما أكرم ماريا كرما كبيرا وأنزلها منزلا يليق بها وكان المنزل بجوار بيت السيدة عائشة التى شعرت بالغيرة الشديدة من ماريا حتى أنها قالت: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على ماريا وذلك لأنها كانت بيضاء جميلة ثم اشتعلت هذه الغيرة فى قلوب أمهات المؤمنين أيضا فأخرجها رسول الله الى بيت أخر بضواحى المدينة.

أم إبراهيم

بعد مرور عام على زواج رسول الله من ماريا حملت فى ابنه إبراهيم وفرح النبى لهذا الخبر فكان قد اقترب على الستين من عمره وفقد كل أولاده ماعدا فاطمة الزهراء وولدت ماريا فى شهر ذى الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية طفلا جميلا شديد الشبه برسول الله عليه الصلاة والسلام فأسماه إبراهيم تيمنا بأبيه إبراهيم الخليل عليه السلام وازدادت مكانة ماريا القبطية عند رسول الله وأصبحت ذات مكانة مميزه فى قلبه وقد عق عنه فى اليوم السابع لولادته بشاه كما حلق رأسه وتصدق بوزن شعره الذى حلقه فضة للفقراء والمساكين ودفن شعره بالأرض وتنافست نساء الأنصار على إرضاع إبراهيم حتى اختار له رسول الله أم بردة بنت المنذر بن زيد ولكن مرض إبراهيم مرضا شديدا وتوفى فى عمر سنة وستة أشهر وهو مازال رضيعا وقبل أن يكمل العامين وحزن النبى عليه حزنا عظيما حتى أنه قال عندما سأله أحد الصحابة عن بكائه وهو رسول الله (إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون ولكن لانقول إلا ما يرضى الله إنا لله وإنا اليه راجعون) وفسر العلماء أن فى وفاة إبراهيم كإخواته من الذكور حكمة تصدق الوحى ويصدق بها الوعد حيث أن أبناء الرسل على دينهم غالبا من الأنبياء أيضا والله قد قضى أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هم خاتم النبيين ولو كان عاش له ولد من بعده لنقض الحكم.

الحكمة من زواج النبى بماريا القبطية

السيدة ماريا كانت كتابية مؤمنة والله سبحانه وتعالى هنا يضرب مثالا برسول الله فى التشريع حيث أحل للمؤمن أن يتزوج بالكتابية المؤمنة وبالرغم من أن السيدة ماريا أسلمت قبل دخول الرسول عليه الصلاة والسلام بها ولكنها فى الأصل قبطية بن رجل دين عارف بالله ومن ثم كانت على علم بدين رسول الله وأنه خاتم النبيين وأن كل الرسل السابقين شهدوا له بالإسلام وأن كل الرسالات من منبع واحد من الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وقد أوصى رسول الله أصحابه بمصر خيرا وقال لهم: لنا فيها صهرا ونسبا.. وكان يقصد بالصهر السيدة ماريا والنسب السيدة هاجر أم إسماعيل.

وفاة ماريا

عاشت ماريا ما يقارب خمس سنوات فى ظلال الخلافة الراشدة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتولى أمورها والإنفاق عليها وتوفيت ماريا القبطية رضى الله عنها فى شهر محرم فى السنة السادسة عشرة للهجرة فدعا سيدنا عمر بن الخطاب الناس وجمعهم للصلاة عليها فجاء عدد كبير من الصحابة من المهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة ماريا القبطية ودفنت الى جانب نساء أهل بيت النبى والى جانب ابنها إبراهيم.