بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

هشام يحيي يكتب .. شقة شبرا

-

أكثر حاجة كانت
بتضايقني من وليد.. نظرته لي على أني (قديس) من غير أخطاء.. رغم إن عمري ما رسمت
ليه الصورة ديه في حواراتنا الطويلة والمتشابكة.. مفيش مرة غيرت في واقعة عشان
أطلع قدامه بطل.. ولا استخدمت  فرشاة
الماكيير عشان أمكيج حياتي.. وأتجمل قدامه.. حتى حياتي الخاصة.. سلمتها ليه بكل ما
ارتكبت فيها من خطايا وأخطاء.. حكيت له عنها.. كنت 12 سنة أنا راجل البيت الخفي..
أدير حياتها من بعيد.. أشخط وأنطر وأسب وأشتم، 
دخلتني حياتها وعمري 20 سنة.. وخرجت نفسي 
وعمري 32.. (فريدة) أكبر مني بـ 10 سنين تقريبًا، اتعرفنا في ظروف أكثر من
معقدة،  حسين عرفها قبل مني.. وبحكم
الصداقة اللي بينا حكى لي وفضفض.. وهو مش منتظر مني أي غدر أو خيانة.. الشيطان دخل
طرف  في اللعبة ودبرت خطة شريرة للحصول
عليها لنفسي.. أقنعته أن علاقته مع فريدة كارثة الكوارث.. وأن أمه لو عرفت هتموت
فيها.. خصوصًا إن أبوه عم مصطفى لسه ميت، 
وعشان حسين أطيب مني.. الخطة دخلت عليه وخاف وطلب أروح أقابلها.. وأنهي
علاقته بيها بأي طريقة.

   في أول مقابلة مع فريدة.. ما كنتش مصدق إني
قاعد معاها في مكان واحد لوحدنا.. وهي بتتكلم كنت شايف نفسي أيام ما كنت باتفرج
عليها في البلكونة وهي بتنشر الغسيل أو بتظف الزجاج والشبابيك.

أنا وصحابي في
شارعنا.. عشنا مرحلة المراهقة بتاعتنا نميمة صبياني خارجة عن الأدب.. كلها بتدور
حوالين شخصية فريدة.. كل واحد عنده حكاية عنها.  

بعد ارتباطي
بيها.. لما كنت أشوفها في البلكونة بقميص نوم، أتصل بيها على التليفون أشتمها،
غيرتي عليها مجنونة، بس هي بتفرح بيها.. مرة شفتها نازلة من عربية الساعة 12
بالليل قدام بيتها.. ما عرفتش أنام.. وثاني يوم ضربتها واتهمتها في شرفها.. قعدت
تعيط بعد ما هددتها إني خلاص لازم أقطع علاقتي بيها.. الراجل اللي معاها في
العربية طلع أخوها.. حلفت عليها في اليوم ده ما تتأخرش لبعد الساعة 10 حتى لو أخوها
هو اللي هيوصلها.. تقمصت الدور إنها مراتي.. ولازم أكون الآمر الناهي في حياتها،
ورغم إنها شخصية قوية ومتسلطة.. منحتني سلطة إدارة حياتها بالكامل.. لدرجة التدخل
في ملابس.. بناتها.. وده صح وده غلط، معظم المقابلات الأولى بينا تمت في شقتها
الصبح بعد نزول بناتها للمدرسة.

أول مرة تعرضت
معاها لفضيحة جنسية بسبب جهلي باستخدام مخدر موضعي مستورد، أفقدني الإحساس بيها..
وبقيت زي كيس (القطن).. لا روح ولا إحساس.. فبركت حكاية سريعة عشان أهرب من هذه
الكارثة الطارئة، بعد كده مشيت العلاقة في مسارها الصحيح،  خصوصًا إن فريدة مدرستي الحقيقية.. أنقذتني من
الثقافة الوهمية اللي بتمنحها (الموامس).. عرفت معاها احتياجات الست من الراجل..
وإنها مش تمثال شمع.. خدتني واحدة واحدة.. وبحثت أنا عن دروس خصوصية عند الأكثر
مني خبرة في العلاقات النسائية، ومن مشاهدة الأفلام الجنسية. 

قبل ما تسألني عن
ظروف فريد.. جوزها مات صغير، بعد موته.. أهله وأهلها هددوها لو فكرت في الجواز..
حياخدوا منها البنتين والولد.. أهلها عيلة كبيرة في الصعيد، اعترفت قدامي إنها ما
كانتش بتحبه.. واتجوزته مستسلمة لجبروت أبوها.. وفرصة تهرب من العيشة في بيت
العيلة! أخوه رغم التقاليد الصعيدية أكثر من مرة حاول يتهجم عليها.. وحاول معاها..
لكنها رفضته.. آخر مرة عمل كده هددته تبلغ إخواتها وأبوها، كثير قوي لما أفتح
معاها الكلام عن جوزها.. أبقى عايز تقولي إني أحسن منه.. مش عارف ليه.. كنت باغير
منه رغم إنه ميت.. خدت على خاطري وزعلت قوي لما صارحتني إنها شافت معاه أيام سعيدة
في أودة النوم.. في اليوم ده ما نمتش من الغيرة.

بدأت أدخل طريق
المكيفات واستخدام الوصفات الشعبية والأدوية الرخيصة المصنعة تحت بير السلم،
والمهربة مع تجار الشنطة من بيروت.. سيطرت عليّ فكرة إن إرضاءها مش هيكون إلا
بالمتعة الجنسية.. وإن لو شعرت بتراجع مني وأنا معاها،  هتسبيني على طول وتدور على واحد تاني.. الإحساس
ده بيموتني.. لما كنت أصارحها  بالأحاسيس
دي تضحك وتقولي إنها بتحبني وعمرها ما هاتسيبني.. وإن علاقتها بي تجاوزت اللي بفكر
فيه وبقت حب.. مقابلاتي مع فريدة  شبه
يومية.. في شقتها.. بس ده عرضنا في كثير من الأحيان للفضيحة.. مرة بنتها خرجت من
المدرسة بدري ورجعت على البيت.. افتعلت فريدة معاها خناقة.. وغضبت.. وقفلت علينا
في الأودة من جوه بالمفتاح.. صوت بناتها وهما بيعيطوا بره عشان يصالحوها.. كان
بيقطعني.. في اليوم ده نزلت من شقتها بعد نص الليل.. اتسحبت وهما نايمين.. في
الشارع حلفت 100 يمين.. إني عمري ما حطلع عندها تاني.. خصوصا إن أختها جت بالليل
وقعدت مع فريدة  في الصالة وأنا محبوس جوه
الأودة..بقى عندي إحساس إن  في أي لحظة
هنكشف.

الصبح لما كلمتني
في التليفون قعدنا نهزر.. وتكلمني عن شقاوتي.. نستني الحلفان واليمين، وجري على
شقتها.. زي ما كنت باغير عليها.. هي برضه بتغير وبجنون.. وعشان كده أكثر من مرة
زارتني من غير ما تقولي في الجورنال زيارات تفتيشية مفاجئة.. في الزيارات ديه
اتعرفت على اثنين من زميلاتي.. ودخلت مع الاثنتين في صداقة.. وبقوا يزوروها في
البيت.. الاثنين أنقذوني كثير جدًا.. وساعدوني في الخروج من شقتها.. وأنا مش عارف
أخرج بسبب الجيران. 

شقة شبرا، بعد أن
أصبحت ملكي.. ومفتاحها بقى معايا.. انتقلت مقابلاتنا إلى شقتي الخاصة.

