بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

دكتورة د حنان فتحى.. تكتب لبوابة الدولة الاخبارية .. كازاخستان ونقل السلطة

-

دكتورة د حنان فتحى رئيس وحدة الدراسات المالية والاقتصادية بمركز الحوار للدراسات السياسية والاعلامية .. تكتب لبوابة الدولة الاخبارية .. كازاخستان ونقل السلطة



السلطة ور ونقها... السلطة وبريقها ... السلطة وزينتها، كثيرا ما تترد مثل هذه الكلمات حينما يصل فردا إلى منصب ما او يتولى وظيفة مرموقة يحاول جاهدا الحفاظ عليها بكل السبل والوسائل. وإذا كان هذا الامر مشروعا انسانيا بحيث يتنافس الجميع للوصول إلى أعلى المناصب، إلا أن المشروعية تظل مرهونة بأمرين: الاول مدى اهلية هذا الفرد لتولى هذا المنصب، مع الاخذ فى الاعتبار الاهلية بمفهومها الواسع وخاصة الاهلية البدنية (الصحية). أما الامر الثانى، فهو مرتبط بالامر الاول، فإذا كان الفرد قادرا بدنيا يصبح لديه القدرة على العطاء وإن كان ذلك ليس شرطا، فهناك بعض المسئولين قادرين بدنيا ولكنهم لا يقدمون عطاءا. فى ظل توافر هذين الشرطين، يظل الاحتفاظ بالسلطة والسعى لتملكها امرا مشروعا، ولكن الازمة تقع عند غياب أحد هذين الشرطين فى حين يظل الفرد حريصا على الاحتفاظ بهذه السلطة وهو ما يجعل التغيير امرا حتميا، وتظل خطورة التغيير فى آليته ووسيلته هل هى سلمية ام غير سلمية؟

كل تلك المقدمة للاشارة إلى التجربة المتميزة التى اقدم عليها الرئيس "نزارباييف" رئيس كازاخستان بتقديم استقالته فى مارس الماضى (2019) بعد ان ظل حاكما ثلاثين عاما منذ استقلال جمهورية كازاخستان عن الاتحاد السوفيتى الذى تفكك فى اوائل تسعينيات القرن العشرين. ومن دون الغوص فى تفاصيل عملية الاستقالة، يمكن قراءتها فى ضوء ثلاثة مؤشرات: الاول، أنها المرة الاولى التى تشهد دولة فى منطقة آسيا الوسطى قيام رئيسها بتقديم استقالته من منصبه وهو ما يعطى كازاخستان اسبقية فى مجال التغيير السلمى للسلطة ونموذجا يمكن لكثير من بلدان العالم خاصة فى المنطقة العربية من الاستفادة منه، المؤشر الثانى يتعلق باجراءات ترتيب الانتقال السلس للسلطة، إذ التزم الجميع بما فيهم الرئيس "نزارباييف" بما نص عليه الدستور الكازاخى بأن يتولى رئيس مجلس الشيوخ منصب الرئاسة مؤقتا لاستكمال فترة الرئيس السابق والدعوة لانتخابات رئاسية بعد انتهاء هذه المدة، وهو ما يعطى مؤشرا إلى ما وصلت إليه كازاخستان من حرص على سيادة القانون وترسيخ دولة المؤسسات. فى حين يعكس المؤشر الثالث حالة الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى التى ظلت عليه كازاخستان مع انتقال السلطة، فلم تشهد البلاد أية اضطرابات سياسية او انعكاسات اقتصادية مع هذا التغير المفاجئ، وهو ما يعكس المستوى الثقافى والمعرفى الذى وصل إليه الشعب الكازاخى فى كيفية النظر إلى السلطة وادارتها وأن الرئيس هو مؤتمن على مصالح الشعب وافراده وان تغييره فى اطار المشروعية القانونية لا يهدد الامن والاستقرار المجتمعى.

ملخص القول إن كازاخستان بفضل الرئيس السابق" نزارباييف" تظل مصدرا للالهام الدولى والاقليمى والمحلى فى ظل تعددية المبادرات التى كان يطلقها الرئيس بشأن مختلف القضايا الدولية والاقليمية  ولعل مبادرة التخلى طواعية عن السلاح النووى تظل علامة فارقة فى حياة كازاخستان، وتأتى مبادرته بالاستقالة وافساح المجال امام كوادر جديدة لتولى المسئولية لتضيف بعدا جديدا فى سجل جمهورية كازاخستان.