بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفي طه خليفة يكتب.. مُدّرسة الأحياء .. والبودي جارد والطلبة والمسرح !

الكاتب الصحفى  طه خليفة
-

ربما، أولاً، البودي جارد الذي يحيط بها، وهى تتقدمهم في طريقها للمكان الذي ستُقدم فيه الدرس الخصوصي، لمادة الأحياء، وربما، ثانياً، المكان الذي اجتمع فيه الطلبة، لتلقي الدرس، وهو مسرح معروف.. ربما هاتان النقطتان، هما الجديدتان والمُثيرتان في موضوع المدعوة، أسماء عماد، مدرسة الأحياء.
لم أقل قضية أسماء عماد، فلا قضية كبيرة فيما جرى، وأي محام سينجح في طي الملف سريعاً، ولهذا أفرجت النيابة عنها سريعاً بكفالة، كما أفرجت عن البودي جارد بكفالة أيضاً، وهى مؤشرات تدعم سهولة الخروج من المأزق الطارئ لـ أسماء، ومن يقفون وراءها، حيث ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك، في اتساع الاهتمام بالموضوع، للنقطتين اللتين أشرنا إليهما، وهما: البودي جارد، والمسرح الذي يعج بالطلبة، وما دون ذلك فإن الدروس الخصوصية، وبأعداد كبيرة، ممارسة روتينية يومية في مصر، منذ عقود طويلة.
تقديري أن الدروس الخصوصية، بالطريقة الفاحشة التي وصلت إليها، هى جريمة بشعة مستمرة في حق التعليم والطلاب والعائلات وقيم الاجتهاد والأخلاق وسمو معنى وفكرة العلم والتعليم والتعلم.
لكنها، للأسف الشديد، جريمة مُتوافق عليها، بشكل غير مباشر، بين أطرافها والمنخرطين فيها؛ الطلاب والعائلات والمدرسين والمنظمين، ومعهم الدولة نفسها، عبر وزارة التربية والتعليم التي تعلم كل شيئ عن الجريمة، لكنها تغض الطرف، ولا قدرة لديها على مقاومة هذه الآفة الخطيرة واستئصالها، لأن الوزارة نفسها غير قادرة على القيام بالعملية التعلمية كما يجب أن تكون، فهى مُقصرة، وبالتالي لن تستطيع أن تواجه ظاهرة الدروس الخصوصية إلا بعد أن تتعافى، وتتخلص من كل أوجه القصور، وتعود الوزارة للقيام بدورها التربوي والتعليمي المنوط بها، وتسترد المدرسة دورها في التعليم والعلم، وتخريج طلاب متعلمين حقاً، مؤهلين حقاً، لمواصلة تعليمهم العالي المتخصص، ليس للحصول على شهادات، إنما لبناء عقول واكتشاف مواهب ومشروعات باحثين ومفكرين ومبدعين في مختلف مجالات العلوم والحياة.
أن يجتمع نحو 300 طالب في مكان واحد، لتلقي درساً خصوصياً في مكان ما، فهذا ليس مثيراً بشكل كبير، فالمكان فسيح، والمقاعد متوفرة، والمسرح طبقات وأدوار، ويبدو من الصور المتداولة للمسرح والطلبة جالسين على المقاعد فيه أنه مُعد ومُؤهل بشكل جيد تنظيمياً وتقنياً للدرس ووصول المعلومات للجميع.
وهنا نسأل: ما الفارق بين هذه الحالة، وبين جود نفس العدد أو أكثر لمشاهدة مسرحية مثلاً، أو الاستماع إلى محاضرة، أو متابعة ندوة لساسة أو مفكرين أو شخصيات عامة في نفس المكان، وهو المسرح؟.
وما رأيكم عندما يكون الفصل المدرسي الواحد يكتظ بأكثر من 80 طالباً، وقد يصل العدد إلى 120، والفصل له حيز محدود لاستيعاب 30 طالباً بالكاد، أما المسرح فهو مصمم لاستيعاب المئات.