كنت شايف الارتباك
على وجه وليد.. ارتباك مصحوب بخجل وهو بيقاطعني:

ـ واحدة واحدة يا
عم هشام عليّ.. إيه الأول حكاية شقتك الخاصة دي.. إنت عمرك ما كلمتني عنها قبل
كده.. أكيد دي غير بيت العيلة. 

قبل ما أبدأ في
الاسترسال في الحوار.. طلبت قهوة وأغلقت تليفوني المحمول، مش عارف ليه.. تملكني في
هذه القعدة إحساس التطهر من ذنوبي بالحكي، أو الرغبة في أن أمنح وليد صندوقي
الأسود.. ما حدش عارف ممكن نتقابل تاني ولا... خصوصًا إن الأيام بتجري.. وموعد
السفر اقترب. 

رجعت أكمل حكايتي
وأجيب عن أسئلته وأكمل اعترافاتي:

ـ دي شقة إيجار
مكتوبة باسم أبويا في شارع أحمد بدوي، في الستينيات كانت مكتب للآلة الكاتبة، وبعد
فشل المشروع؛ أصبحت مكانًا يقضي فيه عمي كثيرًا من الوقت ويلتقي فيها أصدقاءه بعد
أن أخرج نفسه على المعاش مبكرًا، وبعد رحيله عن الحياة.. وافق بابا على أن تبقى
الشقة لي، خصوصًا بعد أن وجد عليها إيجار 6 سنوات.. لم يسدده عمي.. مقابل تسديدي
لهذا الإيجار المتأخر؛ أصبحت الشقة لي عشان ترحمني من المقابلات  تحت تهديد الفضيحة.. اللي كنت باتعرض ليها كل
مرة أطلع عند فريدة شقتها.

... لغاية مرة صاحب محل كوافير،  محله جنب باب العمارة على طول، طلب يتكلم معايا في موضوع خاص.. روحنا قعدنا على القهوة.. لقيته بيبلغني إن البقال.. وصاحب مصنع الشنط.. وكوافير غيره في العمارة.. اتفقوا على إنهم يبلغوا الشرطة، ويعملوا لي "كمين"  في أول مرة تزورني فيها  فريدة في الشقة.. كلامه سبب لي بصدمة.. وخوفني في نفس الوقت. بعد ما سبته روحت على الجورنال.. في صالة التحرير لاحظوا إني ساكت مش باتكلم.. لغاية محررة زميلة مش بتستلطفني.. مسكتني تريقه من نوعية إني عامل عمله عشان كده لوني مخطوف.. مدير التحرير في الوقت ده.. شاب دمه خفيف جدًا.. وصديق لكل الصحفيين تحت التمرين.. أنقذني منها وخدني مكتبه.. صارحته بكلام الكوافير.. وكلامه عن (الكمين) المترتب ليه.. قعد يضحك وكلم أخوه ضابط في أمن الدولة فرع شمال القاهرة.. يعني الشقة تبعه.. حكى له القصة.. وإني من العيال بتوعه في الجورنال.. أخوه كلمني خد أسماءهم، البقال وصاحب مصنع الشنط، والكوافير. 

 ...
نسيت الموضوع.. ودخلت في جو الشغل.. بالليل روحت الشقة.. وأنا بفتح الباب
بالمفتاح.. لقيت فوق دماغي الكوافير اللي بلغني بالتهديد.. هو إنت عملت إيه .. يا
باشا؟ الجماعة مطلوبين في مباحث أمن الدولة.. مخبر وزع عليهم طلب حضور.. مكتوب
عليه (حذاري من التأخير).. كل واحد منهم يعرف أمين شرطة في قسم شبرا جري عليه..
يدور عنده على حل في هذه الورطة!

أمناء الشرطة
والمخبرين لما شافوا طلب الإحضار اتهربوا منهم.. لدرجة إن الكوافير صديقي حكى لي..
إن واحد منهم عرض رشوة 20 جنيه على أمين شرطة.. عشان بس يفهمه إيه اللي بيحصل..
أمين الشرطة رفض ياخد منه العشرين جنيه وقاله.. دي أمن الدولة يا روح أمك.. شوفوا
عملتوا إيه.. وإوعى تقول إنك تعرفني.. كل ده بيحصل وأنا مش في الصورة.. وما يعرفوش
إني طرف في القصة.. راحوا حسب الموعد المحدد في طلب الإحضار الساعة 8 بالليل..
قابلهم 8 الصبح.. وقفهم قدامه.. وهو مجهز ليهم تهم جاهزة.. المسيحي لبسه قضية إنه
خلى واحدة محجبة طالعة العمارة شدها من الحجاب بتاعها.. والاثنين المسلمين..
اشتراكهم  في تفجير بارات شارع شبرا
المجاورة للعمارة.. ولأنهم فعلًا غلابة.. لعب بأعصابهم أكثر من ساعة.. ده غير الوقت
اللي قضوه طول الليل في انتظار مقابلته.. في الآخر قالهم "إنتو تعرفوا فلان..
رد واحد منهم وقاله نعرفوا.. ده ابن عم فلان.. قاله عم فلان ده بروح أمك في بيتكم
هناك ده.. الأستاذ الصحفي, يعني مكتب وزير الداخلية عامل لينا صداع من امبارح
عشانه.. وإنه بيشتكي منكم.. حبك عليهم الفيلم.. واتصل بي في التليفون الصبح ..
وهما قدامه.. خلاهم يعتذروا واحد واحد.

طلبت من وليد
ينتظر.. لغاية ما أنتهي من حوار قصير مع مراتي، اللي أرسلت لي حسين يستدعيني..
لأمر مهم.. مرتبط بشرائها أشياء مستلزمات السفر لي.

بمجرد عودتي
للقهوة.. وأنا باسحب الكرسي للجلوس.. فاجئني وليد:

ـ معلش يا عم
هشام.. الحاج والدك كان فين وكل ده بيحصل؟!

سبته خلص كلامه:

ـ في الوقت ده
بابا كان طلع على المعاش.. لما صحي من النوم وهو بيشرب الشاي في البلكونة.. حكيت
ليه الحكاية.. ما كنتش صادق معاه قوي.. بدل ما أقولة عن فريدا.. قلبت الحكاية إنهم
عايزين يدخلوا عليّ الشقة وزميلاتي عندي.. استفزه الكلام بعد ما شحنته ضدهم..
خصوصًا إن بابا عارف زميلاتي بالاسم وبيزوروني في بيتنا وبيقعدوا مع أمي.. وإحنا
بنتكلم.. أتاريهم بدل ما يروحوا على بيوتهم يناموا.. جابوا بعضهم على بابا على طول
يشتكوا له مني.. بابا بهدلهم وطردهم.. وقال لهم "دي مش شقتي.. دي شقة ابني
ويعمل فيها اللي هوه عايزه.. وأي حد يفكر يقرب منه.. أنا اللي هقف ليه"..
نزلوا من عند بابا قفاهم يقمر عيش.. وعشت في هذه الشقة في حراستهم وتحت حمايتهم..
أدخل وقت ما أدخل وأخرج وقت ما أخرج. فريدة تزورني يوميًا.. ده غير زميلاتي..
حولنا الشقة لمكتب تجمع للصحفين والصحفيات، 
كثير قوي من زميلاتي قابلوا فريدة في الشقة.. سبحان الله.. عمرها ما زعلت
من علاقتي بيهم، الاثنين محجبات.. وزي ما قلت قبل كده أخلاقهم.. كويسة.. وبرضه ما
فكروش يلعبوا معايا لعبة النصائح.. خدوني صديق بالعيوب اللي فيه.. يجوز لأني عمري
ما تعاملت معاهم على أساس إنهم بنات ولازم الشيطان يكون ثالثنا.

