بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى بشير العدل: يكتب لـ ”بوابة الدولة الاخبارية” التشريعات الإعلامية وحالة الضبابية

-
%d8%a8%d8%b4%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%84
مجددا يعود الحديث فى بلادى مصر عن التشريعات الإعلامية الجديدة ، والتى تدور حول مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد ، أو هكذا تم تداوله إعلاميا بعد أن تقدمت به لجنة الخمسين ، وهى اللجنة التى تولت وضعه ، وترأسها الكاتب الصحفى الكبير ونقيب الصحفيين الأسبق جلال عارف ، وضمت فى عضويتها نخبة من كبار الكتاب والصحفيين ، وأهل التخصص ، إلى الحكومة.
ويدور مشروع القانون حول ضوابط العمل الإعلامى عموما من صحافة ووسائل أخرى مرئية ، وحقوق وواجبات الإعلاميين ، والهيئات المنظمة لذلك العمل وكيفية تشكيلها ، وغير ذلك مما جاء به مشروع القانون ، من تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، والهيئة الوطنية للصحافة ، والهيئة الوطنية للإعلام.
وقد تباينت الرؤى ووجهات النظر حول مشروع القانون ، وانقسم البعض حوله مابين مؤيد ومعارض ، غير أن حالة الضبابية هى التى سيطرت على المشهد العام للمشروع ، وتباينت الآراء حول تركيبته ، وما بين كونه مشروعا متكاملا لتنظيم الصحافة والإعلام ككل متكامل ، أو أنه ضم ثلاثة قوانين فى قانون واحد ، بدرجة تفوق التباين حول نصوصه وعما إذا كان مشروع قانون يختص بالصحافة المملوك للدولة منها والخاصة والحزبية.
غير أن اعتراضنا وهو الذى لايروق للبعض ، انصب حول مضمون مواد المشروع وذهبنا إلى أنه لايحقق الصالح العام لجميع الصحفيين ، وأنه مارس تمييزا بينهم ، فضلا عن أنه أعطى حقوقا للصحف المملوكة للدولة بشكل واضح لم يمنحها لغيرها من الصحف ، فضلا عن أنه لم يضبط علاقة عمل الصحفيين ، أو يضع تأمينا لمستقبلهم ، خاصة فى ظل زيادة حالات الفصل التعسفى للصحفيين ،وزيادة أعداد البطالة بينهم ، وعدم المقدرة على حل مشاكل الصحف المتوقفة عن الصدور بسبب التعثر المالى ، وأزمات التوزيع وخلافه ، فضلا عن ملاحظاتنا على تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة ، وهو تشكيل لم يراع حقوق الصحفيين ، وغير ذلك من الملاحظات التى أبديناها وواجهها البعض بنقد شديد ، يدافع عن مشروع القانون بصيغته الحالية ، وكأنه المخلص لكل أزمات الصحافة والإعلام فى بلادى مصر.
وما ظهر مجددا كان من مجلس الدولة ، الذى أبدى ملاحظاته على مشروع القانون ، وانتهى وفقا لما أعلنه البرلمان إلى ضرورة الحديث عن تشكيل الهيئات الثلاث قبل القانون ، وذلك استنادا للمواد 211 و212 و213 من الدستور ، وهو الأمر الذى يعنى فى رأى البرلمان ، أن تشكيل الهيئات الثلاث يسبق الحديث عن مشروع قانون موحد للصحافة والإعلام ، ووجهة النظر فى ذلك أن تلك الهيئات تقوم بوضع القوانين الخاصة بها ، باعتبارها صاحبة الرأى والمشورة فيها.
ورغم أن تلك تمثل وجهة نظر دستورية ، إلا أن البعض ما زال يرى فى المشروع الموحد أنه الحل الآنى والآجل لكل المشاكل الإعلامية العالقة ، خاصة فى ظل ظاهرة الانفلات الإعلامى التى يعانى منها المجتمع المصرى ، وأن أى تأخير فى إقرار مشروع القانون بصيغته الحالية يمثل وفقا لوجهة النظر المؤيدة له التفافا عليه ومراوغة فى عدم اقراره ، فى حين تذهب وجهة النظر الأخرى إلى ضرورة تشكيل الهيئات الثلاث قبل اقرار المشروع ، وهو مايعنى وفقا لوجهة النظر تلك ، نسفا للمشروع الموحد.
واللافت للنظر فى أمر مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام ، أن عدم وضوح الرؤية هو السمة الغالبة ، وحالة الضبابية هى سيدة الموقف ، وقد يكون لذلك أسبابه ، أن الذين قاموا بصياغته ينتمون فى أغلبهم إلى مؤسسات حكومية ، وهو ما يفسر أسباب الاهتمام بالصحف المملوكة للدولة دون غيرها.
ما يعنينا فى هذا المقام ، هو إصلاح أوضاع مهنة الصحافة ، باعتبارها تسير وفقا لقوانين ومواثيق شرف صحفية ، أفرز عدم تطبيقها إلى أزمات خطيرة تهدد أبناء المهنة وكذلك المجتمع ، وذلك بخلاف تنظيم الإعلام المرئى الذى مازال البحث مستمرا حول آليات تنظيمه ، وهو ما يعنى – عندى – ضرورة إعادة النظر فى مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام ، على أن يسبق ذلك كله عمل جاد لإزالة حالة الضبابية التى فرضت نفسها على المشروع سواء كان ذلك متعلقا بمناقشاته أو ببناء مواقف مسبقة بشأنه ، وذلك إن أردنا تشريعات إعلامية تعالج الأزمات الحالية.
ويجب ألا يغيب عن المهتمين بالشأن الصحفى المصلحة العامة ، وإدراك أن الخلاف على مشروع القانون ، لا يعنى بحال من الأحوال الخلاف حول الأشخاص الذين ساهموا فى وضعه ، كما يجب التحلل من فكرة المصالح الخاصة ، التى يفسر البعض أسباب الخلاف على مشروع القانون على أساسها ، ذلك لأن الجميع يدرك تماما الظروف الاستثنائية التى تمر بها الصحافة والإعلام فى بلادى مصر ، وما يتطلبه ذلك من توافق على انهائها بشكل يضمن أداء إعلاميا متوافقا مع مبادئ الأخلاق والقوانين المنظمة ، ويسبق ذلك كله حق المجتمع فى المعرفة.