بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

عبدالرحمن سمير يكتب....الموت؟!!

الكاتب
-

سألتنى صديقة ذات مرة ما الشيء الذى يغير من شخصية الإنسان تغييرا كاملا ؟ أجبت على الفور إنه الموت بلا شك دهشت الصديقة من إجابتى تلك لكنها صمتت قليلا وقالت أنت على حق . فهل كنت على حق ؟! أم أرادت أن تجاملنى ؟فى الحقيقة هذه إجابة أقتنع بها اقتناعا كاملا وهى أن الموت هو الأمر القادر على تغيير الإنسان سواء أكان تغييرا إيجابيا وهذا هو الأصل أو سلبيا لا قدر الله. عندما كنت فى كلية الآداب قسم اللغة العربية وكنا نجلس في إحدى المحاضرات طرح علينا الأستاذ الدكتور المحاضر سؤالا مشابها وهو هل موت شخص عزيز علينا يمكن أن يغير شخصية الإنسان تغييرا جذريا ؟ وذكر لنا لقطة من فيلم اسمه (عائشة ) بطولة فاتن حمامة وزكى رستم وكان دور زكى رستم لرجل شديد الإجرام شديد القسوة يبيع أى شيء حتى ابنته باعاها لمن دفع ثمنها يقوم بتعليم ابنه النشل والسرقة لا يتورع عن فعل أى شىء وبينما كان الابن يسرق أحد الأشخاص فى الترام ينزل بسرعة منه لتأتي سيارة مسرعة لتصدم هذا الابن ويموت ،على الطرف الآخر كان الأب المجرم يرقص ويسكر فى إحدى الخمارات و يأتى له الخبر بوفاة ابنه وهنا يحدث التحول الدراماتيكى وتتغير حياته كاملة من المعصية إلى الطاعة ومن الفجور إلى الهداية لا يفارق مصلاه إلا للضرورة و يلخص مشهد النهاية الحزين ذلك التغيير حيث يترك الرجل المتحجر المشاعر عتيد الإجرام متاع الدنيا كلها ليعود مرة أخرى ليقيم صلواته واستغفاره . كان رأى الأستاذ الدكتور أن هذه المشاهد غير منطقية لا تمت للواقع بصلة وأنه كيف يتغير الإنسان بهذه السرعة ولابد من ارهاصات وبدايات لهذا التغيير فهو لا يأتي فُجاءة كما طرح الفيلم، وكنت فى ذلك الوقت أؤيد وجهة نظره تلك، لكن تغيرت تلك القناعة كلما زادت تجارب الإنسان وعصرته الحياة وشاهد بعينه تقلبات الحياة وذاق مرارتها . حكى لى صديق عزيز أنه كان لا يصلى إلا نادرا وكانت له بعض الهفوات لكن بعد وفاة زوجته أصبح يداوم على الصلاة ولا يترك فرضا واحداً أبدا بل إنه بدأ يصلى الصلوات التى فاتته وأن وفاة زوجته زلزله خاصة مع نزولها القبر وهو يودعها داخله .هذا المشهد الشديد القسوة عليه وغير المتوقع له جعله يعيد حساباته مع الله من جديد . يقول الفيلسوف كارل بوبر عن الموت( الموت هو الحقيقة الوحيدة التى لا يمكن الشك فيها أو تكذيبها ) .روى لى أحد الأصدقاء أنه بعد وفاة ابنته تحولت مشاعره من القسوة إلى الرحمة واللين بالآخرين فقد كان قاسيا فى تعامله مع والده ووالدته وحتى مع أولاده لكن بعد وفاة ابنته التى كان متعلقا بها كثيراً غيرت تلك الوفاة منه جعلته لينا فى تعامله مع أبيه وأمه وإخوته والجيران والأصدقاء،وحتى جعلته أكثر رفقا بالحيوانات .الموت له جلال وهيبة ورهبة وقدسية .هو الحق الذى لا ينافسه شيء هو هادم اللذات ومفرق الجماعات. الموت هو الحقيقة التى يراها الجميع رأى العين. أين الأحبة الذين فارقونا وبكينا على قبورهم سنين ؟رحلوا ولم نستطع فعل شيء لهم ، أين خصومنا ؟ رحلوا إلى محكمة العدل الإلهي يقتص منهم الحكم العدل وهو القادر على ذلك .وقد رُوى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بسند ضعيف أنه قال (كفى بالموت واعظا ).الموت وما أرهبه من كلمة لها وقع صعب على النفس البشرية يكرهه الكثيرون ويحبه القلة إنه الضيف الثقيل الذى يزور الجميع رغما عن أنوفهم ، يزور الغنى والفقير ،القوي والضعيف الملك والسلطان ولا يجرؤ أحد على طرده أو الفرار منه.يقول الله تعالى ( قل إن الموت الذى تفرون منه فإنه ملاقيكم ).ورغم قسوة الموت على قلوبنا إلا أنه الحقيقة وهو النهاية الحتمية لكل مخلوق خلقه الله. يقول( سقراط) عن الموت (إن الموت ليس أسوأ الشرور بل الأسوأ ان تعيش فاسداً ).عندما قرأت رواية الأستاذ يوسف السباعي رحمه الله (نائب عزرائيل) وما فيها من رمزية ووصف قصصى جميل لا يخلو من الفكاهة أحيانا وكان طرحا جديدا في ذلك الوقت عن فكرة الموت وكيف يأتي بغتة لأشخاص غير مستعدين له. واعتقد أن السؤال الأبرز فى هذه الرواية هل نحن مستعدون ؟ الموت حقيقة أزلية لا مفر منه ولا اعتراض عليه. رغم قناعاتنا وتسليمنا بحتميته إلا أننا لا ننتظره ونحاول نسيانه كثيراً لكنه آتينا ليقول لنا هل أعددت نفسك لتلك الرحلة الأبدية التى لا عودة منها أم أن الدنيا قد ألهتك عن حقيقة مصيرك المحتوم