بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب محمود نفادي يكتب.. قصة ”الدبة التى قتلت صاحبها رئيس الوزراء” 

الكاتب الصحفي محمود نفادي
-

تستند المقولة التى تتناقلها الأجيال، منذ مئات السنين، جيلا بعد آخر وحتى يومنا، وهي "الدبة التى قتلت صاحبها"، الى احدى الأساطير القديمة، عندما عثر احد الصيادين فى احدى الغابات على دبة صغيرة، فاخذها واعتنى بها حتى كبرت. وفى أحد الايام ارادات الدبة ان ترد الجميل للصياد، حين وجدته نائما وذبابة تقف على وجهه تضايقه، فارادات ان تقتل الذبابة، فالقت بحجر كبير فوق راس الصياد فقتلته فى الحال. وربما المقولة الأخرى المتداولة :"اتق شر من أحسنت اليه"، أطلقها ورثه ذلك الصياد .
وقد انتقلت قصة الدبة التى قتلت صاحبها من الغابة الى ساحات السياسة والحكومة والصحافة، وحتى الفن والرياضة.
ولعل اشهر قصة عن الدبة التى قتلت صاحبها الذي كان رئيسا لوزراء مصر، وهي قصة لا يعرفها الكثيرون من المصريين، وخاصة المشتغلين بالعمل السياسى، وايضا الحكومى.
وقصة الدبة التى قتلت صاحبها، رئيس وزراء مصر، والتى اتناولها فى مقالى هذا اعتمد فيها على مشاهدات رأيتها بعيني داخل ساحة مجلس الشعب، وروايات سمعتها بأذني من شخصيات برلمانية ووزارية، واحد كبار موظفى مجلس الوزراء، وكان نائبا فى مجلس الشعب، ولم تسجل فى مضابط البرلمان.
فالدبة التى قتلت صاحبها رئيس وزراء مصر، المقصود بها المستشار طلعت حماد، وزير شئون مجلس الوزراء والمتابعة، فى حكومة الراحل الدكتور كمال الجنزورى فى عهد الرئيس مبارك، خلال الفترة من ٩٦/ ٩٩، حيث رُشح المستشار حماد فى بداية تشكيل الحكومة لتولى حقيبة وزارة العدل، الا ان غضب رموز القضاة وناديهم كان سببا فى استحداث منصب وزير شئون مجلس الوزراء والمتابعة لكى يتولاها، و"ليته ما فعل".
ويبدو ان الوزير طلعت حماد كان هدفه تصفية حسابات مع قيادات ورموز الحزب الوطنى الديمقراطى فى هذا الوقت، وخاصة كبيرهم كمال الشاذلى، فحرض الجنزورى عليهم وزرع بذور الفتنة والخلاف، وأغلق كل الأبواب والنوافذ امام نواب الحزب الوطنى للوصول إلى الجنزورى داخل مجلس الوزراء، مثلما كان يحدث فى عهد سلفه الراحل الدكتور عاطف صدقى، الذى دلع نواب البرلمان على الآخر، سواء فى حسن الاستقبال، او الاستجابة لمطالبهم، مما اثار غضبا شديدا على حماد.
ووصل الأمر، وقد شاهدته بنفسى الى حد المساس بكرامة النواب، والعمل على اذلالهم، بان جعل الباب الخلفي لمقر مجلس الوزراء هو الباب المسموح به لدخول نواب الحزب الوطنى، وليس الباب الامامى الذى خصصه لكبار الضيوف. وكان النواب يدخلون من هذا الباب الصغير وهم يحنون ظهورهم من اجل الدخول، وطلب من الجنزوى الا يذهب لقاعة مجلس الشعب حاملا قلمه حتى لا يوقع اى طلبات داخل القاعة.
وقد كتبت فى جريدة "الجمهورية"، وقتها، خبرا بعنوان: "اين قلم الجنزورى؟"، الذي طلبنى تليفونيا، وقال لى بغضب: "قول للى مسلطك- يقصد كمال الشاذلى- رئيس الوزراء لن يوقع طلب الافندية بتوع المجلس".
ووصل به الامر الى الكيد ضد بعض النواب المقربين من الشاذلى وزكريا عزمى، وكان منهم نائب السويس صلاح شلاضم، الذى ارتكب نجله حادث سير عاديا بسيارته، فقام طلعت حماد بتضخيم الحادث من خلال محررى مجلس الوزراء، وايضا احدى الموظفات بمكتبه، وكانت زوجة احد كبار رجال النيابة، والذى اشرف على التحقيقات فى الحادث- طبقا لما ابلغنى به النائب شلاضم، وقتها ومحامي نجله الدكتور، عبد الأحد جمال الدين .
ولم يتوقف سوء معاملة طلعت حماد عند نواب البرلمان، بل امتد لبعض الوزراء، ومنهم الدكتور عاطف عبيد، الذى كان وزيرا لقطاع الأعمال ثم رئيسا للوزارء خلفا للجنزوى، وآخرين من الوزراء بسبب ان حماد لم يكتف بممارسة اختصاصه كوزير للمتابعة، بل تحول إلى رقيب على اعمال الوزراء، حتى ان أحدهم سأل يوما احد كبار موظفى مجلس الوزراء: "كيف تتعاملون مع هذا الوزير وتتحملونه؟".
وتسببت ممارسات الوزير السابق طلعت حماد فى إثارة المشاكل للدكتور كمال الجنزورى وحطم حلمه فى الصعود السياسى، لانه كان يحلم ان يصبح نائبا لرئيس الجمهورية، وفتح عليه النيران من كل جانب، وافسد العلاقة بين الحكومة، كسلطة تنفيذية والبرلمان كسلطة تشريعية، وارتكب خطايا، وليست اخطاء، عندما انفق المال العام لتجميل محيط مجلس الوزراء، ليس بالبلاط والرخام، ولكن بالجرانيت المستورد.
