بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الدكتورة نادية هنرى تكتب: عندما تتحوّل «أخطاء الإعلام» إلى تهديد للوحدة الوطنية

الدكتورة نادية هنرى
-

لم تعد بعض الأخطاء الإعلامية مجرد زلات مهنية عابرة يمكن تجاوزها بالاعتذار أو التبرير، بل باتت في أحيان كثيرة مدخلا خطيرا للمساس بثوابت المجتمع وضرب ركائز التعايش المشترك، وهو ما تجلى بوضوح في التصريحات التي بُثت عبر إحدى القنوات الفضائية وتناولت نصوصا مقدسة في العقيدة المسيحية بشكل ينطوي على تشويه وتضليل وإسقاطات غير مسؤولة، الأمر الذي تجاوز حدود الرأي إلى مساحة الخطر المباشر على الوحدة الوطنية
المسألة هنا لا تتعلق باختلاف فكري أو قراءة دينية متباينة، بل بخطاب إعلامي يُنتج صورة ذهنية ملغومة، تزرع الشك وتفتح الباب لتأويلات تمس انتماء شريحة أصيلة من أبناء الوطن، وتُلمح على نحو فج إلى ولاءات غير وطنية، في تناقض صارخ مع تاريخ طويل من الشراكة الوطنية التي لم تعرف فرزا ولا تمييزا بين مسلم ومسيحي
الأخطر من مضمون الطرح ذاته، هو غياب الاعتراف الحقيقي بالخطأ، وتحويل النقد المشروع إلى اتهامات جاهزة بإثارة الفتنة، وكأن الدفاع عن العقيدة أو رفض الإساءة إليها جريمة، بينما الاكتفاء باعتذار شكلي لا يعالج الأثر النفسي ولا يمحو الضرر المجتمعي الذي طال وجدان الملايين
ولا يمكن فصل ما جرى عن الإطار الدستوري الذي ارتضاه المصريون عقدا حاكما للدولة والمجتمع، فالدستور المصري جاء واضحا وحاسما في هذه القضايا، إذ تنص المادة 53 على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأن التمييز بسبب الدين أو العقيدة جريمة، وتؤكد المادة 64 أن حرية الاعتقاد مطلقة، وأن الدولة تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية وصيانة دور العبادة، كما تحظر المادة 71 أي دعوة للكراهية أو التمييز أو الطعن في الأديان، وهي نصوص لا تحتمل التأويل ولا تسمح بالاجتهاد خارج حدودها
وتكتمل هذه المنظومة بنصوص قانون العقوبات التي لم تُشرع لتكميم الأفواه، بل لحماية المجتمع من الانزلاق إلى الفوضى، حيث تجرم المادة 98 و كل قول أو فعل ينطوي على ازدراء الأديان أو تحقير أتباعها، كما تجرم المادة 102 مكرر كل ما من شأنه تعكير السلم العام أو الإضرار بالوحدة الوطنية، وهي مواد تعكس فلسفة قانونية تعتبر التعايش الديني خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه تحت أي مسمى إعلامي أو ادعاء ثقافي
وتتعالى هنا مسؤولية الإعلام باعتباره شريكا في بناء الوعي لا أداة لهدم الثقة، فحرية التعبير لا تنفصل عن المسؤولية، والمنابر الإعلامية ليست ساحات للتجريب أو البحث عن الإثارة الرخيصة، بل منصات يفترض أن تحترم العقل الجمعي وتحافظ على النسيج الوطني، وتدرك أن العبث بالمقدسات ليس رأيا، بل وقود فتنة
إن الوحدة الوطنية لم تكن يوما شعارا مناسباتيا، بل كانت وما زالت تاج هذا الوطن وسره في مواجهة كل العواصف، والمساس بالعقائد الدينية لأي مكون مصري هو مساس مباشر بأمن المجتمع واستقراره، ومن ثم فإن التعامل مع مثل هذه التجاوزات يجب أن يكون حاسما وعادلا، تطبيقا للقانون، وحماية للدستور، وضمانا لعدم تكرار الانتهاك بحق أي عقيدة على أرض مصر،فالاحترام المتبادل ليس خيارا، وصون المقدسات ليس مجاملة، والوحدة الوطنية مسؤولية الجميع، من الإعلام قبل غيره