التحول الرقمي .. والشمول المالي .. غاية أم وسيلة؟؟

رغم كل الجهود المبذولة مازال المشوار طويل جدا.. مصرعلي الطريق الصحيح بخطوات ثابتة.. رغم التحديات الكبيرة
التحول الرقمي ليس ترفا ولا وجاهة ولا منظرة ولا محاولة لتقليد الآخرين ولا محاولة للحاق بركب التغيير السريع جدا في الحياة حولنا في العالم كله. وبالطبع لا يمكن بحال من الاحوال الإهمال او التلكؤ او التمهل ولكن لابد من إسراع الخطوات واستنهاض الهمم وتحفيز كل الاطرف حكومة وشعبا لتحقيق خطوات عملية باقصى سرعة للوصول إلى نتائج جيدة في مشوار التحول الرقمي. هذا المشوار الذي لانهاية له أبدا لانه يولد في كل لحظة فرصة جديدة ومفاجات لا تنتهي فالتحول الرقمي بحر لا قرار له وعمق بلاحدود ولا شواطيء
واذا سألت اي مواطن او اي مستثمر في مصر او اي مكان في العالم عن اقصي أمانيه من الحكومات ستكون الاجابة المختصرة الشاملة إلا يضطر للتعامل مع الدواوين والموظفين وهنا يكون الحل السحري هو الرقمنه والتحول الرقمي الكامل والشمول المالي .
مع هذا وذاك لا تعامل مباشر مع الموظفين ولا أوراق ولا أختام ولا بيروقراطية ولا روتين ولا فوت علينا بكرة يا سيد وايضا لافساد ولا مجاملات ولا محسوبيات ،ولا لف ودوران وصعود وهبوط بين سلالم ومكاتب الموظفين في الهيئات الحكومية وغيرها .
يطول الحديث عن مزايا ومكاسب الدولة والمواطن من التحول الرقمي والشمول المالي ، فهو يضمن تحسين الخدمات الحكومية بشكل كبير وتمكين المواطن من الحصول عليها بدون مشقة ويضمن دعم الاقتصاد وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر ،وباختصار شديد يجعل الحياة أسهل وأكثر رفاهية
مصر على الطريق الصحيح
رحلة التحول الرقمي في مصر بدأت مبكرا ولكنها تعثرت كثيرا بسبب الأمية ولا نقصد هنا فقط الأمية بمعناها الحرفي الجهل بالقراءة والكتابة وانما ايضا الأمية الرقمية وجهل الناس بأبجديات الرقمنة ، ووجود فجوة كبيرة بين نظام ومناهج التعليم وبين المهارات المعرفية الخاصة بالعالم الرقمي .
ورغم كل شيء لا يمكننا إغفال جهود الوزراء السابقين الذين بدأوا ووضعوا اللبنات الاولى في أسس التحول الرقمي في مصر وفي مقدمتهم الدكتور طارق كامل الشهير بابو الانترنت في مصر لانه حقق أول اتصال بالإنترنت في مصر خلال تسعينيات القرن الماضي ونجح في ادخال خدمات الإنترنت التجارية كما أسس جمعية الإنترنت في مصر، وساهمت جهوده في ترسيخ مكانة مصر الإقليمية كدولة رائدة في مجال الإنترنت وفتح مسارات لدول مجاورة للاتصال بالشبكة العالمية.ولذلك احتفي به العالم وتم وضع اسمه في قائمة مشاهير الإنترنت لعام 2025، تقديرًا لدوره الريادي في إدخال الإنترنت إلى مصر وتعزيز نموذج حوكمة الإنترنت المتعددة الأطراف على المستوى العالمي.