... خبر إن عندي
شقة خاصة اتسرب بين الزملاء في الجورنال.. وبعيدًا عن الجورنال.. كنت واخد قرار ما
حدش ياخد مفتاح الشقة إلا لـ حسام فهمي.. زميلي في الجورنال وابن منطقتي.. دخل على
الخط معانا.. واحد اسمه يونان.. عرفني عليه حسام.. يونان ده شخصية عجيبة جدًا..
يستمتع أنه بيجيب لينا في الشقة ستات أو بنات.. عمره ما طلب فلوس.. ولا مرة طلب
إنه يكمل السهرة معانا.. يطب فجأة ساحب في إيده واحدة أو اثنين.. يبقى فرحان قوي
إننا مبسوطين.. كل اللي جابهم يونان عارفين هما جايين الشقة ليه! إلا واحدة مرة
قاعد بالليل لوحدي.. فوجئت بيه فوق دماغي.. عرفني ببنت شكلها رقيق جدًا.. لبسها
أكثر من عادي.. الماكياج بتاعها بلدي شوية.. طريقة كلامها خجولة، وكالعادة سابها
ومشي.. مش عارف ليه.. إحساس غامض اتملك مني إن البت دي مش بتاعت كده.. بعد حوار جس
نبض قصير دار بينا.. اتأكدت من إحساسي، عرفت منها إن يونان اتعرف عليها بعد نهاية
عرض مسرحي.. تقدمه فرقة هواة.. وأقنعها أنه يعرف صحفيين ممكن يخدموها وينشروا ليها
موضوعات صحفية ويعرفوها على مخرجين.. سمعتها بهدوء شديد.. وبعدين فهمتها بطريقة لا
تخدش حياءها.. هي ليه هنا معايا في الشقة دلوقتي.. وطلبت منها ما تخفش مني، ما كنش
معاها فلوس تكفي  تركب تاكسي.. خدتها بنفسي
ركبتها تاكسي ودفعت له الأجرة مقدمًا.. وطلبت منها تاخد بالها من نفسها.. وما تديش
ثقتها في أي حد بسهولة.. ووعدتها بالمساعدة في حدود قدراتي. 

ـ ودي شفتها تاني
يا عم هشام؟

ـ بعد سنين طويلة
قابلتها في كواليس مهرجان القاهرة السينمائي.. بعد ما بقت من نجمات الصف الأول في
التليفزيون.. في البداية توقعت منها إنها تتجاهلني، عشان ما تفتكرش تفاصيل الليلة
اللي قابلتني فيها،  ولكنها تعمدت تجري
ناحيتي وتسلم عليّ وتشكرني على موقفي معاها.. وعرفتني بجوزها المخرج. 

ـ عم هشام.. عشان
خاطري.. كل شوية حد بييجي يسلم عليك ويقاطعنا.. إيه رأيك الجو حلو النهارده.. تيجي
نقعد قدام فندق (المريديان).. المنظر هناك بحس إنه أجمل مكان على النيل.

على كوبري
أكتوبر... استرجعت الحوار:

ـ تقدم فريدة في
السن أصاب علاقتي معاها بنوع من الفتور.. لدرجة لقاءاتنا بقت مهمة ثقيلة عليّ
نفسي.. أداء واجب.. بدأت أتهرب منها، أحيانا أدعي المرض أو الانشغال في الجورنال..
هي كمان بدأت تحس إني متغير من ناحيتها، أصبح ممكن يمر أسبوع كامل من دون ما
نتقابل في الشقة.. عشنا مرحلة جديدة من الخناقات المستمرة.. ما كنش بينقذني منها
إلا التعرف على واحدة جديدة.. حبي ليها بدأ يبهت شوية بشوية، والغيرة ما بقتش
موجودة، أسوأ أيام الأسبوع بقى اليوم اللي باقضيه معاها..  حاجات معينة كانت مخلياني أحتملها بعيد أكيد عن
أودة النوم.. إنها مسئولة عن مصاريفي بالكامل، سواء كان مصروفًا يوميًا.. أو شراء
ملابسي الشتوية والصيفية.. ودفع فواتير التليفون.. ده غير إيجار الشقة وأجرة
الشغالة اللي بتبعتها تنظف الشقة مرة كل أسبوع.. الشغالة كانت تيجي وتمشي.. تخلص
شغلها وتروح.. عمرها ما تدخلت في علاقتي مع فريدة ولا لمحت بكلمة.

... مرة رجعت من
بره كنت فاكر إنها خلصت تنظيف.. لقيتها قاعدة على الأرض مستنياني.. أتاريها عايزة
تطلب مني تعمل فرح بنتها عندي في الشقة.. ليلة وخلاص.. وافقت.. وكمان يوم الفرح..
اتفقت مع البقال يدخل ليهم صناديق (بيبسي كولا).. بعد كام يوم من الفرح .. فوجئت
بالشغالة وبنتها العروسة.. فوق دماغي.. إلا لازم ينظفوا الشقة بس من دون مقابل..
نوع كده من رد الجميل.. بس أنا عوضت ده في ده.. إديت البت نقوط الفرح.. وما حبتش
أكسفهم.. خرجت قعدت على القهوة.. بعد شوية الست الكبيرة روحت.. وسابت العروسة في
الشقة.. تنظف.. على الظهر دخلت أشوفها خلصت ولا لسه.. هدومها غرقانة ميه. 

... اتجاهلتها
ودخلت المطبخ أعمل قهوة.. دخلت ورايا.. ماسكة في إيدها مجلة (بلاي بوي) محطوطة على
المكتب.. من أول نظرة وهي بتفتح صفحات المجلة بدلع.. وبتسألني "مين من دول
تعجبني".. فهمت هي عايزة إيه.. سحبت سيجارة من العلبة اللي تحت المخدة..
"تعرف يا بيه إن دي دخلتي.. أمي جوزتني لـ عبده بتاع الجاز.. عشان عنده
فلوس.. أصارحك بسر.. في الأوده دية على المرتبة ديه.. أمي وعمتي دخّلوا عبده عليّ
دخلة بلدي.. كانوا مستعجلين قوي على (منديل الشرف).. أبويا كان رايح جاي قدام
الأودة وأمي قعدت ترقص".

... ضحكت وأنا
بعدل هدومي.. وغنوا "قولوا لبوها إن كان جعان يتعشى".. كملت كلامها وهي
بتولع سيجارة ثانية.. "ومن يومها مش عارف يعمل حاجة.. أصحابه بيدوه أفيون كل
يوم يحطه تحت لسانه.. ويشرب سم هاري.. ويترمي ينام وأنا جسمي يولع.. ولما يشوف
عنيه مزغلله يقوم يضرب فيه،  وأمي شايفة إن
العيب فيه.. بتقولي لو كنتي ست بجد كنت عرفتي تحركيه، إيه رأيك فيا يا بيه"،
خدي معاكي المجلة دي يجوز لما يشوفها يصحى معاكي.. قعدت تضحك.. وعرضت تيجي بدل
أمها تنظف الشقة كل أسبوع.. بس أنا رفضت.. خوفت فريدة تعرف.. وهي على الباب..
مروحة.. "صحيح يا بيه.. بينك وبين ست فريدة إيه.. دي كبيرة عليك.. هتمص
دمك".. يلا يا روح أمك.. إنتي هتديني نصايح.. "طب هات بوسة.. ما تزعلش
قوي كده"!

كنت باتكلم وشايف
دهشة مفرودة على وجه وليد.. وحاسس إن عنده أسئلة كثيرة نفسه يسألها.. بس مكسوف
مني.. لعدم إحراجي معنويًا، وعلى المقابل.. كنت عارف إني سببت ليه صدمه في
أستاذه..