وما رأيكم في أن سناتر الدروس الخصوصية، وهى غرف عادية، يجلس فيها الطلبة فوق بعضهم بعضاً من كثرتهم، ومنهم من يقف في نهاية الغرفة، وعلى بابها، وفي الفراغات القريبة منها، بطريقة غير آدمية أو لائقة، لمتابعة الدرس، وغرف المكان مصممة لاستيعاب أعداد محدودة مثل فصول المدارس.
أما أن تقوم مُدرسة بإعطاء درس خاص، وهى ليست مُعينة في سلك التدريس، فمن يقولون ذلك يمنحون الدرس الخاص شرعية طالما من يُقدمه هو مدرس مُعين في وزارة التربية والتعليم، فالمشكلة عندهم ليست في شرعية التدريس خارج المدرسة من عدمه، إنما في كون الشخص معه رخصة تعليم رسمية فيستثمرها أيضاً خارج أسوار المدرسة.
ليس بالضرورة أن المدرس الحقيقي هو من يعمل في التعليم الرسمي، إذ ليس هناك تعيينات منذ سنوات، وبالتالي هناك ألوف من المتخرجين في كليات التربية، ومن الكليات المتخصصة، وبينهم متميزين يستحقون العمل بالتدريس، وليس من هم مُعينون هم الذين يستحقون التدريس وحدهم، سواء في مدرسة رسمية، أو خارجها بإعطاء دروس، إذ معروف أن التعيينات القديمة كانت تتم بشكل تلقائي لكل خريجي كليات التربية، والكليات المتخصصة في فروع العلم المختلفة، ولم يكن هناك فرز بين من يصلح للتدريس، ومن سيكون عبئاً على هذه المهنة السامية، وحتى عندما بدأ تعيين مدرسين عبرمسابقات، فإن هذه الطريقة في الفرز لا تسير بطريقة صحيحة، فكل أمر يكون جيداً في المستوى النظري، ثم عند التطبيق العملي يحدث الخلل والاختراق والتلاعب وتفريغ الأفكار والنظم من جوهرها، لهذا تبقى المشاكل وتتضخم وتتعقد.
أسماء عماد، أرادت التغلب على البطالة، فاتجهت لاستثمار ما تعلمته في التدريس الخاص، ويبدو أن وراءها إدارة لتجهيز السناتر والعمل التعليمي خارج منظومته الرسمية في المدارس الحكومية والخاصة، ونستتنج ذلك من صغر سنها (25 عاماً)، أي مر على تخرجها ثلاثة أعوام فقط، ثم يكون لها كل هذا البروز، والحراسة الخاصة، وتقديم دروس لعدد كبير من الطلبة (300)، وفي مسرح كبير مُهيأ ومؤهل ومجهز فنياً لتقديم خدمة تعليمية مدفوعة جديدة من نوعها، نستتنج أيضاً أنها تعمل في سياق منظومة دروس خصوصية راسخة ومسنودة، ومنظومة الدروس على مستوى الدولة يمكن اعتبارها كيان خاص له آلياته واستثماراته وتجهيزاته وإداراته وتوغله وتغلغله وتوحشه وحمايته وحصانته، وأخشى أن تكون قد حسمت المنافسة لصالحها، وباتت هى البديل للمنظومة التعليمية الرسمية.
لا أبرر ما تفعله أسماء، وغيرها، ممن ينخرطون في كيان الدروس الخصوصية، سواء كانوا معلمين على قوة الوزارة، أو متخرجين ودون عمل رسمي، إنما ما نكتبه هو محاولة لفهم الواقع المزري للتعليم بشكل مجرد، بهدف تجديد التذكير بالداء، وهو معروف، لمواصلة دق ناقوس الخطر، وتحفيز من بيدهم الأمر وصناعة القرار، للبدء بالعلاج والإنقاذ، بوسائل وأساليب جادة وفعّالة وواقعية.
(الحديث موصول)

كاتب المقال الكاتب الصحفي طه خليفة مدير تحرير جريدة الاحرار