في ذكرى رحيل سناء جميل.. مسيرة فنية خالدة من المسرح إلى ذاكرة الفن المصري

تحلّ اليوم ذكرى رحيل الفنانة القديرة سناء جميل، واحدة من أبرز رموز الفن المصري، التي قدّمت عبر مسيرتها إرثًا فنيًا ثريًا ومتنوعًا شمل السينما والمسرح والتليفزيون، وأسهمت بموهبتها الفريدة في إثراء الحركة الفنية والثقافية المصرية على مدى عقود طويلة.
وُلدت سناء جميل، واسمها الحقيقي ثريا يوسف عطا الله، في مركز ملوي بمحافظة المنيا عام 1930، كان والدها يعمل بالمحاماة، فيما كانت والدتها خريجة كلية البنات الأمريكية بأسيوط.
انتقلت مع أسرتها إلى القاهرة في سن مبكرة، حيث التحقت بإحدى المدارس الفرنسية، وأكملت تعليمها حتى المرحلة الثانوية، الأمر الذي أسهم في تكوين ثقافة واسعة انعكست لاحقًا على أدائها الفني.
ومنذ طفولتها المبكرة، شاركت في عدد من العروض المسرحية باللغة الفرنسية، ما رسّخ بداخلها حب الفن مبكرًا، وعلى الرغم من معارضة أسرتها، التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت فيه عام 1953، ثم انضمت إلى فرقة فتوح نشاطي المسرحية، لتبدأ مسيرتها الفنية معتمدة على موهبتها وإصرارها.
جاءت انطلاقتها الحقيقية من خشبة المسرح، حيث لفتت أنظار الفنان الكبير زكي طليمات خلال مشاركتها في مسرحية "الحجاج بن يوسف"، فاختار لها اسم "سناء جميل" الذي اشتهرت به لاحقًا.
وقدمت بعد ذلك مسرحية "زواج الحلاق"، والتي حضر أحد عروضها الدكتور طه حسين، فكتب عنها مقالات عدة أشاد فيها بموهبتها الاستثنائية، ما شكّل دفعة قوية لمشوارها المسرحي، كما شاركت بعدها في عدد من أعمال المسرح القومي البارزة، من بينها: "بيت من زجاج"، "سلطان الظلام"، و"الناس اللي فوق" وغيرها.
وشكّل فيلم "بداية ونهاية" عام 1960 نقطة التحول الأهم في مسيرتها السينمائية، من خلال أدائها المؤثر لشخصية "نفيسة" في رواية نجيب محفوظ، وهو الدور الذي رسّخ مكانتها وشهرتها الواسعة، إلا أن أحد مشاهد الفيلم أمام الفنان عمر الشريف تسبّب لها في ضعف دائم بإحدى أذنيها.
تميّزت سناء جميل بقدرة لافتة على تجسيد الشخصيات المتناقضة والمتنوعة، إذ أبدعت في تقديم أدوار السيدة الأرستقراطية الفرنسية، والمرأة الريفية القوية، والتاجرة الصلبة التي تواجه الرجال بشجاعة، فضلًا عن الشخصيات المركبة ذات الأبعاد الإنسانية العميقة.
وقدمت خلال مشوارها السينمائي عددًا كبيرًا من الأعمال المهمة، من أبرزها: "الزوجة الثانية"، "الشوارع الخلفية"، "المجهول"، وفيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" أمام أحمد زكي.
وعلى شاشة التليفزيون، أصبحت واحدة من أيقونات الدراما المصرية الخالدة، من خلال مشاركتها في مسلسلات مميزة مثل: "خالتي صفية والدير"، "البر الغربي"، "الرقص على سلالم متحركة"، "الراية البيضا"، و"ساكن قصادي".
كما شاركت في عدد من المسلسلات الإذاعية، من أبرزها "شخصيات تبحث عن مؤلف" عام 1961،"الشيطان والخريف"، "سيداتي آنساتي"، إلى جانب العديد من السهرات التلفزيونية التي أسهمت في إثراء الدراما المصرية.
وحصلت سناء جميل على العديد من الجوائز والتكريمات من وزارتي الثقافة والإعلام، ونالت وسام العلوم والفنون عام 1967، كما جرى تكريمها في مهرجان الأفلام الروائية عام 1998 تقديرًا لمسيرتها الفنية الثرية.
وعلى الصعيد الشخصي، مثّلت حياتها العاطفية قصة نجاح مميزة، إذ ارتبطت بالكاتب الصحفي الكبير لويس جريس، وظل الحب والدعم المتبادل يجمعهما حتى نهاية حياتها.
رحلت الفنانة سناء جميل عن عالمنا عام 2002 بعد صراع طويل مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 72 عامًا، وكان زوجها لويس جريس إلى جوارها في وداعها الأخير، لتظل ذكراها حاضرة وخالدة في وجدان الفن المصري.