عموماً: 

... باب الشقة
لازق فيه على طول مكتب صاحب مصنع الشنط.. يوميًا بتقعد عنده واحدة من اللي
بيتعاملوا معاه.. شعرها أصفر وبتحط ماكياج زي ماكياج الرقصات.. في الخارجة
والداخلة متابعة تحركاتي.. ومتابعة الداخل والخارج، يظهر خيالها صور ليها إني على
علاقة بكل اللي بيدخلوا الشقة.. في يوم ناس كثير زاروني كلهم زيارات بريئة.. بعد
آخر واحدة مشيت.. سمعت باب الشقة بيخبط.. قمت فتحت.. لقيتها  هي نفسها الست اللي بتيجي عند صاحب مصنع
الشنط.. بتطلب مني ولاعة.. طلبت منها تنتظرني على الباب أدخل أجيب الولاعة من
الأودة.. يا دوب إدتها ظهري ودخلت الشقة.. سمعت الباب بيتقفل.. ودي في ظهري.. أقل
حاجة ممكن أقولها عنها إنها قبيحة وشوارعية، وعينها يدب فيها رصاصة، ماسورة شتيمة
وانفتحت فيّ "إنت مين.. إنت واحدة خارجة وواحدة داخلة.. مش عارف ليه حسيت
إنها ناقص تطلع مطوة.. سبتها وروحت أبص على صاحب المصنع قفل ولا لسه فاتح.. طمنتني
إنه قفل وروح.. وهي بعد ما اتأكدت إنه ركب عربيته ومشي.. رجعت تاني.. طلعت من
شنطتها قرش حشيش.. ولفت سيجارتين.. ده غير إنها عملت "كنكة".. وأنا  بخرجها من الشقة.. لقيت المكتب مفتوح.. وصاحبه
قاعد يسكر ومعاه بت صغيرة يظهر من اللي بيشتغلوا عنده.. أول ما قلت ليها.. اتسحبت
بصت من فتحة عندي مكسورة في زجاج الباب.. 
قعدت تشتم وتهدد تخرج تفضحه.. سحبتها جوه عشان صوتها عالي.. خفت يسمعها
نروح كلنا في داهية.. من كلامها عرفت إنها مراته وشريكته في المصنع.. بعد ما عرفت
أهديها شوية.. قعدت تحكي ليه إن المصنع ده بتاعها.. وهوه شغال عندها.. ولف عليها
واتجوزها.. وسارق فلوسها.. وديله نجس.. وكل يومين تمسكه مع بت من اللي شغالين في
المصنع. 

ـ هوه صحيح.. إنتي
اسمك إيه..

ـ شادية..

ـ بس أنا عمري ما
قابلت مسيحية اسمها شادية..

ـ ومين قالك إني
مسيحية.. أنا مسلمة وموحدة بالله.. 

ـ ما تتكلمي عدل
يا روح أمك.. اللي بره ده مسيحي..

ـ أيوه.. إحنا
متجوزين عرفي..

ـ عرفي إيه يا ست
هو ينفع.. وبعدين زعلانه قوي ومحموقة عليه.. هو ديله نجس وإنتي الشريفة العفيفة..

... مش عارف ليه
حسيت بالقرف منها.. بعد ما كنت مبسوط.. وعامل أحلى دماغ بالكنكة.. وسيجارتين
الحشيش.. بصراحة مش فاكر مين عدى عليّ بالليل من صحابي سبتها ليه،  وخرجت روحت على البيت، على القهوة لقيت جمال
شوقي مستنيني.. قالب الدنيا عليّ ومعاه الدكتور فرج فودة..

وليد ما قدرش يخبي
دهشته وقاطعني:

ـ فرج فوده اللي
اتقتل يا عم هشام؟

ـ أيوه فرج فوده اللي اتقتل. 

ـ كان عايز إيه؟

ـ عايز الشقة شهر
مقر انتخابي.. بعد ما قرر نزول الانتخابات في شبرا على مقعد الفئات.. استغل
الدكتور فرج علاقته القديمة أيام الجامعة مع أبيه حسن حسين ابن عمتي.. وعرف
يقنعني.. ووافقت ورفعت الشقة (مؤقتًا) عن استخدامها.. مقرًا للمغامرات الشخصية
وتحولت إلى مقر انتخابي مستهدف  من
الجماعات الإسلامية  والإخوان المسلمين، ده
غير مراسلين الصحافة الأجنبية.. والمصرية والعربية.. وبلطجية الحزب الوطني.

... رجعت أقابل
فريدة تاني في شقتها، أو عند واحد صديقي ابن فنان كبير في شقته في ميدان التحرير..
اندمجت في الانتخابات مع الدكتور فرج فودة، وأصبحت شبه مدير لحملته الانتخابية.
بحكم تربيتي في شبرا.. عرفت أجمع فريق من البلطجية ومحترفين الانتخابات في
الحملة.. منها إحنا فعلًا محتاجين لخدماتهم ومنها إني أكل ولاد منطقتي عيش.. كده كده
الدكتور بيصرف على الدعاية.. بس مشكلتي كانت 
مع العيال دول.. الدوشة اللي عاملنها في العمارة وشكاوى السكان منهم.. بس
مرة رايح المقر الساعة واحدة بالليل.. بافتح الباب.. لقيت الشقة جواها بتاع عشرين
واحد ويمكن أكثر.. وكلهم قاعدين على الكراسي.. مؤدبين.. تقولش روضة أطفال.. كل ما
أحاول أدخل الأودة اللي جوه.. يقفلوا ويعترضوا طريقي.. خمنت إن فيه حاجة مش
طبيعية.. شغلتهم وفتحت الباب.. لقيت واحدة نايمة على الأرض ومعاها واد من العيال
اللي شغالين معانا في الحملة.. يا نهار اسود، طلبت منها تقوم تلبس هدومها وتخرج من
الشقة بسرعة، وقلبت مع العيال على الوش الوسخ.. وقعدت أشتم فيهم. الشقة متراقبة من
العيال بتوع الجماعات الاسلامية.. وشغالين إشاعات علينا طول النهار..

كفاية اللي بيكتب
في منشوراتهم عن الشقة رقم (8) واللقاءات السرية لمندوبي السفارة الإسرائلية مع
فرج فودة.. ولاد المتخلفة حطوا صورة "فولكهارد فيندفور" مراسل «دير
شبيجل» الألمانية، وكتبوا جمبه السفير الإسرائيلي..

... المهم وأنا
باشتم.. في العيال، قعدت البت تشد في دراعي عشان تكلمني على انفراد.. ادخل بس
أقولك.. ما تبقاش قطاع أرزاق.. وكل شوية تحط بقها في ودني.. دول دافعين كل واحد 5
جنيه.. حرام عليك الليلة هتبوظ.. طب بص هقلبهم في نص ساعة ومعاك للصبح ببلاش، صعبت
عليّ قوي، وبصيت لوشوش العيال اللي قاعدين، كل دول هينهشوا في لحمها، عرفت إنها
خدت منهم 100 جنيه.. خليتها ترجع ليهم فلوسهم وإدتها 100 جنيه من معايا وطردتها من
الشقة.. وهددتها لو شفتها تاني هسلمها للآداب.

... مشيت فترة
الانتخابات وإحنا في العالي زي ما بيقولوا في لغة الانتخابات.. لدرجة قبل
الانتخابات بعشرة أيام.. المقر بقى تحت حراسة ضباط أمن الدولة لحماية فرج فودة..
وتأمين المقر.. مرشح الحكومة محمد جويلي.. صديق أبويا من أيام الاتحاد الاشتراكي..
راح البيت اشتكاني لـ بابا.. عشان مشترك في مؤامرة سياسية ضده.

