الدكتورة نادية هنرى تكتب: عام جديد.. ووعى جديد لكل منا

كيف نستقبل عامًا جديدًا بقراءة واقعية للتحديات، دون تهويل أو استسهال لا يعني بدء عام جديد أن العالم سيكون أسهل، ولا أن التحديات ستختفي مع تغيّر التقويم.
فالعالم، كما هو، يمتلئ بالفرص والصعوبات معًا، والفارق الحقيقي بين عام وآخر لا تصنعه الأحداث بقدر ما تصنعه قدرتنا على قراءتها، وفهمها، والاستجابة لها بوعي ومسؤولية.
من هذا المنطلق، لا تبدو الأمنيات العامة كافية، ولا الشعارات المطمئنة صادقة دائمًا. فالواقع غير متساوٍ، والأدوار مختلفة، والمسؤوليات لا تتشابه.
لذلك، تأتي هذه الأمنيات موجّهة، كلٌ بحسب موقعه ودوره في الحياة والمجتمع.
للشباب أن يجدوا المساحة لاكتشاف قدراتهم الحقيقية، وأن يواجهوا التحديات بشجاعة، ويدركوا أن الخطأ ليس فشلًا بل جزء من مسار التعلّم.
أن يبنوا وعيهم بأنفسهم، ويستثمروا وقتهم في تنمية حقيقية، ويتعلموا التمييز بين ما يستحق الانتباه وما هو مجرد ضجيج وضغط خارجي. للأمهات أن يجدن القوة والهدوء وسط الأعباء اليومية، مع الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية.
أن يشعرن بقيمة ما يقدمنه، وألا يُلغين ذواتهن تحت وطأة المسؤوليات، وأن يستمررن في تربية الأبناء بوعي وصبر، بعيدًا عن القوالب والضغوط المفرطة.للآباء أن يكونوا قدوة في الصبر والانضباط، ويوازنوا بين الحزم والاحتواء. أن يصغوا أكثر مما يحكموا، وأن يبنوا علاقة واعية مع أبنائهم، قائمة على الفهم لا الخوف، وعلى المسؤولية لا السيطرة.
للمسؤولين والمؤثرين على الرأي العام أن يتحمّلوا مسؤولية الكلمة، وأن يقدّموا قراءة دقيقة للواقع بعيدًا عن التهويل أو التبسيط المخل. أن يدركوا أن تشكيل الوعي أمانة لها أثر طويل المدى، وأن استخدام المنصات يجب أن يكون بحكمة لا بدافع اللحظة أو المكاسب السريعة.
لذوي السلطة الدينية أن يوازنوا بين الخطاب الروحي وفهم الواقع الاجتماعي والسياسي. أن يعزّزوا قيم الرحمة والتسامح، وألا يتحول الدين إلى أداة للتضخيم أو الإقصاء، بل مساحة للوعي والطمأنينة والمسؤولية.
للبرلمانيين أن يكونوا ممثلين حقيقيين للشعب، لا ممثلين عليه.
أن يكونوا صوتًا صادقًا يعكس احتياجات الناس وتطلعاتهم، لا صدى لسياسات جاهزة.
وأن يمارسوا دورهم في الرقابة والتشريع بشفافية ومساءلة حقيقية.
لصنّاع القرار والحكومة أن يقرأوا الواقع بوضوح،ويخططوا بعقلانية للعام القادم.
أن يكونوا صادقين مع المواطنين في تقدير حجم التحديات وإمكانات الحل. وأن يستثمروا في التعليم والوعي والإصلاح الجاد،
بوصفها ركائز أي استقرار حقيقي.
لجميعنا أن نستقبل العام الجديد بوعي، يدرك أن الخسائر جزء لا مفرّ منه من مسار الحياة. أن نتحمّل ما لا يمكن تفاديه،
ونسعى لتقليل ما يمكن تقليله، ونتعايش بوعي مع ما لا نستطيع تغييره. وأن نتغيّر إلى الأفضل عبر نمو إنسانيتنا، دون تخلٍّ عن المحاولة،
ودون قسوة على الذات أو الآخرين.
العام الجديد لا يعد بعالم مثالي، لكنه يفتح بابًا لقراءة أصدق للواقع. وبين الوعي والمسؤولية، قد لا نغيّر كل ما حولنا، لكننا بالتأكيد نغيّر طريقة مواجهتنا له.