ولعل مشهد النهاية له، ولرئيس الوزراء الراحل، كمال الجنزورى داخل قاعة مجلس الشعب، لم ولن يتكرر. وقد وبدأ المشهد فى جلسة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة للمجلس، وحضور الرئيس مبارك لالقاء خطابه السنوى. وكانت البداية بعيدة عن الانظار فى استراحة رئيس الجمهورية، حيث سأل الجنزورى الرئيس مبارك: "ما هى تكليفات سيادتك للحكومة؟"، فرد عليه بكلمة واحدة: "سوف ابلغها لرئيس الوزراء القادم"- طبقا لما ابلغنى بذلك الوزير كمال الشاذلى.
وبالطبع، نقل الشاذلى رد مبارك على الجنزوى الى بعض النواب داخل القاعة، وانفجرت الاسارير، وعلت الضحكات، وتسرب خبر رحيل الجنزورى الى شرفة الصحافة.
وفور انتهاء الرئيس من القاء خطابه ومغادرته القاعة، تم إغلاق الأبواب ولم يسمح للجنزورى وطلعت حماد بالخروج الا بعد دقائق، وتردد هتاف داخل القاعة على ألسنه اغلب النواب: "باى باى يا طلعت"، بل ان نائب السويس صلاح شلاضم قال له بصوت عال: "خذ رئيس الوزراء فى ايدك يا طلعت".
وبالفعل، رحل الدكتور كمال الجنزورى عن رئاسة الحكومة بسبب اشياء كثيرة، لست فى حل لذكرها، ومنها تسليم دماغه للوزير طلعت حماد، وافساد علاقته مع رموز الحزب الحاكم ونوابه. ودليلى على ذلك أن الراحل كمال الجنزورى فى كتابه الذى اصدره قبل وفاته بعنوان: "طريقى"، لم يذكر طلعت حماد بكلمة واحدة لا من قريب ولا من بعيد.
وهكذا، تسبب الوزير طلعت حماد فى الغاء منصب وزير شئون مجلس الوزراء والمتابعة منذ عام ١٩٩٩، وحتى الان واستبداله بمنصب امين مجلس الوزراء وهو موظف بمجلس الوزراء وليس وزيرا فى الحكومة.
واذا كان الراحل الدكتور كمال الجنزورى قد عاد للأضواء مرة أخرى فى نوفمبر ٢٠١١، خلفا للدكتور عصام شرف، فذلك لظروف فرضتها هذه المرحلة بسبب "كارثة" ٢٥ يناير، علاوة على علاقته القوية مع المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى وكان وزيرا للدفاع فى حكومته الاولى.
وقد ظل الوزير السابق طلعت حماد بعيدا عن المواقع والاضواء، رغم بعض المحاولات الصحفية التى ارتدى فيها ثوب البطولة وعبر عن شماتته فى سقوط حكم مبارك وحل الحزب الوطنى الديمقراطى، ونسى فقط ان يعلن انه مفجر ثورة ٢٥ ينايرـ كما يصفها هو بتعبير ثورة، وليست كارثة.
واعتقد ان بعد مرور اكثر من ٢٥عاما على هذه القصة وتلك الاحداث، يستدعي الأمر الإفراج عن الحظر المفروض على محاضر اجتماعات مجلس الوزراء فى تلك الفترة لكى يطلع عليها المؤرخون السياسيون، وكشف الحقائق امام التاريخ، وخاصة، ان اغلب من يعرفون هذه القصة قد رحلوا، ومعهم أسرار آخرى، والباقين على قيد الحياة، والذين حاولت أن أدفعهم إلى التحدث، لكنهم فضلوا الصمت، بينما: "الدبة التى قتلت صاحبها" رئيس وزراء مصر الراحل كمال الجنزورى، يرتدي ثوب البراءة والبطولة حتى الآن.

كاتب المقال الكاتب الصحفى محمود نفادى .. شيخ المحررين البرلمانيين ومستشار تحرير الموقع

مقالات قد تهمك:

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. لا خير فينا.. ولا خير فيكم اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. النائب ”الحوت” وأبناؤه فى البرلمان اضغط هنا

الكاتب محمود نفادي يكتب ”السادات” ضحية الصراع بين الشاذلى و”الأخوين كامل” اضغط هنا

الكاتب محمود نفادي يكتب.. رسالة ”الدرى” والخطوط الحمراء اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. النائبة دى أمى اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمودنفادي يكتب.. الجرعة بعشر أمثالها اضغط هنا

الكاتب الصحفى .. محمود نفادى .. يكتب .. الحكومة ضد الحكومة اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. حذاء رئيس الوزراء اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. الفيديوهات الجنسية للنواب اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. البرلمانيون العشرة المرشحون للاستمرار فى ”المطبخ البرلمانى” اضغط هنا

الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب ”انسف مطبخك البرلمانى القديم” اضغط هنا