لقتني حابب أشرك
وليد في الحوار وما أبقاش بحكي من طرفي بس..

ـ وطبعًا زي ما
انت عارف...

 ... أكبر نسبة مؤيدين للدكتور فرج في شبرا
المسيحيين.. عشان شعار حملته (الوحدة الوطنية هي الحل) في مواجهة شعار (الإسلام هو
الحل).. مرة قاعدين في الترتيبات الأخيرة ليوم الانتخاب.. دخل علينا واد اسمه وحيد
رأفت.. ملازم للدكتور فرج في كل حتة وهو بيصرخ "إلحق.. يا دكتور.. أبونا صليب
عامل قداس في كنيسة الجيوشي.. بيروج فيه لانتخاب محمد الجويلي".. انفعل فودة
وقعد يشتم.. فشلت في إني أهديه وأقنعه.. إن علاقة أبونا صليب والجويلي مش علاقة
انتخابات.. دول أصحاب وولاد منطقة واحدة قبل أبونا صليب ما يترسم قمص.. رفض د. فرج
يسمع كلامي وخد عربيته وطار على البابا شنودة في وادي النطرون.. اشتكى له من أبونا
صليب.. البابا عشان بيحب فرج فودة قطع صيامه.. ونزل عمل قداس.. يدعو فيه الشعب
المسيحي لانتخاب فودة.. حسب كلام دكتور فرج.. وهو شبه مغمى عليه في الشقة عندي..
زيارته للبابا رصدتها الأجهزة الأمنية.. واترفع بيها تقرير للقيادة السياسية
وللوزير زكي بدر.. اللي استدعى فرج.. وفي مكتبه رفض يقعده.. واستقبله بسيل شتيمة..
من اللي كان بيجود بيها الوزير على المعارضة واللي كانت سبب في إقالته من
الوزارة.. "يابن (...) ده إنت مرشح حسني مبارك  يا (...).. يعني الانتخابات متزورة عشانك
متزورة.. رايح تقابل شنودة ليه (...) .. عشان يتقال شنودة هو اللي بينجح ويسقط في
الانتخابات.. بتعمل منه زعيم يا بن  (...)
روح لم اليفط بتاعتك والدعاية.. خلاص الفيلم خلص، وفعلًا سقط د. فرج بفضيحة.. وبعد
سنتين استشهد برصاصات غادرة.. على باب مكتبه في أسماء فهمي.. في ملف قضية غامض ما
حدش فتحه لغاية دلوقتي. 

ـ ياه يا عم
هشام.. إنت عندك كثير قوي...

ـ باقولك إيه.. يا
عم وليد.. تيجي نرجع لـ فريدة.

ـ نرجع يا عم
هشام..

ـ اترفع يا ريس
الحظر المؤقت على الشقة بسبب تحويلها لمقر انتخابي.. ودخل أطراف جدد معايا أنا
وحسام فهمي.. بس بشروطي الخاصة.. على فكرة الشروط دي الوحيد اللي ما اتفرضتش عليه
حسام.. لكن أي حد تاني.. أنا معاه.. يعني مفيش حاجة اسمها (اسبشيل)..

... دخل معانا في
الخط، صحفي أكبر مني في السن بيشتغل في جورنال كبير ينطبق عليه وصف الشياكة
والوسامة.. شوية الشعر الأبيض بيدوه كاريزما خاصة.. صاحبنا ده تحول إلى ممول
للحريم.. من خلال خطة يطبقها يوميًا ودايمًا بتنجح.. دائمًا يقف بعربيته الشيك في
شارع قصر العيني.. من الساعة 2 لغاية 4.. وقت خروج الموظفين والموظفات.. وشارع قصر
العيني معروف إنه مزدحم بالمصالح الحكومية، ده غير المؤسسات الخاصة والبنوك..
وبرضه مجمع التحرير محسوب على شارع قصر العيني.. صاحبنا ده مؤمن بنظرية إن مش
معقول كل الستات اللي ماشيين في الشارع دول شريفات، شفت معاه أصناف مختلفة..
المحجبة والمنقبة والقديسة، ست البيت والموظفة.. الشيك والمبهدلة.. واللي لسه بنت!
وكلهم ما يعرفوش شخصيته الحقيقية.. ولا شغلته ولا اسمه، واللي تيجي معاه النهارده
.. لو ملكة جمال.. ما تجيش معاه تاني..

ـ ليه يا عم هشام؟

ـ ما أعرفش!

ـ ورثت عن
صاحبنا  تركة معتبرة.. لغاية ما اختلفنا
بسبب واحدة.. طلب مني إنها تكون خصوصية.. شوفت إن عادي الراجل كريم معانا.. وقدم
السبت.. اتكررت مقابلاتهم في الشقة.. وبعدين مرة كنت في الشقة لوحدي.. طبت علي..
كنت عارف إنه مسافر في مهمة صحفية خارج مصر، استقبلتها ورحبت بيها.. وقعدنا نتكلم
وأنا ملتزم بالاتفاق اللي بينا.. إنها "الاسبشيل" بتاعته،  في وسط كلامها.. فوجئت إنها بتقولي كلام عني..
حسيت إنه تجريح.. إن دي شقته وإزاي أقبل أشتغل عنده! حسيت بالإهانه واعترفت ليها
بالحقيقة، لما كشفت ليها عن شخصيته الحقيقية.. قعدت تعيط يظهر بتحبه.. سبتها تمشي
بهدوء.. وانتهت هذه الاتفاقية بيني وبينه.. ورجعت تاني إلى فريدة بعد ما بقت على
هامش حياتي..

ـ إزاي على هامش
حياتك يا عم هشام؟

ـ يا بني بقولك
بقى عندي ثروة من (الستات).. أغير فيهم زي ما يعجبني، طبيعي إني أزهق من التكرار..
وتحكم واحدة بس.

ـ طب إيه اللي
رجعها بقوة؟

ـ صحيت في يوم على
شيخ الحارة بيبلغني إني مطلوب للتجنيد.. بعد استفاد سنوات الرسوب في الكلية.. ورفع
تأجيل الخدمة العسكرية.. اللي بتمنحه الكلية للطلبة.. حسيت بالانهيار النفسي وأنا
باكتشف إن سني بقى 30 سنة، كل شيء بيضيع مني في لحظة شغلي ودراستي.. اسودت الدنيا
في وشي ، وبدأت خطوات الالتحاق بالتجنيد.. أول يوم بعد الكشف الطبي رجعت البيت
مهموم وحزين.. ماما أول واحدة قابلتني.. لما عرفت إني لائق طبيًا حسيت إنها عايزة
تزغرد... زي ما تكون سمعتني بقول ليها إنهم إدوني إعفاء من التجنيد.. ولما وضحت
ليها إنهم قبلوني في الجيش.. ردت "عارفة.. يعني نحمد ربنا ونبوس إيدينا وش
وظهر.. هو أنا هفرح لما يطلع عندك ثقب في القلب عشان ما تدخلش الجيش.. ولا عينك
بايظة..".. سبتها ودخلت نمت.. وتاني يوم روحت إدارة التجنيد على أمل العودة
للبيت.. ما رجعتش.. ورحلونا على مركز التدريب في حلمية الزيتون.. 40 يوم  ما أخدتش إجازة.. حظي إني دخلت الجيش أيام غزو
العراق للكويت.. لما فتحوا الزيارات بابا جه مع جمال شوقي، وقعدوا في ملعب الكورة
مع عائلات العساكر.. لما شفت بابا من بعيد دموعي نزلت وعيطت.. وأنا داخل عليه قام
وقف سلم عليه من غير حتى ما يبوسني.. طريقته في السلام وحكاياته عن خدماته لبلده..
خلتني أمسح دموعي. عشان ما يشوفهاش.. مرة بحكي الحكاية ديه لجمال شوقي بعد سنين
وأنا بضحك.. لقيته بيقولي أقولك سر "عم محمد بعد ما خرجنا من عندك من مركز
التدريب.. قعدنا في قهوة في ميدان الحليمية قعد يعيط نص ساعة".

