بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

النائب محمد سليم عضو مجلس النواب .. يكتب كورونا ستقلب موازين العالم

-

فيروس كورونا  وحش غير مرئى اجتاح كل شىء فى طريقه وتسبب فى خسارة مأساوية فى الأرواح .. قلوبنا ودعوتنا مع كل الضحايا والمضارين . 
لا توجد قطاعات اقتصادية لم تتأثر بهذا الوضع الكارثي غير المسبوق صدمات عنيفة  بعد إن تغلغل فيروس كورونا تقريبًا في جميع جوانب الحياة حيث نراه في عمليات الإغلاق التي بدأتها الحكومات في جميع أنحاء العالم وفي قيود السفر واسعة النطاق وإغلاق الأعمال والصناعة والمدارس ، وتجميد الأنشطة الرياضية.. ووقف تأشيرات العمرة وتطبيق محاذير التباعد الاجتماعي وغيرها وغيرها من الاجراءات الاحترازية. 

لقد شكلت محنة كورونا امتحانًا حقيقيا للعالم الذي وجد نفسه أمام مرآة الواقع التي كشفت ضعفة وقلة حيلتة ،وما أكثرهما، إذ لا يمكن لأي بلد، ولو كان عضوا في النادي النووي، أن يدعي قدرتة على مواجهة الفيروس، وحماية شعبه ومنحه الطمأنينة اللازمة، فكل الأنظمة الصحية، مهما بلغت درجة تطورها وتعقيدها، تهاوت أمام سرعة انتشار الوباء، فانقلبت موازين التعاطي مع واقع الحال، وصار عاديا أن تتلقى إيطاليا الدعم من دول محدودة النمو، وانهارت كبرياء أمريكا في ظل عجز صريح عن منع تفشي الوباء، فألقت باللائمة على الصين ومنظمة الصحة العالمية لعدم تحليهما بالشفافية، وأبان العالم، في لحظة نفاق إنساني، عن ملامح مؤقتة لروح التضامن المفقودة، إذ تقول الحكمة “أثناء العاصفة يتعارف البحارة“. إنها استفاقة متأخرة، جاءت إكراهًا بالرغم من الكراهية التي تولدت عن صراعات الحرب الباردة ونزعة التفوق.   

نعم، ليس هناك علاج متفق عليه بين الدول ومختبراتها، أحيانًا نسمع هنا وهناك، أن العمل يجري للوصول إلى لقاح، أو تطوير مصل مشابه، بينما منظمة الصحة العالمية تائهة بين خبر يدفع نحو التفاؤل ومعلومة تفتح أبواب السوداوية المرعبة. وكلما ازدادت حدة الفيروس انتشارا، زاد الحديث عن حرب المختبرات، بينما يستسلم العالم لما تضخه وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي من أخبار، يتداخل فيها الصحيح بالخاطئ أو المضلل، عن مشاريع حلول تكمن في أدوية الملاريا وتعديل في تركيباتها، أو باستخدام بلازما الدم، وأمام اليأس يلجأ الناس إلى الطب البديل، والعلاج بالعسل والزنجبيل والقرنفل والزعفران والحبة السوداء وخلطة الثوم والزيت والبصل وبخار الماء.. فيما أجمع الخبراء على أن العلاج الأفضل الذي لا يتم تحصيله من الصيدليات هو الوقاية بالحجر الصحي وغسل اليدين ووضع كمامة عند التواصل مع الآخرين والحفاظ على مسافة مترين..  

عجيب أمر هذا العالم، دخل قلب الذرة، ونجح في فك شفرة الجينوم، واستثمر في الهندسة الوراثية، وأرسل مسابر لاستكشاف المجرات والبحث عن حياة في كواكب بعيدة، يقف اليوم عاجزا أمام فيروس، غير مرئي، عابر للقارات ومخترق للقصبات الهوائية.. عالمٌ يتجند بكل مقدراته من أجل كمامة.   

في لحظة فارقة اكتشف العالم أن الصحة، فعلا، تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وهم في هذه الأزمة الوبائية سواء، لأن الفيروس “ديمقراطي” في فعلته، يدخل أكواخ الفقراء مثلما يلج قصور الأثرياء.. حيث لا يعنيه اللون أو الدين أو العرق أو الجاه أو المركز السياسي.. يدمر الرئتين ويرحل في ثانيتين. 

 إن الامر الذى لايختلف علية اثنان أو ثلاثة، هو أن العالم سيخرج مُنهكا من هذه الأزمة، منهكٌ صحيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ونفسيًا، سيكون عالمًا بالغ الهشاسة، يتنفسُ ببطء، وكأنه أدرك شيخوخته قبل الأوان  

ولعل الشيء المؤكد إن الناس يتعلقون بأدنى قشة عندما يجدون أنفسهم على مسافة شبر من القبر ،هو العودة إلى الله وكتبه السماوية، فقد شاهد العالم الإيطاليين وهم يتضرعون إلى الله، مؤمنين أو ملحدين، لأنهم جربوا كل شيء، ولا حل إلا في معجزة  ، وحول هذا الامرخصصت مجلة “نيوزويك” الأمريكية منذ أسابيع مقالا أشارت فيه إلى أن النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، هو أول من اقترح الحجر الصحي إذا ما انتشر الطاعون، بقوله “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها“. وتساءلت المجلة إن كانت قوة الصلاة فعلاً قادرة على هزيمة الوباء؟.   

لقد تعلمنا من التاريخ أنه بعد كل وباء يلبس العالم رداءً مختلفًا، يأنس فيه إلى مجتمع آمن.. وإذا اختزلنا الصورة، فيمكن القول إن العالم سينتقل من العولمة السالبة لحق الإنسان في أمنه وغذائه، إلى الأنسنة العادلة التي من شأنها أن تعيد العالم إلى جوهر العيش المشترك والتعايش الحتمي، بعيدا عن حسابات الدين واللغة والعرق والإيديولوجيا. إن فك شفرة المستقبل تكمن في بناءعالم جديد تحكمة المثل العليا ، تحكمة  جمهورية أفلاطون الفاضلة