كما لعب دورًا محوريًا في تأسيس المركز الأفريقي لمعلومات الشبكات (AFRINIC) بوصفه السجل الإقليمي للإنترنت في أفريقيا،وكان وزيراً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بين عامي 2004 و2011، حيث إصلاحات عملاقة في قطاع الاتصالات، ووسّع نطاق انتشار الإنترنت وخدمات النطاق العريض، كما دعم خدمات التعهيد وريادة الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. واختير باعتباره أفضل وزير لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أفريقيا في عام 2005. وعكست رؤيته والتزامه بتمكين الشباب من خلال برامج وطنية لتدريب الخريجين، وإدماج مهارات تكنولوجيا المعلومات في المدارس، ودعم الشركات الناشئة.
والحقيقة ان كل مصري يرنو إلي التحول الرقمي يحمل كل التقدير والعرفان لهذا الرجل ، ايضا واصل وزراء بعده المشوار ومنهم الدكتور محمد سالم، الدكتور عصام شرف، المهندس عاطف حلمي، والمهندس ياسر القاضي الذين وضعوا اللبنات الأولى لشبكات الاتصالات وتطوير البنية التحتية الرقمية ومهدوا الطريق لتطبيق خدمات الحكومة الإلكترونية والشمول المالي وكان ذلك تمهيدا ضروريا للوصول إلى المنصات الرقمية الحديثة التي نراها اليوم ونفخر بها مثل بوابة مصر الرقميّة
والحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن الدكتور عمرو طلعت منذ توليه وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عام 2018 وحتي الآن كان بمثابة نقلة نوعية كبيرة جدا في التحول الرقمي في مصر حيث جاء يحمل حلما كبيرا في ضرورة رقمنة الخدمات الحكومية بالكامل ووضع خطة متكاملة لتطوير البنية التحتية الرقمية بالتوازي مع اعداد اجيال من الشباب المؤهل وأطلق برامج تدريبية جديدة ومتنوعة من سن المرحلة الابتدائية وحتي الجامعة والخريجين ودائما يري ان الانسان هو اعظم ثروة ومن خلال وجود كوادر بشرية يمكن لمصر أن تحقق أهدافها في التحول الرقمي والاقتصاد الرقمي وتصدير الخدمات الرقمية ويري ان هذا التصدير سيكون اهم من النفط
ومن خلال الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للتحول الرقمي خلال العشر سنوات الأخيرة حقق طلعت نجاحا لافتًا وتطورًا غير مسبوق في الخدمات الحكومية الإلكترونية حيث أطلقت الحكومة منصات شاملة توفر مجموعة واسعة من الخدمات للمواطنين لاستخراج الأوراق الرسمية مثل شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية وغيرها والتراخيص وشهادات المخالفات المرورية وايضا اعتماد التعليم والخدمات الصحية على الرقمنه. وهناك الكثير والكثير من الامور المهمة والخدمات التي اصبحت متاحة على منصة مصر الرقمية حيث تم ربط الخدمات الحكومية بحسابات رقمية وآليات دفع إلكترونية ما سهل على المواطنين الوصول إلى الخدمات دون الحاجة للذهاب إلى المكاتب الحكومية
ومن خلال المنصة الرقمية أصبح المواطن المصري والمقيم والمستثمر، قادرًا على الحصول على أكثر من 200 خدمة حكومية متاحة إلكترونيًا في كل القطاعات تقريبا .
ويبلغ عدد المستخدمين والمستفيدين من المنصة نحو 10 ملايين مستخدم حتى نهاية 2025 بزيادة 28% عن العام السابق وكل يوم هناك زيادة في عدد المستخدمين .