... الزيارة
التانية كانت في نص الأسبوع على غير العادة.. استدعاني ضابط عظيم مركز التدريب بعد
انتهاء الطوابير.. في مكتبه لقيت فريدة قدامي.. بتتفاوض مع الضابط عشان تدخل
الزيارة اللي معاها.. وهو بيقنعها إن الكميات اللي عايزة تدخلها ممكن تتسبب في
محاكمتي بتهمة التجارة في البضائع بين العساكر.

ـ ليه يا عم
هشام.. كان معاها إيه؟

ـ كانت حاطة
الحاجة في شنطة سفر.. (2 قرص جبنة رومي، 2 برطمان نس كافيه فرنساوي، 3 أنواع
مختلفة معجون حلاقة.. ده غير 4 زجاجات لسيون ما بعد الحلاقة.. ورنيش وصبغات
للأحذية من الأنواع المستوردة، أكثر من 50 علبة أكلات محفوظة.. علبة شاي فتلة..
كبيرة.. أكل مطبوخ ملفوف في ورق ألومونيوم، خراطيش سجاير سوبر).

... الضابط اشترط
أن يتم تقسيم الحاجات دي بالنص.. وإلا لن يسمح بدخول أي حاجة.. فريدة رفضت  ترجع ببقية هذه الأشياء وطلبت منه أن يقوم هو
بتوزيع الجزء الباقي على العساكر.. بعد خروجي من مركز التدريب.. عادت المقابلات بيننا
في شقتها.. اختفت الستات من حياتي تمامًا.. وما بقاش فيها إلا فريدة، نتقابل
أحيانًا بالليل في شقتها أو الصبح بدري.. أو أيام الإجازات.. كنت محتاج ليها
معنويًا.. وماديًا أكثر.. بعد ما توقفت عن العمل في الجرائد والمجلات تمامًا وأصبح
ما ينشر لي أعمال شرفية حتى لا ينسوا اسمي، تحملت معي عبء هذه المرحلة بجدعنة.

ـ ثواني يا عم
هشام والنبي.. ليه المقابلات رجعت في شقتها.. الشقة راحت فين؟

ـ سبتها لظروف
عائلية.. المهم بعد خروجي من الجيش، وقعت في واحدة اصطادتني من دون أن تبذل أي
مجهود.. ألقت بشباكها مستغلة أحزاني بسبب موت أمي من فترة قريبة.. وهزيمتي
العاطفية الكبرى.  اندفعت معاها في علاقة
مجنونة، رضيت على نفسي أكون في الظل أكتب موضوعاتها الصحفية، صنعت منها نجمة في
الوسط الصحفي في شهور قليلة، بقوا يحجزوا ليها غلاف مجلة أسبوعية شهيرة.. اختفيت
من الوجود الصحفي، ورضيت على نفسي أكون تابع ليها.. وعشان تكتمل الكارثة.

ـ ممكن أسأل
سؤال!!

بعصبية شديدة..
لأني كنت عارف السؤال..

ـ أكيد عن هزيمتي
العاطفية الكبرى.. وأنا مش مسموح لي بالرد!

ـ آسف.. إيه
الكارثة اللي حصلت؟

ـ طلبت مني
أتجوزها رسمي عند المأذون، بعد علاقة سنتين.. علاقة زوج وزوجة.. ما تسألنيش من
فضلك ليه أنا وافقت.. عشان ما عنديش إجابة! بعد فترة طلبت أوقع ليها على (قائمة
منقولات).. رغم إننا أصلًا لم نشتري عفش أو أي أثاث، وما كانش عندنا شقة من أصله..
عرفت تلف دماغي وتقنعني إن (القايمة) ضمان ليها عشان لو فكرت أغدر أو ألعب بديلي..
مش هانكر إني خنتها.. بس ده كان رد فعل للكلام اللي محاصرها والإشاعات اللي
محاصراني، كنت باشوف نظرات استهزاء بتقتلني من زملاء في الجرائد، عارفين سيرتها..
لما عرفت إني خنتها طلبت الطلاق.. خدتها على المأذون من غير ما أفكر، نفس المأذون
اللي كتبت الكتاب عنده.. المأذون عشان صاحبي من أيام المعهد الازهري في شبرا.. بدأ
يبعت ليه إشارات في كلامه عشان أفهم.. من نوعية أنا مش مسئول عن أي ورقه كتبتها
بعيد عن المكتب.. عايز يقولي. وقف إجراءات الطلاق لو مخلياك تكتب (قائمة). بكاؤها
الهستيري.. وصريخها الجنوني.. خلاني اتعميت.. كنت عايز أخلص بسرعة من أم الموقف
ده.

... وافقتها وخليت
المأذون يكتب قبل الدخول! ما اعترضتش! بعد يومين.. لقيت بابا بيكلمني على تليفون
الجورنال.. بيبلغني إنها رفعت قضية تبديد منقولات، وإن المُحضر لسه ماشي من عنده
بعد ما سلمه الإعلان. حطيت السماعة واتفتحت في العياط.. ما كنتش خايف من القضية
ولا البهدلة ولا السجن.. إزاي أقدر أواجه بابا.. إزاي أحط عيني في عينه.. ده جزاؤه
إنه إداني الحرية عمري كله.. ما عرفتش أواجهه.. الغريب إني كنت باشتغل بنظام دقيق
جدًا.. مفيش مرة رئيس التحرير اشتكى إن شغلي مستواه اتراجع أو اتأثر. 

... بس بالليل..
أفضل أشرب لغاية الصبح.. وأنام في الجورنال.. أهملت في هدومي وشكلي، دقني بقى
شكلها يقرف.. بقيت شكل المدمنين.. لما كنت أشوف اثنين بيتكلموا، بصوت واطي..
أفتكرهم بيتكلموا عني.. إحساسي بالفضيحة اتملكني.. وبقى هو المسيطر على تفكيري،
بعدت عن قهوة (فيينا).. تجمع الزملاء في الجورنال مع رئيس التحرير.. لغاية ما
قابلت صدفة.. د. نائل السودة.. طبيب نفسي وبيكتب زاوية أسبوعية في الجورنال.. دار
بينا حوار شبه عادي.. بس أنا كنت مش عايز أبص ليه.. عيني كانت في الأرض.. مش عارف
ليه أنا اللي فتحت معاه الحكاية.. كنت عايز أعرف بيتقال عني إيه بالليل في قعدة
القهوة. 

... بهدوئه اللي
بحسده عليه رد:

"بس ده من
أسبوع.. فيه حكايات جديدة وفضائح ثانية وأبطال جدد.. إنت ليه فاكر إن العالم متوقف
عشان قصتك.. هو ده اللي مخليك حابس نفسك.. صدقني حكايتك خلاص بقت قديمة.. ما حدش
فاكرها".

... وليد نصر
زميلي في الجورنال.. بلغني رسالة من أبويا بيقولي فيها "عيب إنت راجل.. مش
موقف زي ده اللي يهزك.. وبعدين أنا من إمتى اتخليت عنك".. في اليوم ده روحت
البيت.. بابا خدني في حضنه.. قعدنا نتكلم.. قال لي "فاكر يوم موت أمك.. إنت
اللي خلتني أتماسك.. لما قلت ليه: بابا أنا خلاص.. ما ليش غيرك.. إنت فاكر بعد
الكلمة ديه ممكن أتخلى عنك". 

