بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الدكتورة ميادة محمود تكتب :الغذاء المستدام .معركة البقاء القادمة في عالم لا يشبع

الكاتبة
-

لم يعد السؤال اليوم: كيف نُنتج المزيد من الغذاء؟ بل أصبح السؤال الأخطر: كيف نُنتج غذاءً يكفي الجميع دون أن ندمّر الكوكب؟ في عالم يقترب سكانه من عشرة مليارات نسمة، ويعاني من تغيّر مناخي متسارع، وتآكل الأراضي الزراعية، وشحّ المياه، تحوّلت قضية الغذاء من ملف زراعي إلى قضية وجود وبقاء. هنا يبرز مفهوم الغذاء المستدام كأحد أخطر وأهم رهانات المستقبل.

ما هو الغذاء المستدام؟ولماذا لم يعد ترفًا؟

الغذاء المستدام هو الغذاء الذي يُنتج بطرق تحافظ على الموارد الطبيعية، وتضمن الأمن الغذائي للأجيال الحالية والقادمة، • يقلّل من التلوث والهدر يدعم العدالة الاجتماعية وصغار المزارعين ويحترم صحة الإنسان والبيئة معًا. ببساطة: هو غذاء لا يسرق من المستقبل ليُشبع الحاضر.

العالم على حافة أزمة غذائية صامتة

رغم التقدم التكنولوجي، تشير المؤشرات العالمية إلى حقائق مقلقةوهى :ثلث الغذاء المنتج عالميًا يُهدر،أكثر من 800 مليون إنسان يعانون من الجوع ،الزراعة مسؤولة عن نحو 30% من الانبعاثات الكربونية، تغيّر المناخ يهدد إنتاج الغذاء في عشرات الدول ،المياه العذبة تتناقص بوتيرة غير مسبوقة. إن استمرار أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية يعني أن العالم يتجه نحو أزمة غذاء عالمية حقيقية، قد تكون أشد من أزمات الطاقة.

لماذا يُعد الغذاء المستدام حجر الزاوية في التنمية المستدامة؟

لأن الغذاء المستدام يرتبط مباشرة بـ:الصحة العامة،الاستقرار الاجتماعي،الأمن القومي ،الاقتصاد الوطني وكذلك حماية البيئة ولهذا جاء في صميم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، خاصة:القضاء على الجوع والزراعة المستدامة والعمل المناخي وايضا حماية النظم البيئية. فلا تنمية حقيقية دون غذاء آمن، ولا أمن دون سيادة غذائية.

من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الذكية

يتجه العالم إلى الزراعة الذكية مناخيًا، والزراعة الرأسية، والزراعة العضوية، واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لأن الهدف لم يعد فقط زيادة الإنتاج، بل زيادة الكفاءة مع تقليل الأثر البيئي.

مصر والغذاء المستدام… بين التحدي والفرصة

تواجه مصر تحديات غذائية معقدة مثل زيادة سكانية متسارعة ومحدودية الأراضي الزراعية ،شحّ المياه وتغيّر المناخ لكن في المقابل، تمتلك مصر فرصًا حقيقية لبناء نموذج غذائي مستدام من خلال:التوسع في الزراعة الذكية ومشروعات استصلاح الأراضي وتطوير نظم الري ودعم سلاسل القيمة الغذائية وتقليل الفاقد والهدروالاستثمار في التصنيع الزراعي وكذلك دعم صغار المزارعين ،إن التحول نحو الغذاء المستدام لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية.

الغذاء المستدام ليس مسؤولية المزارع وحده

المنظومة الغذائية تبدأ من الأرض ولا تنتهي عند المائدة بل هي سلسلة تشمل:الإنتاج ،النقل ،التخزين ،التصنيع والتسويق الاستهلاك ولهذا فإن الحكومات تضع السياسات والقطاع الخاص يستثمر والبحث العلمي يبتكروالمستهلك يغيّر سلوكه فكل فرد شريك في معركة الغذاء المستدام.

نحو ثقافة غذائية جديدة

الغذاء المستدام لا يعني فقط كيف نزرع، بل أيضًا كيف نأكل. وهذا يعنى ان يكون لدينا ، وعيًا غذائيًا ،أنماط استهلاك مسؤولة ، دعم المنتجات المحلية ، تقليل الاعتماد على الغذاء المستورد واحترام قيمة الطعام، إن تغيير الثقافة الغذائية جزء لا يتجزأ من الاستدامة. في عالم يتغير مناخُه، وتتقلص موارده، ويزداد سكانه، لن يكون الغذاء المستدام رفاهية فكرية أو شعارًا بيئيًا، بل الخط الفاصل بين الاستقرار والفوضى، وبين البقاء والندرة.

الدول المستثمرة اليوم فى الغذاء المستدام هى التى ستاكل بكرامة

إن الدول التي ستستثمر اليوم في غذاء مستدام، هي الدول التي ستأكل غدًا بكرامة.أما التي تؤجل القرار، فستدفع الثمن أمنًا واقتصادًا وسيادة. الغذاء المستدام ليس مجرد طعام على المائدة…بل سياسة، واقتصاد، وعدالة، ومستقبل. ومن يحسن إدارة غذائه اليوم يحسن كتابة تاريخه غدًا

الكاتبة

باحث فى مجال التنمية المستدامة ومدرس الميكروبيولوجى

استشارى التغذية العلاجية وأمين البيئة والتنمية المستدامة بحزب الجبهة بالشرقية