وبلغ عدد المعاملات المنفذة عبر المنصة خلال 2025 نحو 23.8 مليون معاملة بزيادة كبيرة عن العام السابق 7.8 مليون معاملة، وتم إطلاق 16 تطبيقًا ذكيًا للموبايل تعمل على نظامي iOS وAndroidبهدف توسيع استخدام الخدمات الرقمية بزيادة 400% في التطبيقات المتاحة خلال 2025، هذا التحول لم يقتصر على التسهيل الإداري فقط بل ساهم في تمكين المواطنين من الحصول على حقوقهم وعلي المعلومات والخدمات بسرعة كبيرة وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق المواطنة الرقمية
استثمارات ضخمة جدا في البنية التحتية
الحديث عن التحول الرقمي لاينفصل عن ضخ الاستثمارات الحكومية الضخمة في البنية التحتية للاتصالات وهي العمود الفقري لنجاح أي مشروع رقمي
وقد استثمرت مصر بقوة وكفاءة في تطوير شبكات الاتصالات بما في ذلك إطلاق شبكة الجيل الخامس 5G التي ضاعفت سرعات الإنترنت ووضعت مصر في ترتيبها التي تستحقه كأسرع إنترنت في قارة إفريقيا
ولذلك تضاعف السرعة والقدرة على نقل البيانات بكفاءة كبيرة وهو ما اسهم في الخطوات الكبيرة في طريق التحول الرقمي كما تم إنشاء مراكز بيانات متقدمة مجهزة بأحدث التقنيات لتخزين ومعالجة البيانات الحكومية والخاصة وهو ما يعزز قدرة الدولة على تقديم أفضل خدمات رقمية آمنة وموثوقة
وكما يؤكد الدكتور عمرو طلعت أن استراتيجية مصر الرقمية تتمحور حول المواطن وتستهدف تنمية المهارات الرقمية ونشر الثقافة الرقمية لدى المواطنين وتقديم خدمات رقمية شاملة عبر تنفيذ مشروعات لرقمنة الخدمات الحكومية، فضلا عن توفير فرص اقتصادية رقمية لإتاحة فرص عمل للمواطنين وقيمة مضافة، حتى اصبحت مصر ضمن المجموعة، في مؤشر جاهزية الحكومة للتحول الرقمي.
بينما حققت منصة مصر الرقمية نسبة كبيرة من التيسير على المواطنين في الحصول على الخدمات الحكومية؛ كما سيتم إطلاق بطاقتي الرقمية لخدمات التحقق الرقمي من الشخصية عن بعد قريبا لإصدار توكيلات وخدمات المصريين في الخارج، وإطلاق خدمات استخراج الوثائق المصدقة من وزارة الخارجية وتتضمن عدد 4 شهادات وهي الميلاد والزواج والطلاق والوفاة.
التحول الرقمي اذن ليس ترفا كما ذكرنا وانما هو جوهر الحياة ولا يتصور وجود مجتمع بدون التحول الرقمي، والفوائد كثيرة وتحقق أهدافا عظيمة في تقليل التكاليف وزيادة الأرباح،و توفير البيانات واتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة وتطوير شامل لكافة جوانب العمل. والخدمات كما يساهم في القضاء على الأخطاء البشرية
رؤية 2030
التحول الرقمي يرتبط ارتباطا وثيقا بالشمول المالي ، ولذلك فإن رؤية مصر 2030 لم تتناول فقط التحول الرقمي وانما لابد ان يرتبط الأمر بتطويرالخدمات المالية او ما يعرف بالشمول المالي ، وقد قام البنك المركزي المصرى بجهود كبيرة لخفض القيود (مثل خفض سن فتح الحسابات) وتحفيز استخدام القنوات الرقمية كـ تطبيق انستا باي، مما يرفع مؤشرات الشمول المالي ويقلل الاعتماد على النقد، رغم وجود تحديات هائلة مثل الامية ونقص المهارات الرقمية التي تتطلب المزيد من التدريب .