... قبل الجلسة
الأولى من القضية.. روحت مع صديق صحفي رياضي معروف لمحامي شهير.. أيوه  هو بغباوته، تعامل مع القضية بتعالي، وسلم
الدعوى لمحامي في مكتبه ومشينا.. في أول جلسة 
ما حضرش المحامي معايا.. لأنه محبوس في قضية تعدي على محامي.. القاضي هبدني
شهر.. سجن! وبدأت رحلة في حياتي مع المحاكم ومطاردات تنفيذ الأحكام.. ورشاوى
المخبرين.. عشان ما اتخدش لتنفيذ الحكم.. لدرجة إن في مرحلة معينة من التقاضي، كنت
باروح أنام في بيت طاهر أخويا في إمبابة.. لغاية الجلسة الأخيرة ما بقاش عند
المحامي بتاعي حيل قانونية يتلاعب بيها من أجل تأجيل القضية، قبل الجلسة ديه
بالليل سهرت على القهوة مستسلم لمصيري.. قبل الفجر تقريبًا.. مقدم البرامج ممدوح
موسى جه مخصوص للاطمئنان على سير القضية..

... أيوه ممدوح
موسى.. ما يهمنيش رأيك فيه أو رأي حد تاني فيه كمقدم برامج.. أنا باكلمك عن ممدوح
موسى صاحبي.. ممدوح الجدع صاحب صاحبه.. الشهم ابن الناس الطيبين اللي زي أهلي
وأهللك.. طلبت من ممدوح  نروح  السيدة نفسية.. للزيارة.. لما نزلت  من عربيته شفت قدامي  ست لابسة أبيض في أبيض.. أصرت تسلم عليّ
بالإيد.. ما طلبتش مني حاجة. 

وهي بتودعني..
لقيتها بتقول: 

ـ منصور إن شاء
الله. 

ابتسمت في وشها..
وكملت خطواتي إلى داخل الضريح.. قدام المقام الشريف اتفتحت في العياط بحرقة شديدة
قوي.. وشكرت ربنا على هذا البلاء.. فاكر إني قلت ليه: 

"يا رب إن
كان هذا الحكم يطهرني من ذنوبي.. أنا راضي جدًا.. يا رب إنت أعلم إني ارتكبت كثير
من الذنوب.. لا يمكن إن يكون عقابها شهر سجن! يا رب أنا راضي بحكمك في ذنوبي.. لكن
هذا الذنب لم أرتكبه.. إنت يا رب عارف إني مظلوم.. بحق سيدنا النبي.. وبحق صاحبة
المقام الشريف.. يا رب.. لا تحاكمني على ذنب لم أرتكبه.. طهرني يا رب من
ذنوبي"..

بعد هذه الوصلة من
الدعاء والصلاة.. تملكتني حالة من الوجد الرهيبة والصوفية والنقاء.. لم أعشها في
حياتي.

ـ نسيت أقولك يا
عم وليد..

... رغم كل الظروف
دي والمشاكل اللي مريت بيها.. قبل القضية ما تخلص.. اتقدمت لمراتي وخطبتها
وصارحتها وصارحت أهلها بكل تفاصيل القضية.. وكانوا كرما معايا وحسوا إني مظلوم..
لدرجة قبل الحكم الأخير في القضية اللي كان بنسبة 99% في غير صالحي.. روحت قابلت
مراتي وإحنا لسنا مخطوبين.. وحطتها في الصورة معايا.. وإن ممكن بكره أكون نزيل سجن
الاستئناف.. وأحطها في اختيار تكمل معايا ولّا كل واحد يروح في طريقه.. ردها قلب
علاقتي بيها من واحدة متقدم ليها عن طريق زواج تقليدي.. لزوجة وحبيبة وصديقة:

"مشكلتك إنك
عمرك ما عرفت ولاد ناس".. روح اتحبس وأنا مستنياك.

ـ مدام عبير صح..

ـ يا سيدي أيوه
مدام عبير.. هو أنا متجوز غيرها.

ـ معلش يا عم
اعذرني.. إنت الليلة دية بتقول قنابل..

ـ بعد ما رجعنا من
السيدة نفسية.. روحت على البيت في شبرا ونمت.. نومة  ما حصلتش من شهور طويلة، بسبب مطاردات مخبرين
تنفيذ الأحكام.. وأنا نايم أمي صحتني في الحلم 
قعدت تهزني بعنف.. "قوم إنت خايف ليه.. ما تخفش.. أنا روحت زورت جدك
الشيخ الجوهري.. وجدك الشيخ محمد عبد العزيز.. هما وعودوني خلاص يقفوا معاك ما
تخفش.. أنا عارفة إنك مظلوم"..

ـ صحيت يا
وليد  من النوم في بطني بطيخة صيفي.

 ... خدت بنصيحة المحامي بتاعي وما رحتش معاهم
المحكمة.. حسين لما رجع شبرا حكى لي عن حاجات حصلت في قاعة المحكمة، ما حدش ممكن
يصدقها، عدت حدود المنطق والقانون.. لما القاضي طلب حضوري للمنصة...

أمها ردت
"هربان يا فندم.. بعد ما الطب الشرعي أثبت صحة توقيعه"..

ـ والنبي تهدا
عليّ شويه... هي أمها محامية؟

ـ بص.. أمها حسب
كلامها معايا خريجة تجارة.. كان حلمها تشتغل محامية.. كل يوم بتصحي تروح تقعد في
قاعات المحاكم تتابع القضايا...

المحامي بتاعي كان
فاكرها محامية.. من كثر ما بتتكلم بمواد القانون.. والأدهى إنها عارفة كمان
التعديلات..

سيبني بقى أكمل
الحكاية مش عايز أنسى...

... المحامي بتاعي
طلع من شنطته ورقة بيضاء.. أقسم لي إنها بيضاء.. مش مكتوب فيها سطر واحد..  وقال للقاضي "ده محضر صلح يا فندم..
عايزين نديها حاجتها.. وهي رافضة"..

القاضي لقى الورقة
البيضاء أمامه على المنصة، ووجه كلامه لأمها.. "الراجل عايز يصطلح يا ست..
إنتي عايزة تسجينيه وخلاص.. يكفيك قد إيه يا أستاذ عشان تديها حاجتها"..

"اللي تشوفه
يا فندم"..

وبدأت القضية من
رقم صفر.. وسحب المحامي الورقة البيضاء من قدام القاضي.. حتى لا يصدر قرارًا بحبسه
هو.. وانتهت القضية بالتفاوض والصلح.. بعد أن أيقنت هي وأمها أن القضية ستأخذ
سنوات جديدة في المحاكم.

... بعدها قابلت
مصطفى ابن خالي.. أبويا في الطريق.. وأخبرني أنه شاهد الشيخ فرغلي شيخي في رؤيا..
والشيخ طلب منه يبلغني أحاسب.. المرة ديه قرصة ودن..بعد كده السجن.. في الوقت ده
الشيخ فرغلي كان انتقل إلى رحمة الله.. ولكن ظل ملازمني.

ـ مش بقولك.. إنت
حكاية يا عم هشام.. مين الشيخ فرغلي؟!

بمناسبة الشيخ
فرغلي طلبت من وليد نروح سيدنا الحسين نزور.. ونكمل كلامنا في الطريق.. في العربية
سحبت شريط للمنشد (ياسين التهامي) مزاجي كان طالب أسمعه قوي..

ـ الشيخ فرغلي يا
وليد شيخي في الطريق.. في الصوفية.. بيني وبينه عهد..أول مرة شفته لما جرس بيتنا
في شبرا ضرب.. ولقيت مصطفى بيومي وكرم أخوه ولاد خالي وولاد عمتي في نفس الوقت..
لسه جايين من سمنود.. بعد السلام على خالهم وعمتهم.. أصروا إني ألبس هدومي وأنزل
أروح معاهم مولد السيدة زينب.. قعدت أتريق وأقل أدبي "مولد إيه يا عم.. حلوا
عني أنا ما ليش في السكة دية.. مصطفى عرف يضحك عليّ وقالي هو حد قالك تعالى صلي
واقرأ قرآن.. تعالى معانا اتفسح.. عيش الجو الفولكلوري ده.. عجبتني الفكرة.. دخلت
خدت حمام.. ولبست هدومي ونزلت معاهم.

... في ميدان
السيدة زينب.. طلب مني مصطفة أقرأ الفاتحة (للست).. عادي.. هو أنا خسران حاجة..
نقرا الفاتحة.. خدوني على شقة في شارع سيدي 
زين العابدين اللي جمب قسم السيدة زينب.. دخلنا.. لقيت ناس كثير قاعدين على
الأرض.. ماسكين كتب صغيرة.. مش مصاحف.. وفيه شيخ وقور  قاعد على كنبة بسيطة.. لحيته بيضاء حريرية..
أول ما شافنا .. شاور بإيده لمصطفى ابن خالي إننا نروح  ليه.. "هات ابنك يا دكتور مصطفى وتعالوا..
هنا"..

... مش عارف ليه
مصطفى جري عليه وباس إيده.

... بعد كده عرفت
إن في الصوفية اللي بيخلي واحد يقرأ الفاتحة لأول مرة.. بيقى الواحد ده ابنه في
الطريق.. يعني أنا ابن مصطفى في الصوفية.. قعدنا على الدكة جمب عم الشيخ فرغلي
قربني منه.. وأخذ يتبادل معي النظرات.. نظرات طيبة ولكن كلها عتاب.. ما كنتش فاهم
ليه؟ أنا أول مرة أشوف الشيخ في حياتي.. الشيخ طلع  علبة السجائر بتاعته.. إداني سيجارة.. وحط بقه
في ودني عشان ما حدش يسمع من اللي قاعدين ويفضحني.. 

"إنت ليه
مزعل منك السيد البدوي يا قاضي الشريعة"..

... ما فهمتش يقصد
إيه؟

"هو إنت برضه
مش قاضي شريعة.. مش بتدرس في كلية الشريعة والقانون! السيد البدوي زعلان منك
ليه؟".. 

والشيخ بيتكلم..
دماغي لعبت.. وذاكرتي بدأت تعيد مشاهد معينة بتحصل ليه في طنطا من شهور، ما فيش
مرة بارتب إني أزور سيدنا السيد والزيارة بتم، 
دايمًا حاجة بتعطلني.. مرة ألاقي قدامي الأتوبيس اللي بيروح الجامعة فاضي..
أجري أركبه.. ومرة ألاقي ميعاد القطار العائد للقاهرة اقترب.. فعلًا سيدنا السيد
مش عايز يشوفني..

في اللحظة ديه..عم
الشيخ فرغلي ـ رضي الله عنه ـ قطع صمتي:

"افتكرت يا
قاضي الشريعة"..

سحبت إيده
أبوسها.. طبطب على كتفي بأبوة.. 

"ما تخافش..
أنا سويت الأمور بينك وبين سيدك السيد.. أول مرة تروح الكلية.. تصلي الصبح في
البيت.. وفي طنطا.. توهب ليه سورة "ياسين".. وابقى سلم عليه.. وقوله
الشيخ فرغلي بيسلم عليك..

في الجلسة ديه..
اتعرفت على واحد اسمه صلاح.. بلديات ولاد عمتي من (سمنود).. الشيخ خد إيده.. حطها
على إيدي.. وقرأنا معاه الفاتحة.. عم الشيخ فرغلي خَوَاني ـ آخى بيننا ـ أنا وصلاح
في الله.. وخدنا معاه عهد.

...كثير قوي لما
كنت أروح عند عمتي في (سمنود).. تبقى قعدتي في دكان عبد الحميد الشعراوي.. ما فيش
مرة روحت عند عبد الحميد إلا وألاقي صلاح ورايا على طول.. قلبي كان حاسس إني
هلاقيك.

دكان عبد الحميد
زواره كلهم دكاترة ومهندسين وضباط ومقاولين وعمال وفلاحين.. أغنياء وفقراء..
متعلمين وبسطاء.

... بس كلهم
بيتلموا عند عبد الحميد الشعراوي حبًا وكرامة في سيدنا النبي.. وآل بيته.. بس ما
يمنعش طبعًا.. شوية سياسة في الحوارات.. على حكايات مني عن الفنانين والفنانات..
أكثر حاجة حببتني في الناس دول.. إنهم عمرهم ما خدوني بالشدة ولا كشروا في وشي..
دايمًا عندهم مبررات لسوء سلوكي.. ومعلش.. بكره حيبقى كويس.

فاكر لما مصر كلها
اتكلمت عن سيدي الشيخ صالح أبو خليل في الشرقية..

ـ والمصحف يا عم
هشام كنت هسألك رأيك إيه في الراجل ده؟

ـ روحت عنده مرة
زيارة الشرقية مع ابنة عمتي ومراتي.. لما دخلت على الشيخ صالح أبو خليل.. في
جلسته.. قبلت إيده.. وجلست بجواره.. طوال الجلسة لم ينظر نحوي.. ولكن نظراته كانت
متجهة نحو الباب.. لما طلبت دعاءه لي.. رد علي رد أذهلني.. "شيخك أولى
بيك"..لم أتعمق في المعنى الباطني للرد.. وتعاملت مع ظاهره.. وغضبت جدًا
واعتبرتها قسوة.. حتى التقيت أحد شيوخي في الصوفية.. وحكيت له تفاصيل الواقعة
كاملة.. ربت على كتفي.. وفاجأني بكلامه:

"عارف عمك
الشيخ صالح عينه لم تلتقي بعينك ليه.. وكانت نظراته فين.. كانت مع الشيخ فرغلي
اللي كان في ظهرك.. هو الأب بيسيب ابنه.. عارف لو عمك الشيخ أبو خليل شيخ (فشنك)..
كان على طول قالك تعالى اقرأ فاتحة معايا وخد عهد.. بس هو بيشوف.. وعارف إن ما فيش
عهد على عهد.. ولا فاتحة على فاتحة.. وإن شيخك أولى بيك.. صحيح عم الشيخ فرغلي
شيخي وتاج رأسي.. الفاتحة بقى لعم الشيخ فرغلي. 

بعد انتهائنا من
قراءة الفاتحة.. وأنا باستعد لدفع الحساب في (الفيشاوي)... بخجل سألني:

ـ عم هشام..
وفريدة خرجت من حياتك إزاي؟

ـ ياه.. إنت لسه
فاكر.. 

ولا حاجة.. واحد
صاحبي عمل معايا زي ما أنا عملت مع حسين.. راح قال ليها.. إني غرقان لشوشتي مع
واحدة تانية.

ـ ممكن أسألك
سؤال.. بس والنبي ما تزعل مني.. إنت ليه حكيت لي كل ده؟

ـ عشان إنت الوحيد
اللي عارف إنه بيحبني وممكن يرد غيبتي.

ـ عم هشام.. إنت لازم تسافر؟

الحكاية رقم 19 من كتاب (قبض الريح ايام وراحت)

صدرت للكاتب هشام يحيي 2013