وتتبنى الحكومة استراتيجية "مصر الرقمية" لرقمنة الخدمات الحكومية ونشر الثقافة الرقمية، مع التركيز على تنمية المهارات وزيادة الوعي ، وبالفعل هناك تقدم كبير وارتفاع ملحوظ في معدلات الشمول المالي إلى 74.8% بنهاية 2024، وتزايدت لدى الشباب بشكل خاص (54.4% في 2025 ويواصل البنك المركزي إجراءاته المحفزة وتوسيع قاعدة المتعاملين حيث يستهدف الوصول إلى 52 مليون مواطن يمتلكون حسابات نشطة، مع التركيز على الاستخدام الفعلي للحسابات. والحقيقة ان انستا باي (المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية) حققت نجاحًا كبيرًا في تحويل المعاملات النقدية إلى رقمية. وهناك اخبار مبشرة عن إطلاق البنوك الرقمية حيث وافق البنك المركزي على إطلاق أول بنك رقمي متكامل في مصر، من المتوقع أن يطلق رسميًا في العام الجديد
لتعزيز الشمول المالي.
التحديات
رغم الخطوات العملاقة في طريق، التحول الرقمي والشمول المالي ، الا إنالتحديات والمعوقات كثيرة حيث لا تزال هناك فجوة في المهارات الرقمية العالية مما يتطلب تدريبًا مستمرًا وهذا ما تقوم به وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات واهتمام خاص من الوزير، كما إن هناك ايضا حاجة ملحة لتعزيز الوعي بأهمية وقيمة التكنولوجيا المالية بين فئات المجتمع ، خاصة كبار السن والسيدات كذلك لابد أن يكون هناك اجراءات مكثفة لدمج قطاع كبير غير رسمي في الاقتصاد الرسمي والقضاء على كل التحديات التي تحول دون ذلك
مخاطر التحول الرقمي والشمول المالي - وأهمية الأمن السيبرالى
لايخلو شيء من المخاطر وهناك ارتباط طردي بين الرقمنة والمخاطر فكلما زاد الشمول المالي والتحول الرقمي. كلما ظهرت الحاجة الملحة إلى تعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات وأطلقت مصر استراتيجيات شاملة لحماية المعلومات الرقمية والخصوصية الشخصية للمواطنين وأنشأت جهات متخصصة لمراقبة المخاطر السيبرانية والتهديدات الرقمية بما في ذلك الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية
وبالتأكيد فان حماية البيانات أمر أساسي وضروري في بناء الثقة بين المواطنين والدولة خاصة مع انتشار الخدمات المالية الرقمية والشمول المالي وقد شهدت السنوات الأخيرة تطوير قوانين وتشريعات لحماية البيانات والخصوصية الرقمية بما يتوافق مع المعايير الدولية ويضمن أمان المعلومات الشخصية .
الرئيس السيسى يضع المواطن فى قلب التحول الرقمى
ومن هنا يأتي الدور الكبير لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جعل التحول الرقمي استراتيجية وطنية، ورفع من أولوياته في أجندة التنمية المستدامة لمصر، مؤكداً في كل خطاب وكل اجتماع أن رقمنة الدولة والشمول المالي ليس رفاهية، بل أساس مستقبل مصر وأمان مواطنيها، وأن تحقيق قفزات نوعية في البنية التحتية الرقمية وبناء القدرات البشرية هو السبيل لتوفير حياة كريمة للمواطنين وتحفيز الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستثمار. لقد أصر الرئيس السيسي منذ البداية على وضع خطة متكاملة للتحول الرقمي تشمل تطوير البنية التحتية، وتشجيع الابتكار، وتمكين الشباب، وتوحيد المنصات الرقمية الحكومية، مع التأكيد على أن مصر لن تتقدم إلا عبر الإنسان المتمكن رقمياً، والدولة الذكية القادرة على تقديم خدماتها بسرعة وشفافية وعدالة. إن حرصه المتواصل على هذا الملف الاستراتيجي يعكس رؤيته الثاقبة لمستقبل رقمي متكامل يضمن سيادة الدولة وتقدمها وتحقيق رفاهية المواطنين، وهو ما ساهم في إطلاق برامج ومبادرات رائدة جعلت مصر نموذجًا يُحتذى به على مستوى المنطقة في مجال التحول الرقمي والشمول المالي.

